الأرض في قصص محمد نفاع/ حبيب بولس
نعيد هنا نشر مقالة كتبها الناقد حبيب بولس في العام 1986 نظرًا لعلاقتها بيوم الأرض، وتذكيرًا بنصوص أدبية كتبت بعد تلك المرحلة، لها ميزاتها وخصوصياتها ولا زالت تهبّ برياحها الأدبية والسياسية على جيلنا الحالي
الأرض في قصص محمد نفاع/ حبيب بولس
|حبيب بولس|
الأرض مصدر رزقنا، ورمز شرفنا، وسر بقائنا ووجودنا وصمودنا. وأي اعتداء عليها هو اعتداء على هذه الأمور جميعا.
ارتبط الفلسطيني بأرضه منذ القدم، فعرف بها وعرفت به، وكانت علاقته بها علاقة تجاوزت العلاقة بين فلاّح وأرض إلى العبادة والتّقديس. فتراب الأرض الفلسطينيّة مجبول بعرق الفلاّحين ودمائهم ودموعهم، لذلك كانت أرضنا مباركة في عطائها، مباركة في ردّها للجميل، هي البيت وهي المأوى، نغنّي لها فتطرب، نشكو لها فتغتم، تشاركنا البسمة والدّمعة، وتسرى عنّا الهموم، وتفهم نظراتنا إليها وتترجمها عطفا وحنانا.
شرّدونا عنها فاكتسبت قدسيّة على قدسيّتها. وأصبحت منبع الحنين للفلسطيني في غربته ومقياسا لوطنيّته، فبقدر حبّه لها يكون فداؤها على يديه.
ونحن- الذين بقينا عليها- نحاول رغم كلّ المؤامرات التشبّث بها فكلّما صادروا منها شبرا نقيم الدّنيا ولا نقعدها. وأرضنا تجلّ دفاعنا عنها، لذلك، كلّما صادروا منها قيراطا فاضت عطاء وبركة نكاية بالمصادرين.
كفى أرضنا فخرا أنّها شكّلت وحدتنا، تلك الوحدة التي تجلّت على أكمل وجه في يوم الأرض الخالد. ذلك اليوم الذي فيه روّى دم شهدائنا تراب أرضنا، فارتفعت قيمتها في عيوننا أكثر وازدادت هالة على هالتها، وأصبح حلم الواحد منّا المحافظة عليها، وان تركها إلى حين يظلّ حلمه العودة إليها.
دفاعنا عن أرضنا لم يفتر، رغم شحّ المصادر والوسائل والأدوات. الدّفاع عنها كان وسيكون العزيمة الصّادقة والحلم الأخضر بالواحة، يقلعون شجرة فنحاول أن نغرس ألفا، يخربون محصولا فنزرع محاصيل… وأن نعتني بأرضنا أمر جميل، ولكن أن ندافع عنها واجب مقدّس.
لذلك كلّه انخرطت الأرض في عقولنا وتراثنا وفولكلورنا ونتاجنا المكتوب شعرا ونثرا.
وكان للأدب بقسميه دور بارز في الدّفاع عنها، فشعراؤنا كانوا أول من لفت نظر شعبنا إلى المؤامرات التي كانت تحاك لسلبها، فأطلقوا صرخات احتجاجهم قصائد شعرية رائعة نبّهت أصحاب الأرض، وهدّدت بائعيها وسماسرتها.
فمنذ وعد بلفور كان شعراؤنا النّاقوس الذي نبّه شعبهم من خطر الصّهيونيّة التي كانت تهدف للاستيلاء على الأرض وتجريد الفلاّح من أعزّ ما يملك ليصبح الوضع مطابقا لمقولتها ” أرض بلا شعب يصونها ويتعهّدها ويعنى بها”.
لهذا الغرض عينه كانت لإبراهيم طوقان ولعبد الرحيم محمود ولأبي سلمى ولغيرهم مواقف رائعة صارت على فم الزّمان، وحمل المشعل بعدهم شعراء الشّعب كمحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وغيرهم والقائمة طويلة طويلة، فرصدوا كلّ تحرّك وسجّلوا ما حدث، وحذّروا ووعظوا وصرخوا وهاجموا وكما كان للشعر دور بارز في قضيّة الأرض والحفاظ عليها، كذلك كان للنّثر- وللقصّة بالذّات، وان قل هذا الدّور في الماضي. فهو اليوم بارز جدا لا يخفى على أحد، هنا وفي الضّفّة والقطاع ، وفي المنافي والشّتات، وقائمة القصّاصين الذين عالجوا قضيّة الأرض هي الأخرى طويلة طويلة.
ونظرا لما للا رض من أهميّة لنا، ونظرا لذكرى يوم الأرض الخالد ارتأينا أن نعالج في مقالنا هذا قضيّة الأرض في قصص كاتب أصيل نعرفه ونحبّه ونقدّر أدبه، ألا وهو الكاتب محمّد نفّاع. ومحمّد ليس كاتبا عاديّا في هذا المجال، إنما هو كاتب يعشق أرضه عشقا صوفيّا غريبا، لذلك كان موضوع الأرض محور معظم قصصه التي قرأناها في مجموعاته الأربع: ” الأصيلة” الصّادرة عن منشورات عربسك بدون تاريخ، و ” وديّة” الصّادرة أيضا عن منشورات عربسك، 1978، و “ريح الشمال” الصّادرة عن دار الأسوار عكا، 1979، و ” كوشان”، الصّادرة عن الأسوار 1980.
على هذه المجموعات الأربع وما فيها من قصص سنركّز بحثنا المتواضع هذا وتسهيلا علينا ولمنهجيّة العمل وموضوعيّته سنقسم عملنا إلى الأقسام التالية:
1. مصادرة الأرض وطرق المقاومة.
2. الأرض ودورها في تغيير القيم الاجتماعيّة والحياتيّة القديمة.
3. الكاتب وأصالة العشق للأرض.
1. مصادرة الأرض وطرق المقاومة
إن عمليّة المصادرة ليست عمليّة جديدة في حياة الفلاّح الفلسطيني، وإنما هي عمليّة قديمة، تعمّد فيها الفلاّح وعانى منها منذ قرون… رافقت هذه العمليّة الاستعمار الذي رزحت تحته فلسطين قرابة خمسة قرون وأكثر. فمن سمات هذا الاستعمار مهما كان نوعه، ومهما كانت جنسيّته، مصادرة الأرض، وطرد الفلاّحين، واضطهادهم، وملاحقتهم، وتخريب محاصيلهم بغية السّيطرة عليهم وإذلالهم.
لقد كان محمّد نفّاع واعيا تاما لهذه العمليّة فصوّرها في قصصه بواقعيّة، ذاكرا خطورتها وأثرها على الفلاّحين، منذ ثورة 1936، ومرورا بعام النّكبة، واستمرارا حتى اليوم.
ونفّاع في قصصه يبرز نوعين من المصادرة: الأوّل يصوّر فيه شراسة الحاكم الظالم، والثّاني، يبرز فيه المصادرة التي كانت تتم باسم القانون و “الديمقراطية”.
النّوع الأوّل هو اغتصاب للأرض شرس، من قبل السّلطة المستعمرة والحاكمة، وخير قصص تمثّل هذا النّوع من المصادرة: قصّة ” المشرّدون” (1) و ” يوم شارك الحرّاثون في أعمال الثّورة” (2) من مجموعة “الأصيلة”، وقصّة ” الجمل” (3) من مجموعة “كوشان”.
