حضن القصيدة واسع.. عن غَيْرة المبدعين والنّاس أجمعين/ أسعد موسى عَودة
الفنّان الحقيقيّ هو من يدفع إلى الأمام بفنّه لا بنفسه الفانية، وهو من يؤثِر غيره على غَيْرته إنْ كان غيره هذا أولى منه وأصلح…
|أسعد موسى عَودة|
الغَيْرةُ غَيْرتان: محمودة ومذمومة؛ فالمحمودة ما كان مَبعثها الغَبْط والغِبْطة، أي تمنّي مثل حال الغَيْر بدون تمنّي زوالها عنه؛ والمذمومة ما كان مَبعثها الحَسَد والحَسادة، أي تمنّيك زوال نعمة الغَيْر وتحوّلها إليك. والغَيْرة، محمودة ومذمومة، معروفة بين البشر مُذ خلق الله الحجر.. وقد جاء على لسان الكاتب والأديب الفرنسيّ جان دي لابرويير (1645 – 1696) ما مفهومه أنّ المسافة بين تَيْنِكَ الغَيْرَتين، المحمودة والمذمومة، هي المسافة نفسها بين الفضيلة والرّذيلة..
فإيّاكم والحسد؛ فإنّه “يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب” (حديث شريف)؛ وإنّه “مطيّة التّعب” و”حسد الصّديق من سقم المودّة” (الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه)؛ وقد جاء عن عمر بن أبي ربيعة: “حسدًا حُمِّلْنَهُ مِن شأنِها / وقديمًا كان في النّاسِ الحَسَد”؛ كما ورد في سفر الأمثال من الكتاب المقدّس: “حياةُ الجسد هدوءُ القلب، ونَخْرُ العظام الحسد”.
والحديث العامّ في هذا الشّأن أرى له بداية ولا نهاية، لذا سأحصر الحديث وأقصره في الغَيْرة وعلى الغَيْرة المذمومة غالبًا، أي ما كان مَبعثها الحسد، بين المبدعين عمومًا، من شعراء وناثرين، وقُصّاص وروائيّين، وكتّاب وأدباء وعلماء، وباحثين وأكاديميّين، ومَن شئت من هذه الشّلّة أو هذه الثُّلّة من الفنّانين في الأوّلين والآخِرين.
الفنّان الحقيقيّ – أيّها السّادة، أيّتها السّيّدات ويا آنسات – هو من يدفع إلى الأمام بفنّه لا بنفسه الفانية، وهو من يؤثِر غيره على غَيْرته إنْ كان غيره هذا أولى منه وأصلح.. لكنّ ما ندعو إليه أسهل من هذا بكثير، فلن نحمّلكم عناء مجاهدة النّفْس هذا الّذي يقطع النّفَس، وكم هي أنفاسنا قصيرة.. وكم هي نفوسنا صغيرة.. بل سنحصر دعوتنا ونقصرها في وعلى ألّا تحسدوا بعضكم بعضًا، وألّا تغتابوا بعضكم بعضًا، وألّا تَبْهَتوا بعضكم بعضًا، أي ألّا تتقاذفوا وتتنابزوا بالبهتان.. فحضن الكتابة واسع.. وحضن القصيدة أوسع.. يتّسع لكلّ مبدع فنّان حقيقيّ صادق بما يفكّر ويكتب، حيث لا مجال لأن يُلغي الواحد منكم مساحة أخيه الآخر، فإنّه حضن أمّ هي أدرى بأولادها النّجباء الأوفياء الشّرعيّين، من أولئك اللّقطاء الأدعياء المتطفّلين.. وظلّوا تذكّروا لئلّا تضِلّوا، أنّه من المفروض أنّكم كلّما كبُرتم حتمًا صغرتم، إن، فعلًا، مبدعين حقيقيّين كنتم؛ فخذوا العبرة من ذا القول وقد تعدّد قالتُه، ومنهم الإمام الشّافعيّ ومنهم العالم أينشتاين، قدّس الله سرّهما: كلّما ازددتُ علمًا ازددتُ به جهلًا..
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
الصّيّاد
كثيرًا ما يسمعهم الصّيّاد يقولون ويقرأُهم يكتبون: رئس بمعنى رأس، وشتّان بين الاثنتين شتّان وهيهات هيهات المعنيان؛ فرأس يرأس رأسًا ورِئاسة ورِياسة ورَآسة، أي صار رئيسًا ورَيِّسًا. أمّا رئس يرأس رأسًا فهو أرأس وهي رأساء والجمع رؤس، أي عظم رأسه، علمًا أنّ رُئس تعني: شكا رأسه.
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
حكمة الأسبوع على لسان محمود درويش:
أن نكون ودودين مع من يكرهوننا، وقُساة مع من يحبّوننا؛ تلك هي دونيّة المتعالي وغطرسة الوضيع..
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
منهاج حياة
سأظلّ أنا – أسعد – أسعى وأكون الأسعد في هذه الدُّنيا على كلّ صعيد.. لكنّه في الوقت نفسه، وبالقوّة نفسها، ستظلّ هذه الدّنيا لا تساوي عندي جناح بعوضة.. وأنت؟
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن!
(الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم، محرّر لغويّ، مدقِّق، ومحرِّر؛ الكبابير / حيفا)