عشرون حَلْقة.. عُمْري معكم..!/ أسعد موسى عودة
|أسعد موسى عَودة| لا أدري لماذا هذه الأعداد العُقود، تح […]
عشرون حَلْقة.. عُمْري معكم..!/ أسعد موسى عودة
|أسعد موسى عَودة|
لا أدري لماذا هذه الأعداد العُقود، تحمل في طيّاتها دلالاتٍ أبعد من مجرّد كونها تزاوجًا بين أرقام، تُولَد منه أعداد؛ فالعشرون عدد، رقْماه: الاثنان والصّفر – هكذا تعلّمنا في علم الحساب، ونظريّة الأرقام والأعداد، ودرس الحِسّ العدديّ (Number sense)! ولا أدري لماذا أنوّه أنا بذلك، الآن، أصلاً، أهو الشّعور بأنّي وَفّيت المقالة وأدّيت الرّسالة؟ أم هي وِقفة تأمّل لما كان واستشراف لما سيكون، بإذن الله؟ ليت شِعْري (ليتني أعلم)! أم لعلّها استراحة المحارب أو الصّيّاد؛ وقد أنهكه الجَهد وأضناه التّعب؟! هذا ما سيتكشّف في القريب جدًّا من قادم الأيّام، لا مَحالة! أم أراني سأعلنها، الآن: إنّني سأكتب حتّى الرَّمَق الأخير؛ لأنّ الكتابة عندي هي الرَّمَق، فكيف أكُفّ؟! ونعتذر إليكم – أيّها الأعزّة! – إذ لم تُسعِفنا الحياة، الأسبوعَ الفائت، على كتابة ما نرجو، دومًا، أن يليق بكم.
وما دمنا قد ذكرنا “الصّفر” أعلاه، فاعلموا – مثلما علمت – أنّ هذا الصّفر، الّذي هو لا شيءَ – إذا أخِذ وحدَه – والّذي يرفع المراتب الحسابيّة مع العدّ إلى ما شئتم من قِيَم، هو أعظم اختراع رياضيّ على مرّ العصور. وهو لصاحبه أبي عبد الله، محمّد بْنِ موسى الخُوارِزميّ (780-850 م.)، المعروف بالأستاذ، مُبتكِر علم الجبر، وواضع أوّل كتاب فيه: “الجبر والمقابَلة”. أمّا عن حكاية هذا الصّفر، ومعناه لغةً واصطلاحًا، وانتقاله إلى غير ثقافة العرب وحضارتهم من ثقافات وحضارات، لفظًا ومعنًى وحسابًا، فاقرأُوا في بابه الخاصّ أدناه! ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
حكاية الصِّفْر..!
يحمل الجذر “صفر” في اللّغة العربيّة معنى الخُلُوّ، عمومًا؛ فتقول العرب: صَفَر؛ بمعنى: صوّت بالنّفخ من شفتَيْه؛ أي بإخراج الهواء من فمه عن طريق شفتَيْه. وتقول العرب، أيضًا: صَفَر الإناءُ؛ بمعنى: خَلا؛ والصَّفْر والصُّفْر عندهم، هو الخالي؛ والصَّفَر هو الجوع؛ أو قُل: فراغُ المَعِدة وخَواؤها. وأرى أنّ الفعل “اِصْفَرّ” أو “اِصْفارّ”؛ بمعنى: صار ذا صُفرة (لون أصفر)؛ يعني الافتقار إلى الحُمْرة؛ فيكون اصفرارُ الوجه أو الجلد، عمومًا، هو افتقارهما إلى حُمْرة الدّم. و”صَفَر” هو الشّهر الثّاني من السّنة القمريّة العربيّة، وقِيل سُمّي بذلك لإصفار مكّة من أهلها إذا سافروا فيه؛ أي لخلائها منهم. والصَّفِر من كلّ شيء وجمعه أصفار؛ هو الخالي؛ والصِّفْر – بالتّالي – هو نقطة تدلّ على منزلة الأرقام الّتي توضع فيها خالية من العدد. ومن هنا جاءت تسمية الخُوارِزميّ لهذا الشّيء الّذي أدخل استعماله في العدّ والحساب، وسمّاه الصِّفْر؛ إذ قال: إنّه إذا لم يكن هناك رقْم يقع في مرتبة العشرة، استُعيض عنه – احتفاظًا بالسّلسلة الحسابيّة – بدائرة، وهذه الدّوائر الصّغار {الفارغة} تُسمّى الأصفار، توضع لحفظ المراتب في المواضع الّتي ليس فيها أعداد.
