زعتر/ بن ثابت صليبا
|بن ثابت صليبا| أخذت بظهرها إلى الوراء، اتسعت عيناها وأ […]
زعتر/ بن ثابت صليبا
|بن ثابت صليبا|
أخذت بظهرها إلى الوراء، اتسعت عيناها وأرتفع حاجباها، كأن صدمتها صعقة كهربائية. ذهول، هدوء، هواء بارد ساعد في تحنيط المعاني! غير مصدقةً ما تلتقط أُذناها من كلام حول حظر تلقيط (تبقيل) الزعتر في بلادنا!! بصوتها الهادئ المتزن تعتذر، تشرد وتجهد في لفظ الحروف؛ أليس بهذا ما يختزل معاني النكبة؟
ها هي القشعريرة تقترب، لا أدري إن بفعل برودة الطقس أو نتيجة الصدمة المضادة. أنا على يقين من أنّ شحنات صدمتها أصابتني بنقيضها. ذهولها لن يسّوغ لي جهلها، هي القادمة من فلسطين الخطوط والأرقام حريٍّ بموقعها واهتمامها المنهجي الساعي إلى الترويج لعدالة قضيتنا يُحتم عليها المعرفة … وها نحن فيها، فلِمَ الإطالة!
في معمعة ترجمة الحديث والأقوال وشرحها لمن شاركونا مجلسنا من جنسيات مختلفة، كنت منسجما وتلك الومضات المنعشة للذاكرة حيث الاحتفالية الربيعية بتلقيط الزعتر من تلك التلال الجليلية الخالية سوى من خضرتها وصفائها وأفقها غير المنتهي، قبل أن تغتصبها مجنزرات ذهنية المستعمر التي كست أعلاها بالمستنقعات (المستوطنات) المبتذلة. وهل ينتهي المشهد؟! تداعيات كلمة واحدة كانت كفيلة بإعلاء واستنباط الأفكار المتساقطة بمركباتها التي طالما تنجح باستفزاز الأنا المعقد بعض الشيء وهي التي لم ينجح تحايل المؤثرات الملتقطة بتبسيط رؤيتها؛ فهاجس المعرفة يفوق السذاجة.
ها هي المتضامنة مع قضيتنا تنهال بالحديث كمن وجدت رشدها. تقول: هل يوجد أبسط مما صدر من كلام لشرح إسقاطات النكبة المستمرة؟ ألا تعتقدون أنّ تأثير هذه التفاصيل أشدّ وقعا على المستمع؟ حيث أنها تختزل على ما أعتقد مجمل فظائع النكبة، من التهجير والإقصاء وغيره. إذ أن مدلولاتها تصف السيطرة والنفي: السيطرة على الأرض وما امتلكت من خيرات اعتمدتها الأجيال مصدرًا أولَ لسدّ الرمق، والنفي الذي قلص الحيز المتاح لممارسة الثقافة الحياتية المتوارثة.
كنت خلال ذلك الوقت صاغياً مُتجنباً الحديث، متوجساً ألا يشدني إنفعالي المعهود للبوح بكل ما لدي من مخزون التساؤلات المحتجز. إلى متى سنبقى نعاني الغبن المزدوج؟ نحن الفلسطينيين المتأرجحين بين التسميات، المنفيين داخل وطننا. فنحن لسنا بمجموعة متضامنين، قضيتنا هي قضية فلسطين، وما يعنينا كغيرنا يعني كل فلسطين.
مسرعاً عدت إلى منزلي بعد الوداع هارباً من البرد والحيرة، مُستدفأً بكوب من الشاي، وزيت وزعتر…
(برشلونة)