جدار خلفي بإسمنت مكشوف/ راجي بطحيش
|راجي بطحيش| أتأمل البنيان؛ ذلك الذي تركه أبي وغاب̷ […]
جدار خلفي بإسمنت مكشوف/ راجي بطحيش
|راجي بطحيش|
أتأمل البنيان؛
ذلك الذي تركه أبي وغاب… حجر مقدسي صلب من جهة؛ من الجهة الغربية كي يتسنى للمارين في شارع الدهر المبعثر رؤيته والبكاء إعجابًا. أما من الأطراف فلا تكمل الأحجار الجاثمة زحفها. تتوقف في لحظة ما، في نقطة ما عندما تبدأ شجرة الكلمنتينا بالاحتجاج على سوء الفهم.
في الطرف الثاني هنالك هيكل ينتظر منذ عام 1979 كي يتساقط على رأس أحدهما، لتنتهي الحكاية بفاجعة ما على الأقل. بشيء يمكن للتاريخ أن يسجله لحفظ ماء الوجه على الأقل.
لا شيء متكاملاً في الجدار الخلفي.. لا شيء.. حتى الإسمنت المكشوف منذ قرون لم يلائم ظروفه لجبروت الأحجار البيضاء-الخاكية-الخرائية الجاثمة عليه ومن حوله؛ حتى الإسمنت الذي يعتقد أنّ قضبان الحديد تأسره داخل قفص لا يعرف أنّ الحديد تفتت من صدأ دموع السنوات.
سنوات من غاب/غابت/غابوا. بمعنى آخر: غاااااااااااااااااااااااابوا.
جدار خلفي بإسمنت مكشوف- هذا هو الشكل شبه النهائي ولا شيء مُنتهٍ، لا شيء متقن داخل فتحة عيوننا إلى الآخر ولا حتى تلك الضحكة التي تجبي رسومها في النهاية.
•
أتأمل البنيان مرة أخرى.
ذلك الرجل الذي كان يرصّ الحجارة المقدسية أصيب بجلطة قاتلة ولم يمل طيفه الرصّ، ومنذ ذلك الحين لم يتكامل شيء إلى هذا الحدّ. لا شيء متقن، لا شيء مُنتهٍ، لا شيء متراصّ. لا يشبه الدّقة المصفوفة القاتلة في جادات “هاوسمان” الباريسية على سبيل المثال. تماما كما لا يتراصّ هذا السطر وينتهي إلى آخره إلى آخري… إلى آخر عيون مفتوحة عبثا ولا تعطي إجابات تامة.
•
أتأمل هذا البنيان.. لا شيء يكتمل.
هو موصوم -البنيان- بجدار خلفيّ بإسمنت مكشوف، كما لم يترجم أحد نصوصي إلى الفنلندية بعد، ولم أحصل على نوبل للأدب بعد، ولم يرشّحني أحدهم لبوكر العربية بعد، كما لا يكفي راتبي لنصف زجاجة نبيذ مُذهّبة لن أشربها أصلا، بعدُ.
ولا أفهم كيف يعشق ابني مجرمًا اسمه “يوفال هَمِبُولبال”*، ولا أعرف لماذا أجدني طيلة الوقت في طابور عالق مأزوم غير مكتمل النصاب.
يتساقط مسحوق الإسمنت على رأسي، وأنا أنحني لأطعم قطة وليدة تتغلغل الشذرات نحو أسف ظهري.
•
أنهض، أتأمل البنيان لمرة أخيرة لهذا الشهر. سأصنع المزيد من الأولاد وسأطبع كتبًا جديدة بحبكة مبتورة.. لا تنتهي.
(* نجم تلفزيوني في برامج الأطفال)