في القصّة الأولى “المشرّدون” يصوّر لنا الكاتب كيف سرقت السّلطة واغتصبت أرض “الخيط” و( الخيط هو اسم أراضي قرية بيت جن- التي نهبتها السّلطة ويردّدها الكاتب كثيرا في قصصه). هذه السّرقة تمت غصبا وعنوة بالرّصاص والقوّة. الوقت وقت حصاد والنّاس في أرض الخيط منهمكون في جمع محاصيلهم التي كانت تفيض بركة وعطاء، وغناؤهم كان يملأ الجوّ فرحا وسعادة بجني ما صنعت أيديهم وفجأة:
“كان القمح ينوّر السّهل المتراقص مع الهواء بحفيف ممتع وبدأ الغناء يصمت والنّاس يقفون، بعض الرّجال يقفون على الجبل وكلّهم أغراب لا أحد يعرفهم، لم يكن وقت للتّفكير، فقد أطلقت النيران من الجبل، أرغى جمل وأزبد، ثم وقع والدّم يتفجّر منه وصاح رجل من شدّة الألم… وتوالى إطلاق النّار وفي بعض الأمكنة اشتعلت نيران لم يكن مع النّاس سلاح، رصاص الأغراب يوجّه النّاس إلى الدّروب فتزاحم النّاس على الدّروب، ترك القمح والبيادر والمغاور، وسيقت الجمال بشدّة، بكت النّاس، وغضب الرّجال وعرف النّاس أنّ الخيط سرق” (4).
إنها لوحة صوّرت بفنيّة ومهارة واختزال نكبة شعب كامل. لوحة تعيد إلى الأذهان ما حدث تقريبا في معظم قرانا: دم، خوف، ارتباك، بكاء، موت، رصاص، نيران، صياح، هلع.
إنها لوحة من صميم النّكبة وواقعها وباختزال وملحميّة ينهي الكاتب لوحته ” عرف النّاس أنّ الخيط سرق” ، ونفهم من نغمة الكاتب أنّ “الخيط” ليس شيئا عاديا عند النّاس، فهو مصدر الرّزق، ومنبع الحياة، لا بل هو كل شيء وبفقدانه يفقد الفلاّح حتى لقمة عيشه الكريمة.
لكن الكاتب لا يتركنا مع هذا الواقع المقيت لنستسلم له، بل يرسم فسحة التحدّي والأمل، ويزاوج بين أرضنا وفلاّحينا، فالأرض حياة ونحن نشحنها بذلك، بعزمنا وكدّنا وجهدنا، إنّ ما أحرقه الغاصبون لن يظلّ بقايا هادئة وإنّما يد الفلاّح القويّة ستحوّل سواده خضرة. إنّ عزيمة الفلاّح الصخريّة المستمدّة من حبّه للحياة ومن حقّه فيها ستحوّل الخراب سهولا معطاءة، وستفجّر الأرض مواسم مباركة. فالفلاّح وأرضه صنوان، وكل وسائل التّخريب والدّمار تقف عاجزة أمام ذراع فلاّح وفم طفل جائع هو يزرع أرضه حياة والمغتصب يزرعها دمارا والنّصر لزارع الحياة حتما.
و”كنّا ونحن نحصد القمح أقوى من الأخيال والخيول، نحرّك الأرض فتبسم وتخضّر، نحن نزرع الحياة وهي تزرع في الأرض الدّمار، ولكنّنا كالأرض التي تنبّت في كلّ سنة موسما جديدا ومن البذرة النّائمة تنبت الحياة وتعرف أنّ البذرة ربّما تطير بها الرّيح وتسحبها المياه ولكن أنّى وجدت تنبعث منها الحياة” (5).
هذا هو فلاّحنا واثق بنفسه لا يعرف اليأس سبيلا إلى قلبه.
وفي قصّة “يوم شارك الحرّاثون في أعمال الثّورة” من المجموعة نفسها يعود بنا الكاتب إلى ثورة 1936: “الزّمان زمان ثورة، والانجليز وأتباعهم لهم طلاّتهم على البلد والمغاور والزّرائب وهذا سبب الوجوم والتّرقّب على وجوه الفلاّحين والإكثار من اللّفتات المستطلعة صوب الدّروب الوعريّة وفي الأرض الفجاج…” (6).
في القصّة يذكر لنا الكاتب عنصرا جديدا من عناصر اغتصاب الأرض وهو مشاركة بعض وجهاء البلد العملاء في تلك العمليّة، فبمساعدة هؤلاء الخونة تتم عمليّة اغتصاب موقعين من مواقع البلد “خربة غماطة”، ذات الأرض الجيدة، والتي بسبب مشاركة الوجهاء في اغتصابها “مغمغت القضيّة وكأنّه لم يحدث شيء، ولم يعرف المالك الجديد، وتوجّهت أصابع الاتّهام إلى رجال البلد بعدد أصابع اليد” (7).
وبعد هذه الحادثة بسنتين فقدت البلد موقعا طيّبا آخر يدعى ” ماروس” قرب قرية الراس الأحمر والعنوان المتّهم هو نفس العنوان السابق ” ومن يومها اشتدّ الخوف أكثر على بقيّة الأرض” (8).
ويكتفي الكاتب بالتّلميح إلى المغتصب، فلا حاجة لذكره لأنّنا نعرفه والإفصاح عنه هنا في مثل هذه الحالة يعتبر سماجة وتدخّلا لا داعي له. المهمّ أنّ القرية فقدت موضعين اثنين غصبا وعنوة بالتّهديد وبمساعدة بعض العملاء، وهذا ما يريد الكاتب قوله هنا.
في قصّة “الجمل” من مجموعة كوشان يروي الكاتب لنا عن كيفيّة اغتصاب السّهل من قبل “الهجناه” في يوم من أيّام الحصاد الرّائعة. هذا الاغتصاب عند الكاتب لا يتمّ إلاّ بالقتل وبإطلاق النّار بشكل عشوائي ترهيبا للفلاّح المسالم العامل في أرضه بأمان.
في ذلك اليوم كانت ظلال السّور لا تزال متطاولة. والشّمس في بدء صعودها والنّهار يتقدّم بوهن وأيدي الحصّادين في عنفوان قوّتها تلوح وتهوي على السّنابل التي أحنت رؤوسها فتهتزّ وتتمايل لتكون شمائل كبيرة ثقيلة، والمناجل لم تحمرّ بما فيه الكفاية من وهج العمل وهي تومض ومضات متسارعة وتقضم السّيقان بلحن رتيب وغمار القمح متلقّحة متراصّة في صفوف وطوابير منتظمة تتّجه برؤوسها إلى الغرب.. (9).
ما أجملها من لوحة حيّة نابضة تصوّر الأرض بين ساعد الفلاّح وغلّته وفي مقابل هذه اللّوحة الرّائعة، وفي مقابل هذا الخير والبركة تأتي (الهجناه) لتشوّه المنظر ولتشوّه الحياة:
“وفي لحظة واحدة، تشّوه الأفق على الرّبوة الواسعة وعلى الكتف الشرقي للسّهل، ونبتت ظلال داكنة متحرّكة تحبو هنا وهناك وصف من الرّجال كأسنان الغولة الفرق انغرز هناك وخفّ العمل دون أن يتوقّف ورشق “متراليوز” رشقات مطقطقة مرعبة متسارعة وفي رمشة عين أصيب السّهل بسكتة قلبيّة تجمّد كلّ شيء وتوقّف، وغاصت نظرات الفلاّحين في الرّبوة اللّعينة، وشاطت في الأرجاء شهب النّار ولعلعة الرّصاص” (10).
