ثَرْوَةٌ وثَوْرَة..!/ أسعد موسى عَودة
عَجِبتُ لِمَن لا يَجِدُ قُوتَ يَوْمِه كيف لا يخرُج على […]
ثَرْوَةٌ وثَوْرَة..!/ أسعد موسى عَودة
عَجِبتُ لِمَن لا يَجِدُ قُوتَ يَوْمِه كيف لا يخرُج على النّاسِ شاهِرًا سَيْفَه!
(أبو ذَرٍّ الغِفَارِيّ، رضي الله عنه)
|أسعد موسى عَودة|
بين الكلمتيْن المكوِّنتيْن لعُنوان حلْقة اليوم، علاقة بلاغيّة بَديعيّة تندرج ضمن ما يُسمّى بالمُحسِّنات اللّفظيّة -في مقابل المُحسِّنات المعنويّة- في علم البَديع، حيث تُسمّى هذه العلاقة بالجِنَاس، أو الجِنَاس غير التّامّ منه تحديدًا؛ فالجِنَاس تامّ وغير تامّ، وهو، عمومًا، تشابه في اللّفظ واختلاف في المعنى؛ وهو في هذا المَقال، خصوصًا، تشابهُ الكلمتيْن باختلاف ترتيب الرّاء والواو في كلّ منها لفظًا، واختلافُهما معنًى. كان ذلك عن العلاقة بين الكلمتيْن في مشهدهما المَقالِيّ الحرفيّ الألفبائيّ اللّغويّ، اللّفظيّ منه والمعنويّ، غير أنّ بين الكلمتيْن علاقةً أخرى مَقامِيّة، يفرضها المشهد المِصْرِيّ الرّاهن على السّاحة السّياسيّة والوطنيّة والتّحرّريّة، في ميدان التّحرير الشّهير، وفي غيره من ميادين وادي النّيل وصعيده.
لم يعُد خافيًا على أحد اليوم، أنّ ثَوْرَة شباب مِصْر الشّرفاء، فجّرتها ثَرْوَة الأغنياء غيرِ الشّرفاء، الّذين احتكروا كلّ شيء، فبات كلّ سبعة مِصْرِيين، تقريبًا، عَبيدًا لدى الثّامن منهم. لم يعُد خافيًا على أحد اليوم، أنّ ما فجّر تلك الثَّوْرَة هو زواج المُتعة، الّذي بات طويل الأمد، بين عناصر السّلطة وعناصر المال غير الحلال، وما باتوا يُمارسونه من فُجور سياسيّ وقمع أمنيّ. فكَم صدَق الصَّحابِيّ الجليل أبو ذَرٍّ الغِفَارِيّ -رضي الله عنه وأرضاه- في هذا المَقام، حيث قال: “عَجِبتُ لِمَن لا يَجِدُ قُوتَ يَوْمِه كيف لا يخرُج على النّاسِ شاهِرًا سَيْفَه!”.
شيءٌ عن الرّئيس..!
يكثُر اللَّغَطُ والغَلَطُ في هذه الأيّام في مدى تورّط الرّئيس، أو تورّطه، أصلاً، وأفراد عائلته، في كلّ هذا الفساد الّذي عَمّ البرّ والبحر وطَمّ، وهو ما ستُبديه لنا الأيّام، عاجلُها وآجلُها، ويحكم به التّاريخ، بما كان لله وما كان لقيصر؛ حيث لا نمتلك نحن أدوات التّحقيق فيه ولا التّحقّق منه الآن، مردّدين المثل الشّعبيّ المِصْرِيّ: “يَخَبَرِ انَّهَرْضَ بِفْلُوسْ بُكْرَ يِبْءَ بَّلاَش..”. غير أنّه ينطبق على الرّئيس المِصْرِيّ في هذه الأيّام مثل مِصْريّ شعبيّ آخر، يقول: “التُّور لَمَّ بْيُؤَع بْتِكْتَرْ سَكَكِينُه..”. وقد لامنا من لامنا في الحلْقة السّابقة على ما أبديناه من حُسن ظنّ -لم يصل إلى حدّ السَّذاجة بعد- بالنّوايا الإصلاحيّة الجديدة، فردَدْنا: “إنّ ما جاء لهو تعبير عمّا أنا مُطمئنٌّ إليه فعلاً، بشيء من الفِراسة (فَرَسَ يَفْرِسُ فِراسَةً بالعين: ثَبّتَ النّظرَ وأدركَ الباطنَ مِن نَظَرِ الظّاهر) لا أدّعيه أبدًا، وبشيء من الوعي لما أراه وأسمع، وهو كثير، وبشيء من حُسن الظّنّ -إن شئتم- أنا ملزم به دينيًّا وأخلاقيًّا.
فقد كان لي أن أسيء الظّنّ بكلّ شيء، وهو ما يُترجم -غالبًا- بالوعي ومشتقّاته، ولكنّني اخترت طريقًا آخر، يظلّ -كغيره- اجتهادًا يحتمل الخطأ والصّواب، وعلى ذلك ستحكم الأيّام القريبة والبعيدة القادمة”.
وكلمة أخيرة إليك يا سيادة الرّئيس، فإن كنتَ فاسدًا أنت فإنّه بفسادك قد ﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ والبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون﴾ (قرآن كريم)؛ وإن كانت بِطانَتُك (بِطانةُ الرّجلِ أهلُه وخاصّتُه) هي الفاسدة، فأخشى أنّه “مَن فَسَدَت بِطانتُه كان كالغاصِّ بالماء” (أكثَمُ بنُ صَيْفِيّ)؛ أي أخشى أنّه لا حِيلة لك ولا دواء، اللّهمّ إلاّ إذا..
وفي الحلْقة القادمة..
سيكون لنا حديث في الحلْقة القادمة -إن شاء الله- عن العمّ.. وأولاد العمّ.. وعن پروتوكولات آيات قُمّ.. عن مشاريع تفتيت العالم العربيّ والإسلاميّ.. عن مشهدنا الإعلاميّ.. وعن أڤْرام نُوعَم حُومْسْكِي (تْشُومْسْكِي)، عالم اللّسانيّات -اليهوديّ الأمريكيّ- الأبرز في العصر الحديث، وحديثه كناشط سياسيّ اشتراكيّ تحرّريّ. وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن.
(الكبابير/ حيفا؛ الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم ومحرّر لغويّ)