قصتان قصيرتان/ ابتسام عازم
|ابتسام عازم| خِمار وإمرأة كان السّواد الذي يكسوها أكحل […]
قصتان قصيرتان/ ابتسام عازم
|ابتسام عازم|
خِمار وإمرأة
كان السّواد الذي يكسوها أكحلَ من ليالي برلين في الشتاء إن غاب عنها القمر. كتلة من السّواد تدفع العربة التي كان الصغير داخلها يصارع، كدأب الأطفال، باحثاً عن طريقة لفكّ حزام العربة الذي يكبّله، ويتشربك به، كما يتشربك الرقم 8 على نفسه. دفعت السيدة المكسوّة بالسّواد العربة ليبتلعها جوف عربة القطار الأرضي رقم 8 في هرمان بلاتس. وقفت مُتمسمرة في الزاوية كالرقم 1، تلقفتها نظرات المسافرين الذي فتحوا عيونهم ككشافات الضوء التي تحرس الحدود.
استمرّ الطفل بالبكاء والحراك. وتحرّكت العيون تراقب الأم وابنها باهتمام، وهي تلمس بقفازي يديها السّوداويْن وجه طفلها الذي لم يكفّ عن البكاء. فكت حزام الطفل في العربة وأخذته إليها وداعبته فسمع كلماتها ونظر إلى حركات رأسها المكسوِّ بالأسود والقى رأسه على كتفها ونام. وظلت عيون المسافرين تحملق فيها كالكشافات بينما أفواههم تنفث بخار شتاء برلين القارس.
هنا ألمانيا
“هنا المانيا وعليك أن تعرف بأن الجلوس على بوابة العمارة لا يلائم عادتنا!”
قال اللسان له بغضب.
“هذه المانيا!” كرّر اللسان.
“نعم، أنا أعرف” ردّ الشّاب الذي ازدادت عيناه البنيّتان اتساعًا.
“لماذا تجادلني” قال لسان العجوز الذي احتدت لعلعته داخل الفم فبان بلعوم فمها الملتهب.
“أرجوك إسمعني”- صرخ لسان العجوز به. “وأرجو ألا تسيء فهمي. ولكن عليك أن تتعود على عاداتنا فهذه ليست تركيا ولا نجلس في ألمانيا خارج البيوت. عليك أن تتعلم هذا، هل تفهم الألمانية؟ تفهمني؟” قال اللسان ثم استراح داخل الفم الصغير.
“نعم، أفهمك. إسمي ماتياس ولا علاقة لي بتركيا، على الرغم من عيني البنيتين وشعري الأسود.”