رُدّني إلى بلادي/ تغريد عطا الله
شغلت بال طالب الثانوية الغزّي حينما وضعت لجنة الامتحانات سؤالًا اجباريًا يقول: “عرّف الكائن البشريّ وأعطِ مثالاً”. كان البحث في جوجل سيكون مُجديًا لولا أنّ الفلسطيني طوال سنين وقفته بوجه المحتل استنزف هذا الكائن البشريّ، شيئًا فشيئًا…
.
|تغريد عطا الله|
“دُلني على من يملك أعصابا باردة ليمارس حياته الطبيعية، ويقوم بمهامه المهنية، وسط هذا التوتر الذي نحياه، وتسارع الأخبار وترقب التطوّرات.. شلل كامل”. هذا القول سجلّه على حائطه الفيسبوكيّ الكاتب الصحافي عدنان أبو عامر، بعد يوميْن من اعلان اختطاف المستوطنين الثلاثة، ويوافقه أحد المتابعين بقوله: “هذا ما أصابنا يا صديقي”.. آخر يُذّكر بمونديال كأس العالم كمخدّر مؤقت، وتتوالى الردود في ذات السياق الدراميّ. إذن، هو “الاستنزاف النفسيّ في الحياة اليوميّة” ذاته كما يورده أحد أساتذة جامعة هارفرد الأمريكية في محاضرة علميّة كسبب جوهريّ لإضعاف قدرة الفرد على الثبات لفترة طويلة في مواجهة الضغوط النفسية وتحليلات نفسية أخرى كثيرًا ما تنشط “على أبو ودنه” في الميدان الفلسطينيّ، وخصوصًا في موسم ترقب مجريات الأمور..
السيناريوهات ذاتها تتكرّر كمشهد سابق روتيني ومعتاد، رُتبت لأجله كلّ الاستعدادات اللازمة، وبدأت المؤسّسات الاعلامية كعادتها بمواكبة الحدث أولًا بأوّل: رصد الغارات الجويّة وأماكن وقوعها؛ عدد القتلى؛ الجرحى؛ حجم التدمير؛ الخ. وكان السؤال: إلى متى سنبقى نتداول هذه المشهديّات؟… فلسطين ستبقى على هذا الحال إلى أبد الآبدين”، كما يجيب الكاتب أحمد الحاج مسرعًا في مشيته للحاق بلقاء تلفزيونيّ لتحليل مستجدّات الأحداث. وحده زياد رحباني يثلج القلب بجملته: “بعدني مش عم بفهم، ليش عم يموت الولد وهو بيلعب بالشارع؟ ليش عم تموت المرا وهي عم تبرم عالخبز؟” ليشفي بكلماته غليل فكرة تشغل البال.
أخيرًا شغلت بال طالب الثانوية الغزّي حينما وضعت لجنة الامتحانات سؤالًا اجباريًا يقول: “عرّف الكائن البشريّ وأعطِ مثالاً”. كان البحث في جوجل سيكون مُجديًا لولا أنّ الفلسطيني طوال سنين وقفته بوجه المحتل (بمختلف أسمائه ودياناته) استنزف هذا الكائن البشريّ، شيئًا فشيئًا، ولم يعد يحتمل فعلًا المزيد من المعاناة لعيش يومه بسلام..
(غزّة)
26 يونيو 2014
المشكلة الجوهرية اللتي يعانيها الفلسطيني ليس في عودته لبلاده بل في تلك الرؤى المختلفة لمفهوم البلد بين الفلسطينيين انفسهم اولاً قبل غيرهم حتى بات احدنا لا يعلم ماذا يجيب ان سأله أحدهم : اين وطنك؟