على عتبة التخرّج- أتقيّأ!/ مها زيدان
(مقالة سليمان ناطور النقدية في الأسفل) |مها زيدان| من أ […]
على عتبة التخرّج- أتقيّأ!/ مها زيدان
(مقالة سليمان ناطور النقدية في الأسفل)
|مها زيدان|
من أمام المرآة، بفضل الـ “وِنش” تحت قدميّ، أنا أكثر طولًا، بفضل المشدّ أنحَف، بفضل طبقات الـ “ميك أب” ليس ثمّة فوّهات ولا جبال ولا تضاريس مراهقيّة في وجهي الأسمر. بفضلكم لستُ أنا!
سيّدةٌ أنا لا زالت تحضن لعبتها قبل النوم، ستتخرّج اليوم من المدرسة الثانوية، سيّدة حلمت كأربعة أرباع خرّيجي وطنها، بدراسة الطبّ، مع أنّها أتقنت لسنوات فنّ صناعة الطائرات الورقيّة، وسُجنت مِرارًا في المدرسة حين وزّعتها- بتهمة التجارة بالأسلحة ونشر الفوضى. أضربت عن الطعام فعَفَوا عنها وأخلَوا سبيلها لتلحق برفاق السّكاكر.
سيّدة لا زال أكبرُ همومها جرس المدرسة حين يدقّ. امتحانٌ حول قيس وليلى في الغد.
تخشى الحبّ كفكرة، لما سمعت أنّه بقايا بكاء، ووقوف على الأطلال. تكره الوقوف!
“نتقتهُ”- بالقاف القرويّة التي تُصمُّ الحلق، شعبها مازوخيّ يتلذّذ “بسرعة انقضاء أوقات الوصال” بدل وصف أوقات الوصال ذاتها!
تخشى الحبّ وترغبه كمعنى، تتلذّذ سرًّا حين يمرّ مشهدٌ سينمائيّ رومانسيّ. وتوهمهم بأنّها تبحث عن جهاز التحكّم- لتقلِبَ القناة، عينٌ على “العيب” وأخرى على “الشّهوة”.
الذكور وحوش تتربّص على “دوّار” القرية. ولم تؤمن مرّة لمَ عليها أن تتكوّر في خيمة سوداء خماريّة كي تتقّي جهنّم الأعين، لمَ لا تُفقأ أعينهم القذرة؟
.
كالإوز الشاميّ تتقافز بالكعب العالي؛ لم تعتَد أن تكون في مثل هذه الطبقة الجوّيّة المرتفعة، تسعُل، يختلف الهواء هناك.
“تقحط” عن وجهها القليل من “الكلس الأبيض” فيعلق بأظفارها، تقرف!
- بشرفكو إسّا! عنجد حلو؟!
- آه آه بلا هَبَل! بِخوِث!
ولا تقتنع. فيمِن الخلل؟! ليست تدري.
.
تتقافز كالإوز، من جديد، تتدرّب على مشيتها أمام الناس، حين تتقدّم الخرّيجين على البساط الأحمر، حتى لا تتعثّر وتصير حديث الصحف النسائية وصواني القهوة الصباحيّة في البلد.
.
بنطال أبيض، قميص أحمر و”وِنش” أخضر، عباءة سوداء. تقفز درجات المسرح.
“هل أراك؟
سالمًا..”
تُسرع، تُطير لهفةُ النهاية هوامشَ شعرها “الكاريه”.
ريحٌ تضاجع العَلَم في الأفُق، تعارك نجمتهُ والخطّين الزرقاوَين. تطيرُ الرّيح لتصفع طائراتها الورقيّة وأحلامها، و”خِلقتها”، تخترق أكداس المكياج وتخدشها.
“هل أراك؟
في عُلاك..”
.
تمرّ طائرة عسكريّة زاعقة، تفتحُ هيَ أذنيها كي لا يلحقَ النشاز بالنشيد.
تجرحُ الموسيقى خدّها، لا تبكي.
“الجمالُ والجلال والسناءُ..”
.
الكلام والريح، كلٌّ من أذنٍ يخترقانها، يعصفان بها! شعورٌ أشبه بالثورة والخبز والزعتر.
وتُفلتُ دمعة، تنحني للخريطة وتخلع حذاءها ترميهِ بعيدًا! تسيرُ حافيةً وأظفارها في وجهها تزيلُ الرُبى والأقنعة.