وتغيّر المنظر البهيج الفائض حيويّة الى آخر مرعب مشوّه وهذا هو دور (الهجناه)، زرع الدّمار والشرّ في الأرض الفلسطينيّة الآمنة، فرؤية المحصول تثير شهيّتهم على القتل والتّخريب. ولكنّ الفلاّح لا ييأس. بل يكمل المشوار فهو واثق من نفسه، فمن الخراب والحريق والوحل “يأتي النّداء المتواصل الذي غار في الأرض، وهو يجاهد لينمو وينبت مع بداية الموسم الجديد”(11).
بعد هذه الوقفة نقول: ان اغتصاب الأرض في قصص نفّاع- الانجليز أو السّلطة الاسرائيليّة- لا يتمّ الاّ لحظة عمل الفلاّح في أرضه، ولحظة فرحته بحقله وثماره وغلاله، وما هذا الاّ ليوسّع الكاتب الهوّة بين الطرفين ليهوّن عليه اقامة الصّراع بين فلاّح آمن مجتهد أعزل وغاصب مدّمر وحشيّ متعطّش للدّماء. والاغتصاب عند الكاتب أمر وقتي، فالمسألة مسألة زمن وفلاّحنا لا يعرف اليأس فكلّ ما دمّر وخرّب لا بدّ سيرجع ولا بدّ لقانون الحياة أن يسيطر لينزرع الأمل مرة أخرى.
أما بخصوص النّوع الثّاني من المصادرة، فهي مصادرة عشناها جميعا ولا تزال- هي المصادرة التي تتمّ باسم القانون، والقصص التي تعكس هذا النّوع من المصادرة عند الكاتب كثيرة، ننتقي منها “حيدر رضي الله عنه” (12) من مجموعة “الأصيلة “، و ” لأنّنا نحبّ الأرض” (13) من مجموعة “كوشان” و” يوسف الصدّيق” (14) من مجموعة “ريح الشّمال”.
في قصّة “حيدر رضي الله عنه” يروي الكاتب بأسلوب سردي كما في معظم قصصه عمليّة استيلاء الحكومة على خلة “المزار”- الأرض التّابعة لسيدي حيدر،- وحيدر كما نفهم من الكاتب قدّيس له مزار على جبل يدعى باسمه، المزار قائم منذ مئات السّنين بأمان، لا أحد يجرؤ أن يعتدي عليه، لما له من قدسيّة في نفوس النّاس البسطاء، الذين يحيطونه دائما بشرائط ملونة تيمّنا وبركة، فهو مكان العجائب والشّفاء من الأمراض.وحدث ان اعتدى أحد الرعاة على سيدي حيدر حين مزّق وأبعد الشّرائط لأنّ احدى غنماته تعثرت في احداها وماتت:”غنمة مثل البكيرة على مدار السّنة تلقّح جديّين وعلى الوجبة الواحدة تحلب نصف رطل حليب وتموت؟!!!!” (15).
ولكن من سيصدّق عثمان الراعي؟ ومن سيغفر له؟ فتمزيق شريط معلّق حول “سيدي حيدر” معصية لا تغفر، فيلعن النّاس عثمان، ويلقون عليه الحرام، ويناديه الأولاد “عثمان يا غدار قلاّع شرايط المزار” (16). ويزاوج الكاتب بسخرية مرّة بين فعلة عثمان هذه وعمليّة المصادرة القانونيّة التي قامت بها الحكومة (لخلة المزار)، وذلك ليصل هدفه: وهو أنّ المصادرة تمّت بمعاونة عملاء الحكومة، لذلك اعتبر الأمر في البداية دعاية كاذبة، وروّج لهذه الدعاية حتّى لا يتحرّك النّاس ولكن جاء يوم والحكومة بنفسها أقرّت بالأمر دون أن تعتبر ذلك أمرا يجب أن يحسب له حساب. فالحكومة لا تهمّها مشاعر النّاس ولا مقدّساتهم، ولا تميّز بين أرض عاديّة وأرض تتبع لوقف. فقد أعتدي على سيدي حيدر بشكل فظ ّوساخر لدرجة أنّ الحكومة أخذت الخلة المسمّاة خلة المزار “نسبة لها وسجّلتها باسمها” (17).
سكوت النّاس على عمل الحكومة الفظّ يثير الرّاعي عثمان فيعاتب أهل بلده على صمتهم تجاه عمل الحكومة:
“- ارموا الحرمان على الحكومة مثلما فعلتم معي لأني نقلت بعض الشّرائط!
قال عثمان بنوع من التّحدي المكبوت:
- لماذا لم يغضب هؤلاء الشّيوخ على الحكومة كما غضبوا عليك؟
- لأنهم اذا لم يقدّروا على البقرة نطحوا العجل” (18).
هكذا اذن بتآمر من العملاء وبصمت تتمّ عمليّة مصادرة الحكومة الأرض، باسم القانون، دون الأخذ بعين الاعتبار مشاعر النّاس وقدسيّة أراضي الوقف.
وفي قصّة “لأنّنا نحبّ الأرض” نجد أيضا قضيّة المصادرة باسم القانون، ولكنّ الكاتب يقدّمها هنا بأسلوب يقوم على المفارقة، ففي بدايتها يصوّر عشق الفلاّح لأرضه وعنايته بها، كما ويصف الحقل وصفا رائعا فيجعله لوحة كلّها جمال وحيويّة، ذاكرا طيوره وغلاله وعمليّة حصاده وأشجاره، ومصوّرا عشق أولاده الصّغار لأرضهم.
ولكنّ المفارقة تقع عند العودة من الحقل، بحيث يفجأ الأب بعد يوم عناء طويل في حقله برسالة من الحكومة يحملها اليه ساعي البريد، هذا نصها: “نحيطكم علما بأنّ دائرة الأراضي وجدت أن قطعة الأرض التي في حوزتكم هي ملك الدّولة لأنها كانت في السّابق أحراشا تابعة للدّولة، ويعتبر الأمر ساري المفعول من تاريخ استلامكم هذا الاشعار، وكلّ مخالفة تعرضّكم للعقوبة (19).
اذن باسم القانون تصادر الحكومة الأرض، لكنّ الفلاّح لا يمكنه أن يتقبّل هذا ببساطة. فبعد كلّ هذا التّعب والعناء تنهي ورقة يحملها ساعي بريد ماضيه وحاضره ومستقبله. لذلك يعلّق الأب بسخرية :”حسنا سنتعلّم كار الشّحادة كما يريدون !!” (20).
لكنّ الاشعار لم يكن موجّها لواحد من الفلاّحين بل لكثيرين،فيكون الغضب، وتكون التّعليقات: “- نترك الأرض بسهولة؟!! هه حكومة- بلا بطيخ أصفر” (21).
وتلتمع عينا الفلاّح ببريق مخيف اشارة الى اصراره وتمسّكه بأرضه:
“- ما أحلاك يا حكومة وأنت ماخذة (خلة النمر) مرج ابن عامر كان أحراش والناس صلحته”(22).
