نكبة واحدة.. وأربعة رجال..!/ أسعد موسى عودة
|أسعد موسى عودة| الحديث عن الأربعة، رجالاً أو شعراء، حد […]
نكبة واحدة.. وأربعة رجال..!/ أسعد موسى عودة
|أسعد موسى عودة|
الحديث عن الأربعة، رجالاً أو شعراء، حديث قديم؛ فقد سبق من بعضهم القول: “الرّجال أربعة: رجل يدري ويدري أنّه يدري، فذلك عالم فاسألوه؛ ورجل يدري ولا يدري أنّه يدري، فذلك غافل فأيقظوه؛ ورجل لا يدري ويدري أنّه لا يدري، فذلك مسترشِدٌ فأرشدوه ]أو قيل: فذلك جاهل فعلّموه[؛ ورجل لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري، فذلك جاهل فارفضوه ]أو قيل: فذلك أحمقُ فارفضوه[“. وقيل: “الشّعراءُ فاعْلَمَنّ أربعة: فشاعرٌ يجري ولا يُجرى معه / وشاعرٌ يخوض وسْط مَعْمَعة / وشاعرٌ لا تشتهي أن تسمعه / وشاعرٌ لا تستحي أن تصفعه”.
غير أنّ حديثي أنا، عن أربعة رجال ضحايا، أنتجتهم نكبة واحدة، هم: رجل رافض لواقعه، ولدولة نشأت على خرائب منزله، فأكبر فاتورة هو على استعداد لدفعها، مقابل بقائه في أرض الأجداد والآباء والأبناء، هي حمله بطاقة هُويّة زرقاء، فلا يسعى لوظيفة أو منصب أو راتب، يعصر الصّخر إذا عطش، ويأكل التّراب إن جاع، ولا يرحل؛ ورجل قادر بإرادته وإصراره واجتهاده وعلمه وذكائه وأخلاقه وكرامته وأنَفَته (عزّة نفسه)، أن يُخجِل أصحاب القرار، ومن في يدهم أمر الفصل أو التّعيين، فينتزع استحقاقه من بين أنيابهم مُرغَمين؛ ورجل محدود القُدُرات والإمكانات، فلا يرى بُدًّا من التّزلّف إلى هذا أو ذاك، والانقياد له، ليُحقّق له شيئًا من العيش، يظنّه كريمًا؛ ورجل باع نفسه ونفيسه، وكفى. وهؤلاء الأربعة، بما بينهم من فروق، إضافة إلى من اختار المقاومة أو الرّحيل، أو من اكتفى بالقليل؛ فلا ينظر إلى ما هو أبعد من قوت يومه، هم مفعول به واحد، لفاعل واحد، هو النّكبة؛ ببُعدها النّفسيّ، والفكريّ، والمُجتمعيّ، والاقتصاديّ، وأخيرًا السّياسيّ. فما تبنّاه كلٌّ من هؤلاء الأربعة وغيرهم، من سلوك، سلبيًّا كان أو إيجابيًّا، في سبيل التّصدّي لهذه النّكبة، من أجل البقاء، ناتج عنها، بأبعادها المختلفة السّالفة الذّكر، حيث يظلّ كلٌّ منهم رهينها، شعر بذلك أو لم يشعر. إذا الشّعب يومًا أراد الحياة..! ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشْهَد!
في يوم نكبتنا.. تعالَوا نرمّمْ لغتنا..!
قُلتها لزوجتي الغالية! وقُلتها لصديقيَ الأعزّ! وكلاهما عربيّ أصيل! -وإذا حضر الأصيل بطُل الوكيل!- قبل أن أقولها لكم: تعالَوا نحاول في يوم نكبتنا -بالذّات، وعلى الأقلّ، وذلك أضعف الإيمان- أن يتحدّث كلٌّ منّا إلى كلٍّ منّا بلغتنا العربيّة الشّريفة، من دون إقحام أيّ كلمة عبريّة، أو أيّ كلمة بأيّ لغة أخرى غير العربيّة!
ولْتكُن هذه بذرة تظاهرة لغويّة، أنا كلّي ثقة بأنّها ستُؤتي أُكُلَها كلَّ حين، لَهْجَ لسان ونَهْجَ حياة، إذا ما تبنّينانها، أفرادًا وجماعات ومؤسّسات ومنظّمات وقيادات، كما هو مأمول منّا ولنا! ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشْهَد!
لغة وثقافة وذكاء وتدبير..!
بعث العاهِلُ الرّوميُّ إلى معاويةَ بْنِ أبي سُفْيانَ، مؤسّسِ الدّولة الأَمَوِيّة، برسالة جاء فيها: أخْبِرْني عمّن لا قِبْلَةَ له، وعمّن لا أبَ له، وعمّن لا عشيرةَ له، وعمّن سار به قبره، وعن ثلاثة أشياءَ لم تُخلَق من رَحِم، وعن شيء، ونصف شيء، ولا شيء، وابعث إليّ في هذه القارورة ببِزْر كلّ شيء.
فبعث معاويةُ بالكتاب والقارورة إلى حَبْر الأمّة، عبدِ الله بنِ عبّاس ]رضي الله عنه[ -والحَبْر هو العالم الصّالح، وهو مأخوذ من تحبير العلم وتحسينه؛ فتحبير الكلام أو الخطّ أو الشّعر، هو تحسينه وتزيينه، وتقابلها كلمة "تَحْبِير" العبريّة، بمعنى إنشاء الكلام- فقال ابنُ عبّاس ]رضي الله عنه[: أمّا من ]ما[ لا قِبْلَةَ له، فالكعبة. وأمّا من لا أبَ له، فعيسى ]عليه السّلام[. وأمّا من لا عشيرةَ له، فآدم ]عليه السّلام[. وأمّا من سار به قبره، فيونُس (يونان) ]عليه السّلام[.
وأمّا ثلاثة أشياء لم تُخلق من رَحِم، فهي: كبش إبراهيم ]عليه السّلام[؛ وناقة ثمود؛ وحيّة موسى ]عليه السّلام[.
وأمّا الشّيء، فالرّجل له عقل يعمل به. وأمّا نصف الشّيء، فالرّجل ليس له عقل ويعمل برأي ذوي العقول. وأمّا اللاّ شيء، فالّذي ليس له عقل ويعمل به ولا يستعين بعقل غيره.
وأخيرًا، ملأ القارورة ماءً وقال: هذا بِزْرُ كلّ شيء.
(الكبابير/ حيفا)
14 مايو 2011
العربية زادتك مروءة, وزدتها جمالاً, يا أسعد
أدخل هنا لأستزيد من جمالك