ينظرون ويعدّون القهوة، بسرعة، وينسَون السكّر. فالحكاية مُرّة. ولا تأبه!
فيمَن الخلل؟ الآن تدري.
.
قراءة لنص مها زيدان: على عتبة التخرّج- أتقيّأ!/ سلمان ناطور
هذا النص ليس خاطرة ولا قصة قصيرة. إنه صورة قلمية، وهذا لا يقلل من قيمته الفنية والأدبية، فالصورة القلمية تحتاج إلى قدرات ابداعية عالية ولها وقعها في التأثير الوجداني وموقعها في ملامسة الوعي.
يصور نص مها مشهدا قصيرا وسريعا في يومية فتاة على عتبة التخرج من المدرسة الثانوية، وبالذات في يوم التخرج واحتفال “الآخرين” بها.
لا يبدو لي أنه احتفالها هي بل احتفال أهلها والناس (بفضلكم لست أنا) وهي كل ما عليها أن تفعله هو أن تظهر جميلة، “أو بتعبيرها : بتخوث” ، أمامهم كالاوز الشامي.
كلمة “أتقيا” في العنوان مسيئة للنص، أولا لأنها كلمة غير جميلة ومثيرة للتقزز في صدر النص، وثانيا لأنها توجه القاريء الى موقف ثانوي في النص، إلى الاحساس بالتقزز بدل النقمة وهو في مجمله نص محرض ومثور وناقد بامتياز.
أحببت نص مها زيدان لأن لغتها جميلة وسليمة ويبدو أننا أمام كاتبة واعدة.
في النص عدد من الجمل الأدبية، مثل: “عين على العيب، واخرى على الشهوة”، “ريح تضاجع العلم”، بشكل عام كتابتها سلسة وتتقن وصف الصور المتخيلة فتنقلها إلى القاريء متكاملة ومشحونة بالأفكار التي تحملها اياها.
عودة إلى البداية: لماذا لا أسمي النص قصة قصيرة؟
لأن القصة فيها غائبة، لا حدث فيها ولا ما يحدث للبطلة سوى تحول في الهواجس، كأنها مناجاة متواصلة امام المرآة، وهي كذلك اذ تبدأ النص باعلان أنها أمام المرأة تصبح “سيدة غير شكل”. وهي مناجاة في واقع شفاف ومتغير وغير واضح المعالم. هي صورة قلمية تشدك من بدايتها، ولا شك ان سردها بضمير المتكلم يقبض على فضولك لمعرفة المزيد، بين وجهتي قراءة متنازعتين؛ هل هذه اعترافات الكاتبة نفسها ام أنها بطلة متخيلة تصور مشهدا في حياة” أربعة أرباع خريجي وطنها”؟
أميل إلى القراءة الثانية. لكي أقرأها قراءة ادبية فقط.
إنها صورة قلمية ساخرة حد الايلام.
منذ البداية ومع سبق الاصرار، نصبت الكاتبة مجموعة أهداف ووجهت سهامها إليها لتصيب في دائرة المركز، هذه الأهداف هي: تزييف المظاهر وتجميل القبح ، القمع في المدرسة والتربية على فكرة بائسة لمعنى الحب : البكاء على الأطلال وعدم شرعية الحب والشهوة ، نظرية “كل ما تشتهي أنت والبس ما يشتهيه الآخرون” وفي النهاية وهي ذروة هذه السخرية: التناقض بين “موطني” المتخيل والجميل والراقي والسناء والجلال وبين موطني في واقع كله بؤس وزيف ونفاق.
ازاء هذا الواقع، تسأل الكاتبة مرتين: في من الخلل؟
في المرة الأولى تتساءل: هل الخلل في من يمارس التزييف ام في من يقبله ويتبناه؟ وفي المرة الثانية: هل هو في واقع تطغى عليه طائرة عسكرية فلا يسمع النشيد الحقيقي للوطن، ام في السكوت على هذا الواقع المتناقض وقبوله كما هو؟
في هذه الأيام بالذات نحن نقرأ هذا النص وفي قرانا ومدننا ومدارسنا الكل منشغل حتى العظم في حفلات التخريج. الكل يتنافس على مظاهر الاحتفال كأي احتفال اجتماعي آخر من احتفالاتنا ، انه تنافس على المظاهر الزائفة وعلى الشكل “الكيتشي” الدخيل على حياتنا، ولكن أهمية هذا النص ليس في انه يعالج ظاهرة هجينة ومستهجنة في حياتنا بل أهميته هي في انه يصور حالة تغييب الوعي التي تسببها هذه الظواهر الهجينة والمستهجنة. وقد لا تكون حفلات التخرج وحسب بل كل ما غزا حياتنا الاجتماعية والثقافية.