ولا يستسلم فلاّحونا لأوامر الحكومة المجحفة بمثل هذه البساطة، فهم واثقون من صدق قضيّتهم وعدالتها، لذلك يستيقظ الفلاّح في اليوم التّالي جذلا وأكثر نشاطا ويذهب الى حقله كالعادة، ضاربا أمر الحكومة عرض الحائط.
“- أين وضعت الورقة؟ قال أحدهم لأبي ونحن في الطّريق الى الحصاد:
- في جهنّم بعيد عنك!!
- ولماذا أنت ذاهب الى الحقل!! الأرض راحت. قال أحدهم مازحا.
– لأنّنا نحبّ الأرض” (23).
ولأنّنا نحبّ أرضنا لا نفرّط فيها بمثل هذه السّهولة، وتعجز كلّ أوراق الحكومة ومرسوماتها في الاستيلاء عليها.
وفي قصّة “يوسف الصدّيق” يصل الكاتب القمّة في تصويره مصادرة الأرض التّابعة لهذا الصدّيق، فعمليّة الاستيلاء على قبور الأولياء والصدّيقين وعلى الأرض المحيطة بها تعرفها معظم قرانا العربيّة جيّدا. وما يؤلم الكاتب هو أنه، كان بامكان القرية محو هذا المزار كليّا لو أرادوا أن يتوسّعوا في أرضهم دون أن يلتفت الى ذلك انسان. ولكن الفلاّحين أناس شرفاء وبسطاء في آن يحترمون قبور هؤلاء القدّيسين ويحافطون عليها لا بل ويمنحونهم قطعا من أرضهم لتحلّ فيها البركة أكثر وأكثر.
وفي أحد الأيّام ” أفاق النّاس ليجدوا أن حجرا منقوشا من الرّخام كتبت عليه كلمات أعجميّة بالخطّ الأسود، وضع على قبر يوسف الصدّيق” (24).
من الذي قام بهذا العمل؟ لماذا؟ لا أحد يعرف. لكن جماعة من الشّباب الواعين تفضح الأمر وتعلن للأهالي أنّ هذا من عمل الحكومة، لكن لا أحد يصدّق هذا الكلام. الى أن تبدأ الأمور بالوضوح أكثر “صار الأغراب لا يطيب لهم الاّ أن يرتعوا تحت الشّجرة على قبر يوسف الصدّيق، كلّ يوم يا جارتي وأنت مطلة، ومعهم بنات لا تستر حاجة الواحدة منهن الاّ قطعة قماش بعرض الكفّ” (25).
فانقطع النّاس عن القيلولة تحت الشّجرة وداخلهم الشّك، ويتحقّق شكّهم عندما ترى امرأة أغرابا يقيسون البلد حول “الصدّيق” بحبل طويل ويضعون علامات. مفاد الكلام أن النّاس أفاقوا على سمعة تقول أن الأرض المفتلحة والمشاع في هذا الموقع مختلف عليها بين البلد والصدّيق! وأخذ الأهالي يراجعون أفكارهم وتوصّلوا بأنّهم لم يختلفوا مرّة واحدة مع هذا الصدّيق، وصار كلام الشّباب يلقى القبول، فطالما لا أساس للخلاف، اذن الحكومة هي المسؤولة.
“- والحال!! في بلدنا فلاّحين أكبر في العمر من أبو أبوها للحكومة” (26).
وضربت مفاهيم كثيرة في البلد وقلّت هيبة الذين يحبّون الحكومة وقلّ عددهم. وعرف النّاس أنّ الحكومة تقيم وتخلق صدّيقين في كلّ بلد حتّى حيث لا ينوجدوا. وهكذا يعرف النّاس الأمر، وتقلّ قيمة الصدّيق لا بل أصبحوا ينظرون اليه وكأنّه السّبب في كلّ ما حدث. وصار الصدّيق يتوسّع أكثر وأكثر وتشاءم النّاس منه واستعاذوا بالله من هذا النّوع من الصدّيقين القدماء والجدد” (27).
2. المقاومة
إنّ موضوعة المصادرة هذه التي تقوم بها الحكومة سرّا أو علانيّة، باسم القانون أو اغتصابا، تتردّد كثيرا في قصص الكاتب، وهو في ذلك واقعي كلّ الواقعيّة. ولكنّ المصادرة لا تتمّ بمثل هذه السّهولة، فمصادرة الأراضي خلقت معارك شعبيّة طويلة مع السّلطة والمسؤولين، ولم تختلف هذه المعارك وطرق الكفاح من أجل الحفاظ على كلّ شبر من الأرض، ومن أجل البقاء فوق أرض الوطن عن معارك شعبنا الأخرى في صموده ومواجهته لكلّ أساليب القمع والتّشريد والاهانة التي ألحقتها به النكبة وما بعدها من نكسات خلال عشرات السّنين.
لم يقف الفلاّحون عاجزين ومكتوفي الأيدي تجاه هذه المصادرة، بل قاوموها قاوموا حتّى النّهاية، صحيح أن هذه المقاومة كانت فرديّة جنينيّة في البداية لكنّها مع مرور الزّمن وتزايد الوعي تحوّلت الى مقاومة جماعيّة منظّمة تبعث على الاكبار والاعزاز والاحترام، هذه المقاومة ضدّ مصادرة الأرض كانت أساس وحدة هذا الشّعب التي تجلّت في أبهى صورها في يوم الأرض الخالد.
ومحمّد نفّاع في قصصه كان واثقا كلّ الثقة من قدرة شعبه في التّصدّي لمثل هذه المؤامرات، فصوّر المقاومة في معظم قصصه، ولكنّه لم يستبق الأحداث، وانّما كان على درجة من الوعي كبيرة، وكان واقعيّا. وفي البداية صوّر المقاومة على أنّها فطريّة فرديّة تنشأ عند الفلاّح اذا ما أهين أو أعتدي على أرضه، ومن ثمّ ومع تزايد الوعي صوّرها مقاومة شعبيّة منظّمة.
ففي قصّة “يوم شارك الحرّاثون في أعمال الثّورة” من مجموعته “الأصيلة” (28)، يتّفق الحرّاثون على الانتقام من مغتصبي الأرض والحقوق ويتبرّع ثلاثة منهم بتنفيذ العمليّة، وبهذا يضع الحرّاثون حدّا لمثل هذه العمليّات التي كانت تصدر عن الجنود الانكليز الذين كانوا أداة لاغتصاب الأرض وللتّنكيل بأهل البلد.
وحين يطلّ ثلاثة جنود من قمّة الجرمق ويراهم الحرّاثون، يكمن منهم ثلاثة بأسلحتهم انتظارا للحظة الحاسمة، وحين تبدأ الأوامر من الجنود يطلق الحرّاثون الثّلاثة النّار عليهم.
” كانت النّهاية توشك أن تبدأ ولذلك تلفّت الرّجال حولهم صوب المخبأ- انكليز- كلاب! وامتدّت أيدي الجنود الى السّلاح وكما هي الاشارة أزّ الرّصاص برهة في الهواء، وهبّت النّار من بوز البارودة، ومن بين أغصان الشّجر وهوى الثّلاثة الى الأرض” (29).