وجاء أنّه عن الخُوارِزميّ انتقل استعمال الصِّفْر إلى أوروپا، فعرَفه أهلُها منطوقًا “صِيْفر”، ونطقه اللاّتينيّون “زِفيروم”، واختصره الإيطاليّون، فقالوا: “زِيْرُو”. وهو كذلك في الإنچليزيّة، اليوم، مثلاً: “zero”. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
الصّيّاد: العُسْر التّعليميّ.. أم العُسْر التّعلّميّ..؟!
يسمعهم الصّيّاد يقولون ويقرأُهم يكتبون: “العُسْر التّعليميّ”، في وصف تلك الحالة الطُلاّبيّة، حيث يواجه الطّلاّب عَيْبًا في قُدُراتهم الإدراكيّة وأدواتهم الحسّيّة. فإذا كانت الحالة هذه، فالصّحيح أن يُعبَّر عن ذلك بالعُسْر التّعلّميّ، وليس التّعليميّ؛ إذ الفعل فعلٌ طلاّبيّ: تَعَلّمَ يَتَعَلّمُ، ومصدره: تَعَلُّم، والنّسبة إليه: تَعَلُّمِيّ. أمّا عن العُسْر التّعليميّ؛ إذ الفعل فعلٌ أستاذيّ: عَلَّمَ يُعَلِّمُ، ومصدره: تَعْلِيم، والنّسبة إليه: تَعْلِيمِيّ، وفي عصر اللاّ- تعليم، خصوصًا – بشكل عامّ – بل عصر اللُّهاث وراء الرّاتب والمَعاش والضّمانات الاجتماعيّة والتّقاعديّة، فحدِّث ولا حَرَج..!
ويسمعهم الصّيّاد يقولون ويقرأُهم يكتبون: “المُلفِت” للنّظر، مثلاً؛ والصّحيح هو: اللاّفِت؛ إذ الفعل هو: لَفَت يَلْفِتُ، واسم الفاعل منه: لافِت؛ ولا وجود في العربيّة للفعل: ألْفَت يُلْفِتُ، ولا وجود – بالتّالي – لاسم الفاعل: مُلْفِت. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
أين نخيل اليوم من نخيل الأمس؟!.. والمعنى أبعد..!
جاء في الحكاية أنّ كسرى {أشهر ملوك الفرس السّاسانيّين} وقف على فلاّح يغرِس نخلاً، وقد طعن {الفلاّح} في السّنّ. فقال له كسرى، متعجّبًا منه: أيّها الشّيخ! أتؤمّل أن تأكل من ثمر هذا النّخل، وهو لا يحمل إلاّ بعد سنين كثيرة، وأنت قد فَنِي عمرك؟ فقال {الفلاّح}: أيّها الملك! غرسوا فأكلنا، ونغرِس فيأكلون. فقال {الملك} متعجّبًا: زِهْ! {كلمة استحسان، وقد تُستعمل في التّهكّم؛ كما يُقال: “أحسنت” لمن أساء، لكن ليس في هذا السّياق. ويُقال: إنّها كلمة تقولها الأعاجم (غير العرب) – بشكل خاصّ – عند استحسان شيء} وأعطى الفلاّح ألف دينار. فأخذها {الفلاّح} وقال: أيّها الملك! ما أعْجَلَ ما أثمر هذا النّخل! فاستحسن كسرى {منه} ذلك، وقال: زِهْ! {مرّة ثانية} فأعطاه ألف دينار أخرى. فأخذها {الفلاّح} وقال: أيّها الملك! وأعْجَبُ من كلّ شيءٍ أنّ النّخل أثمر السّنة مرّتيْن! فاستحسن كسرى {منه} ذلك {أيضًا} وقال: زِهْ! {مرّة ثالثة} فأعطاه ألف دينار أخرى. ثمّ تركه وانصرف.
لَشَدّما يبعث فيّ السّرور ويُضيء فيّ الأمل، تلقّي تعليقاتكم على، وتساؤلاتكم عمّا تطرحه هذه الزّاوية، عبر العُنوانيْن المُسجّليْن أدناه. وإلى لقاء آخر، إن شاء الله! وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن!
(الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم ومحرّر لغويّ؛ الكبابير/ حيفا)
asarabic@gmail.com