لأنك يا أمي…/ أحمد أطرش
شعرتُ كما لو أنّ عينيَّ تحترقان، ووجع خفيف يزحفُ في حلقي. انتابَني شعور بأن أرتمي في حضنها مثلما كنت أفعل عندما كنت طفلًا. كُنتُ كلما صَفَعتني أذهب راكضًا نحو غرفتي فأرجعُ بعد دقائقَ لأضعَ رأسي على فخذها وأغفو
لأنك يا أمي…/ أحمد أطرش
|أحمد أطرش|
أبغضُ القدسَ في مثل هذي الليالي. السّاعة الحادية عشرة ليلاً، لا صَديق يُعرّيني من وحدتي ولا حتى قريب. أدورُ في غرفتي الّتي بالكاد تَتّسع لتنهيدةٍ واحدة. لا صَوت في الخارج سوى عَويل الرّيح.
“لو أنّها تُمطِر”.. أهمسُ مستغلًّا الفرصةَ بصُنع كأسٍ من الشاي، ثمّ أجلس أمام الشباك، أُدخّن سيجارة وأتذكّر ذاك الشتاء الدافئ في طفولتي فأنسى وَقع القدس بقلبي وأغفو مثلَ دُمى الأطفال.
لَم تُمطر حتى الآن! أُشعلُ سيجارة ثانية، أظلّ على هيئتي أمام الشّباك بدون كأس الشّاي.. فأتذكر أُمّي. غالبًا ما أتذكّرها حين تَقسو عليَّ القدسُ، أو عندما أجالسُ شبّاكًا –كعادتي- لساعات، منتظرًا مرور حُبّ لَم أُشفَ منه مُنذ أكثر من عام.
مُنذ صغري، لم أعتَدْ على إطلاع أمي على كلّ ما يجول في ذهني، لكنّني أَتخيّلني الآن أُحدّثها عن كل ما لا أستطيع البَوح فيه.
على الأرجح أنّها نائمة الآن، لا شيء يقلقها إلا إذا ما كنت قد أكلت جيدًا اليوم أم لا. تعتقد أمّي أنّ كل شيء على ما يُرام، فهي دائمة القول بأنّي لا أُكَبِّر الأمور حتى لو كانت كبيرة.. أتعامَل مَع كُل شيء ببساطة لدرجة أنها غالبًا ما تنعتني بالـ “مُستَهتِر”.
قَبل حوالي شهرٍ من الآن، كانت آخر مرّة ينتابني هذا الشّعور. رَكبتُ الباص عائدًا إلى البيت. كنتُ جالسًا جانبَ الشّباك أستمعُ إلى أغنية “ماما” لسميح شقير، ينكمشُ قلبي، أتنهّد ثمّ أبتسم، ثمّ تدمع عيناي فأبكي.
أنسلخُ عنّي.. وأسبق الباص.
أَفتح باب البيت بترقُّب، أشاهدها في المطبخ (لا أستطيع تخيُّلَها إلا وهي تمارس أشغالَها الشّاقّة في البيت، تلك الأشغال الّتي أشعر بأنها تستمتع بها).
- مرحبا يَمَّا..
- أهلين… مالك هيك؟ ولك ليش بتعيط؟
تسيلُ دموعها دون أن تعرف سرّ بكائي، أطوّقُها بقوّة منتحبًا وأبوح:
- تَعبت يَمّا… تعبت.
ينقطع خيالي تلك اللحظة وأنتبه للباص. كان قد وصل لتوّه مدينة العفولة، أصعدُ باصًا آخرَ متجهًا إلى طبريا.
“سأكون في البيت بعد نصف ساعة”.
كلما اقتربتُ من البيت أكثر، شعرتُ بالخوف أكثر. يجب ألّا تشعر بضعفي، لا أريد أن أنكسر مثل قطعه الزجاج أمامها،عليّ أن أتمالك نفسي.
وصلتُ البيت عند المَغيب. سيارة أبي ليست أمام البيت. يخطُر ببالي بأني إذا وجدتها وحدَها لن أتمالك نفسي، سأبكي مثل طفلٍ صغير (أعرف ذلك).
دخلت البيت ببطء، كانت تشاهد الأخبار.
- مرحبا يَما.
- والله ويا هلا..
شعرتُ كما لو أنّ عينيَّ تحترقان، ووجع خفيف يزحفُ في حلقي. انتابَني شعور بأن أرتمي في حضنها مثلما كنت أفعل عندما كنت طفلًا. كُنتُ كلما صَفَعتني أذهب راكضًا نحو غرفتي فأرجعُ بعد دقائقَ لأضعَ رأسي على فخذها وأغفو.
وضعتُ حقيبتي على الأرض ودنَوتُ منها.
- يَما أنا…
- شَنطتَك المعفنة ليش حاطها هون… فوّتها جوا… طول اليوم وأنا واقفه على إجرَيي.
أَبتسم، أستسخفُ نفسي، ثم أَشعر بحاجةٍ مُلحّة للرجوع إلى القدس…
.
httpv://youtu.be/JiHNvmJF5k4
12 أكتوبر 2013
رائعة رائعة رائعة ، كأنك كتبت اشي كان نفسي اكتبو ، بالزبط هيييك ، لما ارجع ع البيت بصير احكي بدي ارجع ع القدس ! يا الله ما اروعك
25 مارس 2013
كعادتك, تخفي أكثر مما تبدي. دمت بوّد
22 فبراير 2013
3ady eza kol elta3le2at jad w ana bas jay aktob LOL ?
3anjad da77aktni 3a wejh hal sobo7
17 فبراير 2013
كل الاحترام قدماً والى الامام …
16 فبراير 2013
حلو-الله يوفقك وتبدع اكثر واكثر
انشر قصيدة شفت الغزيل
15 فبراير 2013
ليس في العالم وِسَادَةٌ أنعم من حضن الأم … نص جميل ورائع سلمت يداك رفيق احمد
15 فبراير 2013
الله يا أحمد ، منذ فترة ما قرأت نصًّا بهذه البساطة والانسيابية في التصوير مع الكم المبهر من الجمال والحب ومن هوان وبعد وحنين. الله.