هذا هو ردّ الفعل الطبيعي للفلاّح عندما يرى مغتصب أرضه، فالأرض كانت الدّافع للانتقام لأنّ اغتصابها يعني الاعتداء على الشّرف وعلى لقمة العيش، هبّت النّار من بوز البارودة لتعلّم الغاصب درسا، فاغتصاب الأرض ليس أمرا عابرا يمغمغ وانتهى وينهي الكاتب قصّته بتفاؤل وفرح، فبعد أن تمّت عمليّة الانتقام يتساءل الحرّاثون:
“- هل ينبت ما بذرناه اليوم؟
- البذار جيّد والحرث جيّد والأرض كريمة، واذا نزل المطر فسينبت البذار” (30). والاشارة واضحة فبذرة المقاومة ستكبر وهذا سنجده في القصص التّالية:
في قصّة “الأرض مرصودة بأهلها” (31)، من مجموعة “كوشان” يصوّر لنا الكاتب، بشكل متطوّر أكثر قضيّة المصادرة ووقوف الأهل موّحدين دفاعا عن أرضهم، ونرى كيف تطوّرت المقاومة من فرديّة الى جماعيّة، ومن فطريّة الى قضيّة ملحاحة منظّمة، عمادها الوحدة والاصرار دفاعا عن الحقّ والكرامة، عن الأرض والوطن والأمجاد بحيث تقف النّساء أكثر شموخا وبحيث يصبح الشّيخ شابا منتصبا يصدّ الهجمة الشّرسة، والأرض هنا تصبح دافعا لتلاشي كلّ العداوات الشّخصيّة وتحفز التّضامن والاتّحاد أمام العدو الأكبر، ويصير الأهل رصدا لأرضهم، لبلدهم، لوطنهم، لا تستطيع أي قوّة كسره.
عندما تدافعت غيلان الدّولة.. على أرض البلد… جاهدة أن تشلخ منها هنا وهناك لتصبح بين أراضي وأهالي بلدنا حدود غريبة، لتصبح مبقرة منقّرة تنفث العدوى سراعا، مرّة بحجّة شيء اسمه تسوية الأرض والأرض مسواه، ونحن سوّيناها، وأخرى بفرية الحفاظ على مناظر الطّبيعة وطبيعة بلادنا جميلة منذ خلقت.. رأيت النّاس في بلدنا يقفون على الصّخر في مواجهة الزّحف والمصادرة يطبّون على الصّخر بأرجلهم، الصّخر ثابت ماكن وطبّ الأقدام أمكن، يسدّون أبواب المغاور والكهوف والدّخانيس بأجسامهم القوّية الصامدة، حيث توحمّت الأمهّات على الصّوان والسّنديان، من أجل ابقاء المغاور لنا كما كانت، وكما، يجب أن تكون.
يعربون أجران المياه من الحجارة والوحل، يطوعون المعاصي صاغرة حتى تنبت القمح فتفعل هاشة باشة معطاء، يتصدّون كتفا الى جانب كتف ومجن من الوحدة لا ينفذ، يعود الشّيخ شابّا عنيفا منتصبا قاهرا، يولد الطّفل ورأسه الى العلا يكبر للتحدّي، يتطاير الشّرر من عيون الأمّهات والعذارى بلا تحفظ امّا أن نركب رأس الغول أو يركبنا. الكلّ يدافع عن البلد والأرض والرّصد بأسنانهم بأيديهم بحجارة الصّوان وأعواد السّنديان، عرفنا جميعا وليعرف الغول دفعة واحدة مرّة والى الأبد أن البلد فيها رصد الأرض مرصودة بأهلها” (32).
هذه الصّورة الرّائعة للمقاومة والتحدّي نجدها أيضا في قصّة “واو الجماعة” (33) من مجموعة “ريح الشّمال”، القصّة التي تروي تحوّل شيخ العائلة الى سمسار يتاجر بأراضي بلده، الشّيخ الذي يصبح قوّادا على عرض البلد (34)، الشّيخ الذي حوّل أهل بلده الى عصا تلسع جلودهم والى أناس مسخّرين لخدمة السّلطة، وجنود يحمون مركب الحرامي واللّص. هذا الشّيخ يموت وتنتصب بدلا منه وحدة رائعة بين الأهالي تردّ الكرامة الى مكانها وتعيد للبلد مجده وتطرد الحكومة وأعوانها، “البركة في اللّمة وكثر الأيادي”.
“لا نفع فينا ولا بركة ان لم نحشد الأيدي أقوى مما كانت تشدّ على الحجر والعصا” (35). تغيّرت البلد من أفراد الى جماعة واحدة، اتحدت ضد السماسرة وبائعي الأرض والضّمير.
وفي قصّة “شامة على صدر فاطمة” (36) من مجموعة “ريح الشّمال” ينهي الكاتب قصّته بصورة المقاومة الواعية الملتزمة وكذلك في قصّة “حتّى لا يموت الطّفل” (37) من مجموعة “الأصيلة”، تقرأ لوحة رائعة لأم تريد ابنها أن يعيش ليقاتل وليدافع عن الأرض فالأمومة وحبّ الأرض يحوّلانها الى أفعى، الى لبوة، تأكل أعشاب الأرض لتدرّ حليبا لطفلها ولينتفخ “ثديها المستسلم كالنّذل المنقبض كالحلزونة” (38): فالحرارة تدبّ في عروقها وتشعر بأنّها أقوى شيء في الوجود فتهتف:
“سيظلّ حيّا رغم كلّ شيء وأنا سأفعل ذلك ليعود الى البيت، لا شيء يقف في طريقه، سيتعلّم كيف يدافع عن أرضنا وبيوتنا وعيون الماء (39).
هذه هي المقاومة التي يرسمها محمّد نفّاع في قصصه، أصيلة رائعة متحدّية، هدفها التّمسّك بكلّ شبر من هذا الوطن، تبدأ فرديّة وتنتهي مع الزّمن وتكاثر الوعي الى جماعيّة منظّمة.
3. الأرض تغير المفاهيم والقيم
تلعب الأرض دورا هامًا جدّا في قصص محمّد نفّاع وذلك في تغيير المفاهيم والعلاقات الاجتماعيّة فالدّفاع عنها يقوم بعمليّة جديدة للفلاّح من حيث القيم ومن ثمّ من حيث العلاقة القائمة بينه وبين السّلطة من جهة، وبينه وبين أبناء قريته من جهة أخرى.
الدّفاع عن الأرض، ومقاومة المصادرة بنوعيها يشكّلان حافزا لنبذ القديم، ولنبذ أعوان السّلطة، والالتفاف والاتّحاد والوقوف صفّا واحدا أمام الاعتداء الشّرس أو المصادرة (القانونيّة). فمن أجل الحفاظ على الأرض، ومن أجل البقاء على أرض الوطن يكون التّعاون وتتشكّل الوحدة، وتكسر كلّ الحواجز القديمة البالية وتسود المفاهيم الجديدة السّياسيّة والاجتماعيّة.