النص الذي يتناول حدثا صغيرا للتدليل على حالة عامة يصنف في مرتبة النص الجيد واللافت للنظر.
لا أومن بالنقد الذي يقول للكاتب كيف كان عليه أن يكتب او أن يضع نهاية لنصه ولكن انهاء النص بسؤال، عادة، يضعفه.
عند مها ينتهي النص بسؤال: في من الخلل؟ وهو يتكرر لكن في المرة الأولى طرح في سياق “تبييضها لوجهها” وتزييف ملامحه، وجاء جوابها سريعا وبلا مقدمات: ليست تدري. وأما في نهاية النص فورد نفس السؤال وجاء الجواب: الان تدري.
أفهم مما كتبت أن الخلل الأول في الفرد والخلل الثاني في المجتمع. اذا كان هذا ما أدركته بطلة النص بعد هذا التأمل فيكون النص بلا قيمة فكرية تذكر. ولو انتهى بمقولة واضحة وصارخة لها لكان وقعه أكبر.
لم أفهم من هم الذين ” ينظرون ويعدون القهوة” في السطرين الأخيرين.
أظن أن شيئا ما بتر هنا. لا يستدعيه النص ولكن نتائج هذا البتر أفقدته شيئا من قيمته الجمالية .
في الختام، لقد استمتعت بقراءة هذا النص للمرة الأولى والثانية والثالثة وفي كل مرة أردت ان اتأكد من أنني حقا فهمت ما قرأت فأعيد القراءة وأرجو أن أكون أحسنت في قراءته كما أحسنت مها زيدان في كتابته.
1 يوليو 2012
رائعه مها
27 يونيو 2012
الي من امثالك من العرب انتو شخصيات بترفع الراس بالعالي العالي. وما راح تنزل ابدا
اوفعي راسك لا تخجلي تكلمي افصحي عما في قلبك افصحي عن شعورك
الله يخليك على هذه الكلمات وعلي هذا الموضوع بجد وبشرفي انو بخوث
الله يخليك لاهلك وترفعي راسهم مثل ما انت رافعه راسكك هسا
26 يونيو 2012
مها زيدان و بيكفى:)
26 يونيو 2012
نص يفصح عن حس مرهف وسخرية لاذعة وفكاهة مرّة. ممتع جدًا.
والآن إلى النكد والغضب، كم كنت أرغب في قراءة هذا النص لو كنت من الذين رفضوا اللعب حسب قوانين اللعبة من البداية. أعرف الضغوط التي تنهال على من يتمرّد على الطقوس التافهة (حفل تخرّج، حفلة زفاف يكون فيها جميع المدعوين من جيل الوالدين والجد، ولا تعرف الموؤودة فيه بأي حق عُرضت، مزاودات تافهة كاذبة بصدد البذخ في ما يقدم من مأكولات في الحفلات وتصريحات من يده في الماء بأنه لن يقلّد غيره، ثم نجده سباقا إلى التفوّق عليهم في التعويض بالبذخ عن كل ما لا يمنك من رجاجة وخلق…وما إلى ذلك).
كانت مقالتك هذه ستكون أجمل لو جاءت تتويجًا لسلوك يتسق مع تفكيرك، وأظنني أعرف شيئًا منه وعنه.
26 يونيو 2012
مبدعه , كلام سلس وجميل و نص جذاب
26 يونيو 2012
جميل
25 يونيو 2012
بك نفخر.
25 يونيو 2012
رائعة يا مهى إلى الأمام كلمات أكثر من رائعة تسطحبنا إلى عالمكي إلى حلمكي حيث عشت تلك اللحظة وكأننا نعيشها الآن
أعجبني أيضاً التداخل السياسي الإجتماعي كل الإحترام
25 يونيو 2012
لا بأس
25 يونيو 2012
الكتابة الجميلة تتدفعك لقراءة النص مرة تلو الاخرى دون ملل! رائعة يا مها! لا تبخلي علينا بالمزيد
25 يونيو 2012
اسلوبك رائع
استمتعت كثير بقراءة الي كاتبتي !! كل الاحترام الك وبالتوفيق