تحتَ أقدامِكُنّ.. تحت قدمَيكِ أمّي../ أسعد موسى عَودة
ولأمّيَ، اليومَ، تغزلُ الشّمسُ من أريج الورد مناديل عطرٍ ونور.. ولأمّيَ، اليومَ، تبوحُ الفراشاتُ بأسرار الرّسم المزركش على وَبَرٍ طائرٍ في الرّبيع
تحتَ أقدامِكُنّ.. تحت قدمَيكِ أمّي../ أسعد موسى عَودة
|أسعد موسى عَودة|
اليومَ يومُكنّ أمّهاتِنا، وبعضُ يومِك أمّي.. وإنّها الجنّة تحت أقدامِكُنّ، وإنّها الجنّة تحت قدمَيكِ أمّي.. وقد حمَلْتُنّنا في أرحامكنّ ثِقْلًا، خَلقًا بعد خَلق، ثمّ وضعْتُنّنا ألمًا وكُرهًا.. فأرضعتُنّنا حُبًّا.. وربّيتُنّنا جَهْدًا.. كما أُعايد – في هذا اليوم – كلّ أنثى مُعدّة، أصلًا، لتصير أمًّا، لكنّها ليست بعد، أمًّا بحقٍّ وحقيق، لا أمًّا لا تليق.. فإنّه “ليس اليتيمُ من انتهى أبواه من / همّ الحياةِ وخلّفاه ذليلًا / إنّ اليتيمَ هو الّذي تَلقى له / أمًّا تخلّتْ أو أبًا مشغولًا”.. وأُعايدُ أولئك اللّائي لم يحالفْهُنّ الحظّ في أن يصِرنَ أمّهات، بالمفهوم الذّاتيّ المتعارف عليه، فصِرنَ أمّهاتٍ، حتمًا، بالمفهوم غير الذّاتيّ الأشمل والأعمق والأغزر.. أُعايدُ الأمّهات المبشَّرات بجنّة تحت أقدامِهنّ.. إذا كُنّ هُنّ.. أُعايدُ، اليومَ، أمّي.. واسمحوا لي أن أُعايد، اليومَ، أيضًا، غاليتي، زوجتيَ، المرشّحة بقوّة لتصير أمًّا، أيضًا، بالمفهوم الذّاتيّ المتعارف عليه أعلاه، بعد وقت قريب، بإذن الله المُجيب..
واللّافتُ أنّ عيد الأمّ – في الأصل، حديثًا – اختراع أمريكيّ، أيضًا.. ويُحتفل به فيها وفي بلدانٍ كثيرة غيرها في مواعيد مختلفة.. وقد رأى من رأى – الكاتب الصِّحافيّ المِصريّ الشّهير مصطفى أمين، غالبًا – أن يُحتفل به في مصرَ والعالم العربيّ في أوّل أيّام الرّبيع، أي في الحادي والعشرين من آذار من كلّ عام.. هذا حديثًا، وفي ما يرتبط بمرض الدّولار، غالبًا.. أمّا عن مكانة الأمّ والأمومة في الدّيانات السّماويّة والحضارات القديمة والثّقافات الأصيلة والفنون الجميلة، فحدّث ولا حرج.
وأترُكُنا، الآن، ليمارس كلٌّ منّا طقسه الخاصّ في معايدة “ستّ الحبايب”.. ووصيّتي أن يجتهد كلٌّ منّا لئلّا يكون هذا الطّقس يومًا كلّ عام بل عامًا كلّ يوم..
ولأمّيَ، اليومَ، تغزلُ الشّمسُ من أريج الورد مناديل عطرٍ ونور.. ولأمّيَ، اليومَ، تبوحُ الفراشاتُ بأسرار الرّسم المزركش على وَبَرٍ طائرٍ في الرّبيع.. ويحدّثها الدُّورِيُّ عن سِرّ غبار السَّرْو.. ويشكو لها حجلٌ عن شُحّ الماء في الغدير.. كما يُفضفضُ لها قلبٌ عن ضعف الحبّ في البشر.. ويغمز لها قمرٌ ناقصٌ بأن تعالَي فأكمِليني.. ثمّ آتي أنا لأقبّل الخدّ واليد.. ومَن أكون أنا بين كلّ هؤلاء؟ إنْ أنا إلّا ما شاءت الرّيح أن أكون.. فكنتُ ما أريد.. وإن على قلقٍ؛ “فما حاولتُ في أرضٍ مُقامًا / ولا أزمعتُ عن أرضٍ زَوالا / على قلقٍ كأنّ الرّيح تحتي / أوجّهُها جنوبًا أو شِمالا”.. مع أنّي كنتُ أحبّ أن يقول حبيبُنا أبو الطّيّب أحمدُ بنُ الحسين المتنبّيّ الكنديّ الكوفيّ: أصرّفُها، بدلًا من “أوجّهُها”؛ على حدّ ذوقي وعلمي.. واللهُ ربُّ اللّغة أعلم.
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن!
(الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم، ومحرّر لغويّ؛ الكبابير/ حيفا)