ففي قصّة “جهاز العروس”(40) من مجموعة “ودية”، تختار العروس طليبها، وتنتقد وهي الفتاة، مشايخ بلدها على مواقفهم الاجتماعيّة القديمة، وتنتقد أيضا سكوتهم وجبنهم تجاه السّلطة التي صادرت أراضيهم، وكذلك ترفع اصبع الاتّهام في وجه هؤلاء الشّيوخ لأنّهم يوافقون على ارسال أبنائهم للخدمة الاجباريّة في الجيش بينما السّلطة تصادر وتعتدي عليهم. كل هذا تقوله الفتاة بجرأة في موازنة تقيمها بين نصائح الشّيوخ التي تكبّل حريّة الفتاة وبين الأمور التي يجب عملها. هذه الجرأة من الفتاة سببها الانفتاح الفكري الذي أصابها حين بدأت تعمل في أحد المشاغل.
“مشايخ البلد نبّهوا امبارح في الاجتماع. ممنوع يكون الفيد أكثر من عشرين ألف ليرة. ممنوع الشّغل للبنات. ممنوع الفرجة على التلفزيون وممنوع لبس القصير” (41).
تقول العروس ثائرة على هذا الوضع:
“الشّغل يزيد البنت سترة وشرفا، والأسعار اليوم نار ومشعلة” (42). وتعلّق على رأي المشايخ بسخرية حادّة هادفة:
“المشايخ بسلامتهم مسكوا ذيل البقرة وتركوا درتها… قال التلفزيون حرام ولبس القصير والشّغل!! هم بسلامتهم ما رفعوا صوتهم يوم المصادرة، قدّيش كان أحلى لو طالبوا بفتح مشاغل في البلد، شغل بجنب البيت ربح ومستور، قدّيش كانوا يكسبوا أجر لو يطالبوا بتعفية الشّباب من الجيش الاجباري”(43).
وتدهش النّساء من هذه الجرأة النّابعة من صبيّة، ولكنّنا نحن نفهم الدّافع، فأرض البلد تذهب وتصادر وشبابها يجنّدون ويتعرّضون للخطر، ويصبحون أداة هذه السّلطة، بينما مشايخ البلد منهمكون بالتلفزيون ولبس القصير وسائر التّفاهات.
محاربة التّفاهات جزء من المعركة ورفع الصّوت ضدّ التّجنيد جزء من المعركة، والوقوف ضدّ المصادرة جزء من المعركة، الاتّحاد جزء من المعركة. ومصادرة الأرض كانت ولا تزال الدّافع لنبذ المفاهيم القديمة ولتفجير الوضع الأسن من أجل خلق البديل. تقول الفتاة:
“كسوتي قليلة على قد الحال- وكسوتي الصّحيحة محبّة النّاس، والأدب والضّمير والوعي، والتّعاون أجمل كسوة في بلدنا”(44).
ومع أنّنا نعيب على الكاتب المباشرة والتّدخّل في كلام الفتاة وزرع الشّعارات على لسانها،الاّ أنّنا نغفر له ذلك من أجل الهدف الذي وضعه والذي وصل اليه بنجاح.
وفي قصّة “حيدر رضي الله عنه” التي ذكرناها سابقا، نجد أيضا هذه الثّورة على المفاهيم القديمة عند الجيل الجديد، وهذه الثّورة نابعة من مصادرة الأرض أيضا فهذه المصادرة هي التي فتحت عيون الشّباب على عمل السّلطة. محبّة الأرض وقدسيّة الدّفاع عنها هما الدّافع في انقلاب المفاهيم.
“واليوم بعد أن كبرنا أكثر عرفنا أنّ الرّاعي وسيدي حيدر وأرضه في خلّة المزار أحسن من الحكومة وبعض الشّيوخ والعملاء” (45).
في قصّة أخرى بعنوان “نفح الغوردة” (46) من مجموعة “ريح الشّمال”، ينتقد الكاتب زواج (الغصيبة)، هذا الزّواج الدّامي الذي أغرق قرانا بالعديد من المشاكل وتشارك الأرض في القصّة في تغيير هذا المفهوم، فحبّ الأرض والطّبيعة يؤلف القلوب على التّحدّي ويزرع الاصرار والعزم لوضع حدّ لمثل هذه العادات.
“وأفهمتها الاّ أحد هنا غيرنا أو هكذا يجب أن يكون، غير هذا الفجاج والكشّاف من الأرض المزنرة بالوعر، ومن الوعر الذي يحتضن الأرض المزروعة وهو يعرفنا بقدر ما نعرفه، ويحبّنا ويأنس بنا بقدر ما نأنس به، اعتادنا واعتدناه، نحن وهو شجرة وجذور… ورأيت القوّة في يدي غزالة علامة من علامات الجمال، وان أيدينا معا تضع حدّا للغصيبة” (47).
هكذا اذن حبّ الأرض وجمالها يشاركان في وضع حد لمثل هذا الزّواج، هذا الاندماج الكلّي بالطّبيعة والأرض والوعر يولّد في (غزالة) وفي (مصطفى) طاقة وتصميما وعزما ليقرّرا وضع حدّ لعادة قبيحة.
وفي قصّة ” الأرض مرصودة بأهلها” من مجموعة “كوشان”، القصّة التي عالجناها سابقا، رأينا كيف أنّ الخطر الذي أحاط بالأرض حوّل النّاس الى قوّة هائلة تقف يدا واحدة لحمايتها:
“رأيت النّاس في بلدي يتصدّون كتفا الى جانب كتف ومجن من الوحدة لا ينفذ…” (48).
والقصّة تعالج عادة ألفها النّاس منذ عصر الانحطاط وهي قضيّة الايمان بالسّخافات والرّصد والشّعوذة ولكن عندما يحسّون بخطر المصادرة ينبذون هذه الأمور جميعا ويتحدّون في وجه الغاصب كرصد أو تميمة تدفع الشّر عن أرضهم، وتصبح الأرض مرصودة بأهلها.
والفكرة نفسها يعود عليها الكاتب في قصّة “يوسف الصدّيق” من مجموعة “ريح الشّمال”، فعندما صادرت الحكومة مكان هذا الولي والأرض المحيطة به، فقد النّاس ايمانهم بكل الأولياء الكذبة القدامى والجدد لأنّ وجودهم أصبح يشكّل خطرا على أرضهم ومن ثمّ على وجودهم.
“وأصبح الواحد منّا يأمل ليل نهار أن يجنّبه الله صديقا يحط الرّحال في أرضه” (49). و”أشاحوا عن هؤلاء جميعا، ونظر النّاس الى جهة أخرى معاكسة… وولد فيهم أكثر من صدّيق” (50). وفي مواجهة المصادرة ” وقفت ألوف مؤلفة من صدّيقي الأرض للدّفاع عن الأرض، صارت القرى والمدن صديقا جبّارا وتكون من أكثر من جنس صار هؤلاء لا يتحدّثون عن المقاومة بل يقاومون، ولم تعد كلماتهم تصويرا للمعركة بل صارت عنصرا منها” (51).
هكذا اذن سقطت هيبة الصدّيقين والاولياء الكذبة وصارت القضيّة تقاس بمدى الدّفاع عن الأرض. فقدسيّة الأرض أسقطت القناع الذي كان يغطّي وجوه الصدّيقين الذين زرعتهم السّلطة في كلّ مكان ليصبحوا ذريعتها عند المصادرة.
هذه هي أرض محمّد نفّاع، فكما السّحر والجمال والرّوعة فيها، كذلك فيها الطّاقة والقوّة للتّغيير لخلق الأمور من جديد بثوب يعاصر ويتماشى مع الواقع. فالأرض تدفع لا ترفض، وتحوّل كلّ ما هو قديم بال الى جديد معاصر.
