من الاثنين للخميس دعس على تراب “سلمة”/ راجي بطحيش
|راجي بطحيش| الإثنين / ها قد وصلت إلى أرض قرية “س […]
من الاثنين للخميس دعس على تراب “سلمة”/ راجي بطحيش
|راجي بطحيش|
ها قد وصلت إلى أرض قرية “سلمة” أو كما تسمى الأن طريق شلومو ومن “سلمة” إلى شلومو أنهكني التعب… واستحضار السخرية لأطفئ فيها حرائق الأسئلة وحرقة فقدان كل ما لم تتضح معالمه بعد…
وصلت إلى “سلمة” عند مفرق يحتفل بتشظيه… وقفت مع قرار لا رجعة فيه أن أزني أو أثمل حتى النوم أو أن أحب مثلا كباقي الكائنات المستتر منها والمشتهى… ما اللحظة المعطاة الا طابور لا ينتهي مِن مَن أشتهي الأن… في هذه الزاوية أو تلك ثمة لمعان في عيون هؤلاء الهائمين يجعلني أود لو استعير زاوية وبرهة عند انعطافة “هرتسل” قرب ناد ليلي مريب… لا يلجه أي عابر… ولا يملك رموزه سوى من فككوا أسرار المكان وصمتوا…
عند انعطافة “هرتسل”… أتخذ لنفسي زاوية متصالحة مع شهوتها هذا المساء… عند انعطافة “هرتسل”… عند مشارف “سلمة”… ثمة أتربة تفقأ عيني… ومخابئ وطاويط تدبّر مكيدة… وقطط لا تخترق الحد البرتقالي الفاصل بين “سلمة” و”فلورنتين” بل تقف هناك بعيدا… تلمع عيناها غيرة… وفي فمها عظام الحمقى وفتات بيت كان قد سإم الانتظار…
يوم الاثنين ليلا… ها أنا أخترق الدرب المتكسر… نحو الحد البرتقالي الفاصل أدنو بعد أن كنت قد أفرغت رغباتي داخل عيون زرق قاتلة… وبعد أن ارتوت شفتاي من خمور الصدفة…
افتح لي رحم التاريخ أيها الليل…
كي أغفوا قليلا…
الثلاثاء /
أنهض… متثاقلا… أمشي نحو الماء… متواطئا مع حرارته المتكالبة على جسدي المتطلب لربيع أبدي… يداعب ثناياه… أغتسل وأغتسل تترقرق المياه على خاصرتي… وتتحطم عند عتبة حيرتي…
في يساري مطحنة قمح عتيقة وكنيسة لفظت أحشائها منذ دهر وفي يميني إستاد شهير ومجمعات لحيوات نادمة عبثا على ما لم تعد تتذكر… وتراقب برتابة زمنها المندثر في الوقت الضائع الذي لا ينتهي أبدا… في شمالي حياة بوهمية برجوازية… أو كما يقول الفرنسيون (بو بو نسبة إلى borgois-boheme) حياة هشة / عذبة تفتح يداها البيضاء الناعمة حتى أنهي حمامي وأركض اليها نادما معتذرا على إعجابي بجمال الأقواس العربية المهشمة… أو وحدتها…
وفي جنوبي… يافا…
من المقهى الأنيق الذي يحتفي بفتنة أكوابه متدرجا إلى شارع حوانيت المصممين البديلين. أمشي… إلى مطعم “الﮀورمية”… المعد لخاصة الخاصة… إلى تلك الجادة المرصعة بزيف القرنفل أو ما شابه ذلك… إلى الحانة اليسارية المعلقة على منزلق هلال القمر والمزدانة بالأجساد الفتية المتراصة والعيون المتقاتلة حول أرجوحة البرقوق الشاغرة…
من هناك وهناك… من المكان… ومن مكان ما يستجدي مصداقية وجودة… إلى ذلك الجسد الأكيد… وتلاحمنا… وذلك اللسان الذي يلعق حافة أذني ويغادر… إلى أرقه…
ها أنا أعود مرة أخرى… نحو الحد البرتقالي الفاصل أدنو… لم أختر ذلك…
صدقني أيها البيت الفلسطيني المهجور في قرية “سلمة”
الأربعاء /
انتهى الفيلم السينمائي… يتسارع الأزواج المرهقون نحو الخارج… يتباطأ المثليون المتأنقون نحو الخارج ييشعلون سجائرهم… يفتعلون تحليلا يغذي وجبة الكابوتشينو الحتمية التي تتلو كل شريط…
نخترق أنا ورفيقي المدينة نحو الجنوب… شارع”كينغ جورج” ثم “اللنبي” ثم “هعلياة”…
ثم “سلمة”… أركن سيارتي قرب شرفة من أقواس وحجر… الخ والخ…
نمر عبر بيت شاهق بقرميد…
يسألني رفيقي الذي نجت أمه في القطار الأخير الذي كان يتجه من بودابست شمالا نحو “أوشفيتز” عام 1945…
- ما ذلك الفراغ الدائري في أعلى البيت تحت القرميد…
- إنها فتحة الهواء في أيام القيظ… إنه المكيف على طريقتنا…
- بحق؟؟
- نعم أعتقد أيضا ان هذه الفتحة كانت تستعمل بهدف تبريد الطعام الطازج مثل اللحوم والأسماك وما شابه… أنظر… هذه بقايا مقهى شهير… أعتقد أنني قرأت عنه…
- نعم… هذا الفيلم يشعرني بالثقل… أتمنى أن أتحرر من وطأته بأسرع وقت ممكن… هل تصدق أن هذا ما كان يحدث في تلك البقعة من العالم… وقبل سنوات قليلة فقط؟؟؟
- لا… طبعا لا يصدّق
- أشعر بالجوع… هل تريد أن نشتري “بوريكس” من المخبز العربي القريب؟
- نعم… بالطبع… انهم يتقنون صناعتها بمهارة…
داخل الحد البرتقالي نمشي…
يحط عصفور آت من الشام… لا زال يقظا… على كتفي…
نعبر بيتا مهجورا حفر عند أعلى مدخله
“هذا من فضل ربي 1937″
الخميس /
انهض لمرة أخيرة في هذا الجزء…
أغتسل بمياه الخديعة… ثم تختلط لدي كالعميان كل الإتجاهات كل المناطق تبدو متشابهة… الإشارات الضوئية تؤدي إلى نفس المكان…
أبحث عن قهوة ساخنة في الرصيف الأعرج وداعا أيتها الحجارة المتماسكة… وتلك الآيلة للسقوط… وأنت يا مفتتة ومتناثرة… ويا مقابر وأنصاف كنائس وأشباه مساجد… وحمامات الباشا والسيد والغانيات… والمجذومين… يا نهاية الطريق… وبوابة اللذة المختطفة ذات ليل…
إلى الاثنين القادم وقضيبي منتصب عند حوافك…