Pub الحارة
(نُشرت المقالة في موقع “قديتا.نت”) لا يختلف […]
Pub الحارة
لا يختلف التأثير الذي يخلفه مسلسل “باب الحارة” عن التأثير الذي تخلفه سكرة كحولية: غيبوبة وعي وتفكير. يتحول السّكير بعد بطحة العرق إلى إنسان سهل، طيّع، خالٍ من القدرة على الحُكم المعرفي أو الخاصّ بالوعي- وهكذا أمتي، تتحوّل إلى مستهلكة لاجترارات ضحلة وغبية عن زمن ولى كان يجدر تناوله بمنظار نقديّ وتاريخي، وليس بالتمحّن على شوارب معتز ليلَ نهارَ.
لقد حاول البعض سابقًا الترويج لمسلسل المُبحلقين (شفتوا كيف بضلهن يبحلصوا؟) على أنه يروّج للنخوة العربية والتقاليد والعالم العربي المفقود في معمعان الراهن المعاصر. وكم كانت هذه المحاولة ممجوجة من أصلها؛ فالرائي لهذه التفاهة يلاحظ مستوى التمثيل الغبي (لم استعمل “هابط” عن وعي؛ إنه تمثيل غبيّ!) والإخراج التقني الذي يعتمد على حركة كاميرا مرسومة سلفا لدرجة الانتحار مللا: “وايد”، زوم إن، تِلتْ، ثم زوم إنننننن على وجه أحدهم، شريطة أن يكون ذا شوارب.
ناهيك عن أنّ الاستنتاج حتميّ: إذا كانت أيام زمان هيك فأهلا بالاغتراب ما بعد الحداثويّ.
كما أنّ الاحتراف في مطّ اللحظة حتى أقصاها يُحرج حقًا جميع الفلاسفة الذين كتبوا ونظروا عن الوقت والزمن. فالوقت في “باب الحارة” جامد، يُمطّ حسب الحاجة إلى تطويل الحلقة الليلية، غير آبهين بتطوّر القصة (كنت سأقول حبكة، ولكنني تذكرت أنّ لا حبكة سوى الشوارب العربية المرسومة بالكحل والرّدح النسائي النمطيّ).
كم من المخجل أن تكون عربيًا في هذه الأيام، وأنت تعرف أنّ 300 مليون شخص (غالبيتهم على الأقل) يجلسون كلّ ليلة بعد إفطار جامد ويستسلمون بمحض إراداتهم لهذا الهراء التافه. على الناس أن تعرف أنها تافهة؛ لم يعد بالامكان الاختباء وراء القناة المنتجة أو المخرج أو الكاتب أو الممثلين النجوم. الناس التي تفتح بيوتها لهذا الإدمان الشعبوي السطحي ليست عميقة أو ذكية بشكل خاص. أعرف أنني أتحدث عن بعض عائلتي وأصدقائي وأبناء بلدتي والجليل والمثلث والنقب وفلسطين التاريخية والشرق الأوسط والهلال الخصيب والمغرب العربي وشبه الجزيرة. ولكنهم كذلك!
مسلسل “باب الحارة” يذكرني بأحد الصحافيين الأمريكيين حين سألوه عن صحيفة منافسة، فأجاب: هذه الصحيفة يكتبها أناس لا يعرفون الكتابة، وينقحها أناس لا يعرفون التنقيح ويحررها أناس لا يعرفون التحرير ويقرأها أناس لا يعرفون القراءة. وكذا باب الحارة: يمثلها أناس لا يعرفون التمثيل، ويكتبها أناس لا يعرفون الكتابة، ويخرجها أناس لا يعرفون الإخراج، ويشاهدها مشاهدون لا يعرفون المشاهدة.
مرحى للنمس!
(شكرا للرفيق هشام نفاع على العنوان الهادف)