وعند الكاتب أنّه لا يمكن أن نفهم مؤامرات السّلطة ومصادرتها لأرضنا لا يمكن أن نعي خطر هذا كلّه، ما دمنا نرزح تحت طبقة كثيفة من غبار الزّمن وتفاهاته المتوارثة. فكي نحافظ على أرضنا ووطننا لا بدّ من أن ننفض هذا الغبار المتراكم، لا بدّ من أن نغيّر مفاهيمنا الاجتماعيّة وعاداتنا السّيئة لأنّهما تقفان عائقا أمام وحدتنا من أجل العيش بكرامة على أرضنا. وتكون الأرض الدّافع والوسيلة والهدف في آن: ونحن مع الكاتب في كلّ ما أعطاه عن هذه القضيّة لأنّنا نراها أساسيّة تماما مثله.
محمّد نفّاع العاشق لأرضه ولبلده: ميّزة يتفرّد بها نفّاع عن غيره من قصّاصينا المحليّين، وهي عشقه الغريب للأرض والطّبيعة والقرية.
وان كنّا نأخذ عليه التصاقه قصصيّا بقريته ومنطقته فقط فانّنا نغفر له ذلك لانّنا نحسّ بأنّ عشقه للأرض عشق صوفي يسمو بنا الى أجواء نحبّذها ونستمتع بها، فهو يخلق في قصصه جوّا يسري في نفس قارئه ويدغدغها لتروح في رحلة مع الكاتب، تطوف وتحلّق معه في الوعر والجبال والخرب والأحراش والسّهول والوديان. ولا يشعر القارئ وهو منسجم مع الكاتب في حبّه المفرط لأرضه ولبلده، ولا يستطيع فهم هذا العشق سوى ابن قرية عاش الظّروف نفسها. ففهم نفّاع في رأيي يستغلق على قارئ لا يعرف جوّ القرية ومفاهيمها وعاداتها ومصطلحاتها. والكاتب في حبّه للأرض أصيل فهو ابن قرية تمجّد أرضها وطبيعتها.
وعشق محمّد لأرضه يتجلّى في أكثر من صورة:
1. في وصفه للأرض، وحفظه لمواقعها، وأنواع الطّيور التي تزورها، والحيوانات والنّباتات التي تعيش فيها. كما يتجلّى حبه لقريته في حفظه لعاداتها وتقاليدها وأدواتها العمليّة على أنواعها.
2. في تشبيهاته وايحاءاته.
3. في لغته.
محمّد نفّاع فنّان أصيل في وصفه للأرض وطبيعتها، فهو يعمل قلمه كرسّام، فيصف خربها وجدرها وبيدرها، وجبالها، ووديانها، وحقولها، ووعرها، وتلالها، وهو في كلّ ذلك رسّام ماهر يغمس ريشته في رحم الأرض فتخرج لوحات صافية رائعة تقطر بهاء وروعة وجمالا.
وأصالة الكاتب نابعة أيضا في حفظه لمواقع الأرض وهي في قصصه كثيرة، فهو يحدّثنا مثلا عن أرض الخيط وخلة المزار، وعين الجمل وشميس والديدباء، ومواقع أخرى يذكرها الكاتب في قصصه كأسماء الخرب: السّهلة، السّرير، الصّعبية، سرطبا، غماطة. كما أنّه يحفظ أسماء النّباتات والأشجار الوعريّة والسّهليّة التي نبتت في أرض الجليل ووعره مثل: البطم والسّنديان والنّفل والعلّيق والشّبرق والمل، والبرقوق والزقزقيا والقندول والشّيح والمديدة والمرار وشواهين الغزال والصّنيبعة وخبز القاق، والتّين بأنواعه: الغزالي والبقراطي، والعنب السّلطي والسّرطباني والرّمّان الملّيسي.
وعدا ذلك فهو يحفظ أسماء الطّيور والحيوانات التي ترتع بالحقل وعلى البيدر والمزابل منها مثلا: القبرة، والدويري، والقمح، والشّحرور، والحمر والحجل، والتّرغلة، والسّمن، والهدهد من الطّيور. أمّا بالنّسبة للحيوانات الدّاجنة فهو يحفظ ألقابها الدّارجة وتفاصيل حلبها ورعيها وتربيتها وجزّ شعرها، فمن الألقاب التي يخلعها الفلاّح على بقراته أو عنزاته، الكحلاء، العطراء، الشّعلاء، الرّتماء، المنبطة، المنمرة، الملحاء.
ومحمّد في كلّ ما ذكرناه أصيل لا يتصنّع بل تخرج منه الأسماء بعفويّة جميلة. ومن الشّواهد الأخرى على حبّ الكاتب لأرضه ولقريته حفظه لمواعيد الفلاّحين، وللمواسم الفلاّحيّة ولمواعيد سقوط المطر، فهو يذكر المربعنيّة والخمسينيّة والمستقرضات، وسعد ذابح وبلع، وسعد السّعود وسعد الخبايا، كما أنّه يعرف عدّة الحراثة وأقسام عود الحراث كالكابوس، والنّاطح والبرك، والذّكر والزغليلة، هذا عدا معرفته بأدوات المطبخ الفلاّحي وأنواع المأكولات، ومقاييس الوزن والمساحة.
ويجيد الكاتب أيضا- وهذا دليل على أصالته أيضا وعلى أنّه ابن بار لقريته- أنواع الملابس وأقمشتها النسويّة منها والرّجاليّة وأنواع مستحضرات التّجميل البدائيّة التي تتزيّن بها المرأة والعادات والتّقاليد على أنواعها وفي مناسباتها، كما أنّه يعرف أسماء الصّالحين والأولياء التي تخافها القرية وتحترمها.
كلّ ذلك شواهد على برّ الكاتب بأرضه، وقريته وأبناء بلده.
ومن الملفت للنّظر في قصص نفّاع أنّ تشبيهاته وايحاءاته مستقاة من الأرض وممّا له علاقة بها كأن يقول مثلا: “كان وجهها ملوّحا عرقا حطّ عليه غبار الحصاد ويداها سمراوان كلون الأرض خدشهما الشّوك في أكثر من موقع” (52).
أو “كان صوتها ملحاحا في قوّته ونقاوته، فيه رنّة صوت الفلا والبريّة والغدران” (53).
” رأيت منها مزيجا من رائحة البطم والرّيحان والنّفل والحليب والجديان فيها وعورة الجليل وانبساط السّهل، وفي أنفاسها شهيق الجليل وزفيره ببيوته وأناسه فقممه، وزيتونة” (54).
والشّواهد على ما ذكرنا كثيرة يضيق المجال لذكرها هنا.
ومن الباعث على اعجابنا بقصص الكاتب لغته، تلك اللّغة القرويّة البسيطة وفي أحيان كثيرة اللّغة القرويّة المحكيّة بفطريّتها وانسيابها وايحاءاتها الرّائعة، وموسيقيّتها المتدفّقة، لغة الشّعب البسيط وينقلها لنا محمّد نفّاع بأمانة ودقّة دون أن يخلع عليها ثوب التّفصيح. وهذه اللّغة تلائم حياة الفلاّح والأرض.
