كلّما اتّسعتِ العِبرة ضاقتِ العِبارة../ أسعد موسى عودة
يُروى عن النفريّ أنّه من عمق إيمانه فَفَرْطِ تواضعه، ما كان يكتب ما يقول، بل كان ينقله إلى مُريديه مشافهَةً. فلربّما كان هذا سببًا آخرَ إضافيًّا لغيابي عنكم مؤخّرًا؛ حيث اتّسعتِ الرّؤية أو العِبرة فضاقتِ العِبارة
.
|أسعد موسى عودة|
أعتذر، قَبْلًا وبَعْدًا، إلى كلِّ من لاحظ ذلك أو لم يلاحظ، عن غيابيَ القسْريّ كلَّ هذه المدّة؛ فالعمليّة الكتابيّة – أيّها الأعزّة – أو قُلِ الأدب أو الفنّ بوجه عامّ – باعتبار أنّ ما نكتبه أدب أو فنّ – كيما يتمثّل تعبيرًا سويًّا، ذا شكل ومضمون ومعنًى، وطعم ولغة ورائحة، لا بدّ له من منسوب أدنى من الحرارة والبرودة والرّطوبة والخصوبة، ولا بدّ له من حالة مِزاجيّة خاصّة، معتدلة قدْر الإمكان، كما لا بدّ له من منسوب أدنى من الفرح، لا سيّما أنّها الكتابة – في الأصل – فعلُ فرح، وحيث إنّ وظيفة الأدب أو الفنّ بوجه عامّ، في الأُسّ والأساس – مُذ “علّمَ آدمَ الأسماءَ كلَّها” – أيًّا كان موضوع هذا الأدب أو الفنّ وإنِ الحزنَ كان، ما هي إلّا توسيع مِساحة الفرح في هذا العالم وبين النّاس. وهو يفعل ذلك – هذا الأدب أو الفنّ – من خلال مسعاه الأزليّ الأبديّ السّرمديّ الدّؤوب للفت حواسّنا إلى – أو تذكيرنا – بالأجمل، والأكمل، والأمثل، بأدوات وآليّات ومواهب ومهارات وقدرات وكرامات ولغات يطول فيها حتّى الإيجاز. كما لا بدّ له، طبعًا، هذا الأدب أو الفنّ من متّسع في الزّمان والمكان، في مثل هذا المَعْمَعان.. الّذي لا يُبقي على حجر ولا شجر ولا إنسان؛ وفي هذه المِنطقة من المُناخ والنّاس، بوجه خاصّ.
وقد قال الصّوفيّ العراقيّ الكوفيّ “المصريّ”، ذو “المواقف والمخاطَبات”، أبو عبد الله محمّد النِّفَّرِيّ، قدّس الله سرّه (توفّي 354 هـ./965 م.) ما لم يحبّرْه كتابًا وحوّرناهُ نحن، أعلاه، عُنوانًا: كلّما اتّسعتِ الرّؤية (العِبرة) ضاقتِ العِبارة. وهو الّذي يُروى عنه أنّه من عمق إيمانه فَفَرْطِ تواضعه، ما كان يكتب ما يقول، بل كان ينقله إلى مُريديه مشافهَةً. فلربّما كان هذا سببًا آخرَ إضافيًّا لغيابي عنكم مؤخّرًا؛ حيث اتّسعتِ الرّؤية أو العِبرة فضاقتِ العِبارة، أو حيث أصِبتُ بحالة فريدة وخاصّة من التّواضع غيرِ الّتي أعرف، ليتَ شِعْري..
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
هنيئًا لك يا مصر..
هنيئًا لك يا مصر.. وهنيئًا لنا بك؛ بحسن اختيارك إيّاه رئيسًا، جناب المشير المثقّف، المؤمن المسلم “القِبطيّ” “اليهوديّ”، السّلفيّ العَلمانيّ الصّوفيّ، العربيّ الإنسان، عبد الفتّاح سعيد حسين خليل السّيسي. إنّنا نتوسّم فيه وفيكِ خيرًا كثيرًا، وفتحًا قريبًا.. وبشِّرِ المؤمنينَ لا إخوانَ الشّياطين.. فإنّه، فعلًا، لن تَرضى عنكَ الإخوانُ ولا الأمريكان حتّى تتّبعَ مِلَّتَهم.. وسنزوركِ، حتمًا، قريبًا، إذا اللهُ شاء.. وعمارٌ مصرُ الولّادة..
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
في المونديال.. وفي أصل الكلمة، أوّلًا..
“مونديال” كلمة فرنسيّة الأصل (في هذه المرحلة)، “mondial”؛ وتعني الأُمَمِيّ أو العالميّ أو الدُّوَليّ (الدَّوْليّ)، وهي تعود – في الأصل – إلى كلمة “monde”، أيِ الأرض، ومن هنا لنا أن نبدأ ردّها إلى أصل الأصل وجذر الجذر في العربيّة، ولكن ليس الآن، فلكلّ حديث إبّان.
أرى السّنة كبيسة في حالَيْن، عندما يكون شُباط أبًا لتسعة وعشرين ولدًا (يومًا) مرّةً كلّ أربع سنوات، وعندما يحلّ المونديال مرّةً كلّ أربع سنوات، أيضًا، فإنْ حلّ وكان شُباط – من ذاك العام – أبًا لتسعة وعشرين، كانت السّنة كبيسة، مرّتيْن.
أنا، شخصيًّا وعربيًّا، لن أشجّع المنتخب الجزائريّ، مثلًا؛ لسلوكه النّاقص مع شقيقه الأكبر، المنتخب المصريّ، في أثناء تصفيات القارّات لهذه الكأس العالميّة. كما لن أشجّع المنتخب الّذي ترعرعتُ على تشجيعه، ألمانيا؛ لفرط سياستها المجحفة في السّنوات الأخيرة، وهو ما لم يعُد يُهضم. بل سأشجّع – في المرتبة الأولى – منتخب غانا؛ لأكثر من سبب وجيه، شخصيّ وعامّ.. كما سأشجّع – في المرتبة الثّانية – المنتخب الرّوسيّ؛ لسياسة بلاده الأكثر شرقًا وشرفًا وعدلًا ومنطقًا وأصالة وصلابة؛ في هذا العالم الغاب، النّازلة صفعًا في وجه أمريكا، والّتي – أعني روسيا – ستستضيف كأس العالم بعد أربع سنوات، في 2018.
ووصيّتي لكم – قرّائيَ الأعزّة – أن تكون هذه المناسبة فرصة سانحة لإبداء التّسامح والتّعبير عن الوُدّ الخالص تجاه بعضنا بعضًا، غرباء وأقرباء، وزملاء وأصدقاء، ورجالًا ونساء، وأزواجًا لطفاء؛ راجيًا ألّا يفرّق بيننا الصّراع على لعبة كرة قدم، أو النّزاع على ما سيُشاهَد الآن، أهوَ المسلسلُ أم لعبةُ كرة القدم أم غيرُهما. لا سيّما أنّ ذلك كلّه سيتزامن مع قرب حلول وحلول الشّهر الفضيل، شهر التّوبة والمغفرة، رمضان الإنسان؛ حيث أدعوكم جميعًا، مسلمين ومسيحيّين وعَلمانيّين، إلى التّخلّق بأخلاقه الإنسانيّة الأمميّة، الأعلى والأَوْلى والأكبر.
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
وحديثنا، أبدًا، عن لُغتنا ونَحْن!
(الكبابير)