كذبة شعرية
هل ترين
الاستعارة كذبة شعرية
لذا صدّقيني حين قلت:
أحبكِ كي لا أرتكب جريمة أخرى
(فمن غير حب
ومع قليل من الضجر
نصبح مجرمين).
كذبة شعرية
|أنس العيلة|
“الاستعارة خسارة
والمجاز عجز[1]“
كذبة شعرية
أشباح ديناصورات
تتساقط
من لمبة كهرباء شاحبة
في السقف.
(هذه ليست استعارة
إنه الضوء
الذي جاء من البترول
والبترول
الذي جاء من مستحثات كائنات منقرضة).
اليوم كانت الشمس خانقة.
(هذه ليست استعارة
إنه الأوكسجين
الذي يقلّ في الجوار
كلما ارتفعت درجة الحرارة).
ووجبة العشاء
أفسدت أخلاقي.
(هذه أيضا ليست استعارة
إنه ألم في المعدة
دفعني
لإقفال الهاتف في وجه أبي).
هل ترين
الاستعارة كذبة شعرية
لذا صدّقيني حين قلت:
أحبكِ كي لا أرتكب جريمة أخرى
(فمن غير حب
ومع قليل من الضجر
نصبح مجرمين).
مباراة
أنظر خلسةً
إلى شفتيكِ
وأنت تشاهدين التلفاز
فتعضّين بمهارة
على الشفة السفلى
كأنكِ تردّين ضربة جزاء!
أرغب بعناقكِ
كرغبة جموع الناس
بعناق لاعب يسجل هدفا
.في اللحظة الأخيرة
وأرغب أكثر:
أن نتبادل اللمسات
برشاقة لاعبَيْن
يتبادلان كرة بعيدة
دون نيّة واضحة
بتسجيل هدف سريع!
يدكِ على طرف الكنبة
وقميصكِ مفتوح..
لاعب عنيد
يتسلل إلى المرمى
فيصفّر الحكم!
(فرنسا/ فلسطين)
قراءة شخصية ■ “ضرب الاستعارة بالاستعارة”
ذكرتني هاتان القصيدتان للشاعر أنس العيلة بوظيفة مقيتة كانت طُلبت مني في الجامعة أثناء دراستي لأدب اللغة الإنجليزية: قراءة في تطبيق النظرية الشعرية الخاصة بالشاعر الإنجليزيSir Philip Sidney (1554-1586) التي تحدث عنها في قصيدة “The Defence of Poesy” في قصيدة “Astrophel and stela”. قام سيدني بتطبيق رؤيته الشعرية في القصيدة الأخيرة وكأنها معادلة رياضية! قلت مالي ومال شعراء البلاط المثاليين ونظرياتهم الشعرية كـ “سيدني”؟ أهُم وحدهم من يطابق شعرهم اليومي؛ عن الحياة والحب والألم والخ.. نظريتهم “غير الملموسة” و”المُفلسفة” عن الشعر؟
أنس العيلة يكتب، وربما دون مقصد، نظريته الشعرية في “كذبة شعرية”؛ إنه التمرّد على معنى الاستعارة اللغوية، وقد أراه تمردًا على معنى الاستعارة الشعرية، أيضًا. أتذكرون بورخيس حين قال إنّ جميع استعارات الشعراء هي محض اختلاق، وإنّ الاستعارات الحقيقية، المعدودة على الأصابع، خلقتها شعوب قديمة؟ ها هو أنس، موافقًا بورخيس، يسحق استعاراته هو، وببساطة وحداثة فادحتين؛ أي جالبًا نماذج “استعارات” من حياته ولغته اليومية مشكلةً حلقات حديدية في “جنزير” نظريته الشعرية ضاربة “الاستعارة”: اليوم كانت الشمس خانقة/ (هذه ليست استعارة/ إنه الأوكسجين/ الذي يقلّ في الجوار/ كلما ارتفعت درجة الحرارة). أتصوّر رقة هذه التعابير وحديديتها، معًا. أتصور كيف لم يجتهد أنس في التفكير في وضع “نظرية وجودية مركبة” لشعره، ولكنها وصلتنا، لا بل ولمسناها بدقة فظيعة في قصيدته “مباراة”. ها هو يصف تفاصيل حميمة تجمعه بحبيبته/عشيقته من خلال تشبيهها بلعبة قد تكون شرسة وذكورية لا بل وخبيثة أيضًا. ولكنه ينجح في جعل اللمسات أقرب ما تكون إلى “الكرة” من أي وقت أو سياق مضيا: “أن نتبادل اللمسات/ برشاقة لاعبَيْن/ يتبادلان كرة بعيدة.” أو في تشبيه رغبته بالعناق كرغبة جمهور غفير بعناق لاعب: “أرغب بعناقكِ/ كرغبة جموع الناس/ بعناق لاعب يسجل هدفا”. كيف تُعمَّم اللحظة هنا وتخرج من الخاص إلى العام كطلقة فجائية ولكنها تحافظ على حميميتها وهدوئها.
إذن هي ليست استعارة مألوفة، تلك التي ضربها أنس بجنزيره، وقد تكون استعارة خلقت أصلا لتكفر باستعارات الحب والعشق الاعتيادية.
(أسماء عزايزة)
[1] مقال في معنى الريح، باسم النبريص
18 أبريل 2011
أنس العيلة من أجمل وأعذب شعراء فلسطين، نريد المزيد من أشعاره