فهو يقول مثلا في احدى قصصه: “ذيب يمشي مفاحجة، والعلم عند الله..”(55)، أو “واتّبعت البدلة بحذاء بنّي لامع مزهو مشقرق من الضّحك” (56).
أو أن يقول مثلا في موضع آخر:”احنا مهيصين!! هاي المناديل والمحارم شوف”(57).
أو:”يمكن ما قدر يقدح بنت السّلطان وهو صغير” (58).
وفي موضع آخر يقول: “مسكسكة ورا جوزها مثل السّخلة” (59).
أو “اجا أخوك كيمة” (60).
“قدامي دلني على بيت الكرخنجي” (61).
ولغة الكاتب هذه مستقاة من قريته ومن لغتها المحكيّة ومن حياة الفلاّحين وفي رأيي هي تحتاج الى بحث خاص قائم بذاته. وانّما عرضنا لها هنا كي نثبت أصالة الكاتب وبرّه بقريته وأرضه وطبيعة بلده.
كلّ ما تقدّم من وصف رائع للأرض وللطّبيعة والقرية، ومن حفظ الكاتب للمصطلحات القرويّة ومن تشبيهاته وايحاءاته المستقاة من الأرض كلّ ذلك يساعد محمّد نفّاع في عدّة أمور فنيّة:
1. خلق الجو المناسب والخلفيّة الملائمة للحدث والشّخصيّات.
2. بناء الشّخصيّات وتحضير المناخ لأعمالها وتصرّفاتها.
3. تهيئة القارئ للحدث الرّئيسي والذّروة في القصّة.
4. اقامة المفارقات والفجوات كي يسهل عليه تعيين الصّراع.
وبالتّالي نقول: ان محمّد نفّاع كاتب أحبّ أرضه وعبدها لذلك احتلّت صدر قصصه، وهو في هذه القصص يتمتّع ببعد انساني، وبرؤيا ثوريّة تقدّميّة، فهو يقف دائما الى جانب المسحوقين، يدافع عنهم ويصوّر معاناتهم وتطلّعاتهم. وما يميّز قصصه أيضا تركيزه على البعد الطّبقي والصّراع الموجود بين الفلاّح الفقير والسّلطة، ولكنّه دائما متفائل لذلك في كلّ نهايات قصصه تجد فسحة الأمل والتّحدي والاصرار والعزم.
محمّد نفّاع كاتب أصيل، فهو ابن الشّعب يكتب عنه وله، وليصل الى هدفه وظّف أمورا كثيرة كالتّراث والحكايا. ونفّاع متأثّر في قصصه بروائع الأدب العالمي الانساني وخاصّة الرّوسي منه، فمن قصصه يطلّ علينا وجه تشيخوف وغوركي وايتماتوف وغوغول وغيرهم.
واذا كان نفاع قد اكتسب بعدا انسانيّا ورؤية تقدّميّة واذا كان على معرفة بالبعد الطّبقي، وبأنّ المسحوقين لا بدّ سينتصرون فهذا كلّه دليل على ما اكتسبه من حزبه ومن الاشتراكيّة العلميّة الماركسيّة- اللّينينيّة، ومن مبادئها الصّادقة وقد لاحظ الصديق نبيه القاسم هذه العمليّة عند نفّاع وسجلّها في دراسته عن القصّة المحليّة، فمحمد لم يدخل العمل الأدبي الا بعد أن تمرّس في الماركسيّة وتعمّد بالحزب الشّيوعي ومبادئه ورؤياه التقدّميّة الثّوريّة الانسانيّة.
ورغم أنّ حديثنا يدور على قضيّة الأرض في قصص نفّاع، نجد نفسنا مضطرين الى التّطرّق ولو بجملة واحدة الى شكل قصص محمّد نفّاع الفنيّ. في الواقع ان معظم قصصه يميّزها السّرد. ولعلّ المضمون كان يملي على محمّد هذا الشّكل، ولكنّنا نودّ أن نرى محمّد نفّاع في قصصه القادمة يطرق أبواب التّجديد.
وأخيرا، رغم السّقطات هنا وهناك يظلّ محمّد نفّاع كاتبا كبيرا نجله ونحترمه وسنظلّ بحاجة لكاتب مثل محمّد يذكّرنا برائحة أرضنا وبطبيعتها وروعتها وجمالها. سنظلّ بحاجة الى محمّد كي يدقّ كالنّاقوس في ذاكرة أجيالنا الشّابة أن حافظوا على أرضكم فهي مقدّسة، فمن لا أرض له لا حياة له.
الاشارات:
- مجموعة الأصيلة: ص10- ص3.
- ن.م: ص170- ص13.
- مجموعة كوشان: ص 70- ص63.
- الأصيلة: قصّة المشرّدون، ص 10.
- ن.م: ص10.
- الأصيلة، قصّة يوم شارك الحرّاثون في أعمال الثّورة ص 131.
- ن.م: ص 132.
- ن.م: ص132.
- مجموعة كوشان، قصّة الجمل،ص 66.
- ن.م: ص 67.
- ن.م: ص 70.
- مجموعة الأصيلة: ص61.
- مجموعة كوشان، ص19.
- ريح الشّمال، ص 105.
- الأصيلة، قصّة حيدر رضي الله عنه، ص 63.
- ن.م: ص 63.
- ن.م: ص 64.
- ن.م: ص 65.
- كوشان، قصّة لأنّنا نحبّ الأرض، ص 22.
- ن.م: ص22.
- ن.م: ص22.
- ن.م: ص 23.
- ريح الشّمال، قصّة يوسف الصدّيق، ص 107.
- ن.م: ص 109.
- ن.م: ص111.
- ن.م: ص111.
- مجموعة الأصيلة: ص 131.
- الأصيلة، يوم شارك الحرّاثون، ص 132.
- ن.م: ص 135.
- مجموعة كوشان، ص 81.
- كوشان، قصّة الأرض مرصودة بأهلها، ص 93- 92.
- مجموعة ريح الشّمال: ص 65.
- ريح الشّمال، قصّة واو الجماعة: ص 70.
- ن.م: ص 71.
- مجموعة ريح الشّمال: ص 73.
- مجموعة الأصيلة: ص 88.
- الأصيلة، قصّة حتّى لا يموت الطّفل: ص 91.
- ن.م: ص 92.
- مجموعة ودية: ص 5.
- ودية، جهاز العروس: ص 10.
- ن.م: ص11.
- ن.م: ص11.
- ن.م: ص11.
- الأصيلة، قصّة حيدر رضي الله عنه، ص 65.
- ريح الشّمال، قصّة نفح الغوردة، ص 31.
- ن.م: ص 43.
- كوشان، الأرض مرصودة بأهلها: ص92.
- ريح الشّمال، قصّة يوسف الصدّيق: ص 112.
- ن.م: ص 112.
- ن.م: ص 112.
- الأصيلة، قصّة الموضة في بلدنا: ص 80.
- ودية، قصّة ودية: ص 40.
- ودية، قصّة أنفاس الجليل: ص 54.
- كوشان، قصّة تمرين في الدّفاع المدني: ص 28.
- ن.م: ص 29.
- كوشان، قصّة بدوح أسلب بدوح: ص 40.
- كوشان، قصذة الأرض مرصودة بأهلها: ص 82.
- ن.م: ص 84.
- ريح الشّمال، قصّة ذات الرّداء الأحمر: ص 24.
- كوشان، قصّة النّاطور: ص 104.