بعد رفضه عرض فيلمه في إسرائيل: المخرج نصر الله وضغوط اللوبي الصهيوني
سلاح المواجهة الثقافية الذي نشهره ضد إسرائيل، وهو الذي انبنى عليه موقف نصر الله، ينبغي أن نعرف كيف نوجهه ليصيب الهدف
بعد رفضه عرض فيلمه في إسرائيل: المخرج نصر الله وضغوط اللوبي الصهيوني
|طارق الشناوي|
بدأ اللوبي الإسرائيلي يطالب إدارة مهرجان كان السينمائي باتخاذ قرار فوري وعاجل ضد المخرج المصري يسري نصر الله، الذي أعلن في المؤتمر الصحفي الذي أعقب عرض فيلمه “بعد الموقعة” الذي يشارك ضمن المسابقة الرسمية، أنه لن يعرضه في إسرائيل.
ويأتي ذلك أسوة بما حدث في مثل هذه الأيام من الدورة الماضية للمخرج الدانماركي الشهير لارس فون تراير، الذي قال أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقد لفيلمه “الكآبة” على سبيل المزاح، إنه يتعاطف مع هتلر وما فعله باليهود، وإن إسرائيل دولة عنصرية. اعتذر تراير بعد ذلك، لكن هذا لم يشفع له، فأصدرت إدارة المهرجان قرارا قالت فيه إنه غير مرحب به في كانْ، وغادر المخرج ولم يعد.
والأمر يتكرر هذه المرة مع يسري نصر الله، لكن لا يمكن القياس عليه، فهو لم يتعاطف مع هتلر ولم يعلن كراهيته لليهود، ولكن فقط أعلن أنه لن يعرض فيلمه في إسرائيل.
من الواضح أنه كانت هناك مصيدة متعددة الأطراف لكي يقع فيها نصر الله، حيث إنه مع بداية المؤتمر الصحفي للفيلم وقبل أن يبدأ الحاضرون في توجيه أسئلة تتعلق بالرسالة التي حملها، حيث إنه تناول الثورة المصرية من خلال تلك الموقعة الشهيرة التي أطلق عليها الإعلام المصري والعربي “موقعة الجمل”، كان هناك أكثر من صحفي إسرائيلي داخل القاعة حرص أحدهم على توجيه سؤال مباشر إليه في بداية المؤتمر الصحفي لفيلمه هل توافق على عرض فيلمك في إسرائيل؟
سؤال كما يبدو خارج النص، جاء رد يسري مباشرة “لن أسمح بعرض فيلمي في إسرائيل”. وحدث تصفيق في القاعة وشارك أبطال الفيلم باسم سمرة ومنة شلبي وناهد السباعي وهم على المنصة في إعلان التأييد، ثم علت الحرارة في القاعة، ويتابع يسري “لماذا تصفقون أنا لي أصدقاء مخرجون في إسرائيل مثل عاموس جيتاي، ولكني لا يمكن أن أعرض فيلمي في إسرائيل طالما أنها تغتصب حقوق الشعب الفلسطيني”. وأضاف أن إسرائيل ليست سعيدة بثورات الربيع العربي التي حررت الشعوب العربية من غاصبيها.
وبعد هذه الإجابة غادر عدد من الصحفيين القاعة، وتستطيع ببساطة أن تكتشف أنهم من الإسرائيليين أو ممن يتعاطفون مع الموقف الإسرائيلي المعادي للحقوق العربية.
سلاح المواجهة الثقافية الذي نشهره ضد إسرائيل، وهو الذي انبنى عليه موقف نصر الله، ينبغي أن نعرف كيف نوجهه ليصيب الهدف. مثلا في دورة مهرجان كانْ الحالية لا يوجد فيلم إسرائيلي في المسابقة الرسمية الرئيسية ولكن هل ينسحب يسري لو كان هناك فيلم إسرائيلي منافس له؟ بالطبع لا.
قبل نحو ثلاث سنوات شاركت السينما المصرية في المسابقة الرسمية لمهرجان “فينسيا” بفيلم “المسافر”، الذي أنتجته وزارة الثقافة وكان لإسرائيل فيلم اسمه “لبنان” يتنافس على الأسد الذهبي، لم تنسحب مصر ولم يطلب أحد منها ذلك. صحيح أن الفيلم الإسرائيلي حصل وقتها على الجائزة الذهبية وخرجنا بلا أي جائزة ولا حتى تنويه، ولكن هذه قصة أخرى.
توافقت كل المهرجانات السينمائية العربية على ألا تستقبل أي فيلم إسرائيلي. تتابع مثلا على رئاسة مهرجان القاهرة بعد الراحل سعد الدين وهبة كل من حسين فهمي وعزت أبو عوف وصولاً إلى يوسف شريف رزق الله ولا يزال الأمر قائما، لن يسمح بعرض فيلم إسرائيلي على أرض مصر، وهو ما تجده مطبقا في مهرجانات قرطاج ودمشق ووهران ودبي والدوحة وأبو ظبي ومسقط وتطوان ومراكش وغيرها من المهرجانات العربية.
وكان للراحل سعد الدين وهبة رأي شائع يردده للصحافة الأجنبية، مؤكداً أنه على استعداد من الغد أن يعرض فيلماً إسرائيلياً في مهرجان القاهرة على شرط أن تعيد إسرائيل حقوق الشعب الفلسطيني والجولان، فهو يعلم بالطبع أن إسرائيل لن تعيش إلا باغتصاب الأرض.
هل حدثت اختراقات؟.. نعم هناك عدد من المحاولات لإحداث ثغرة في القرار الذي تلتزم به كل المهرجانات العربية، بل إن إسرائيل لديها عدد من الوقائع وهي تسعى لإحداث ثغرة في مهرجان القاهرة أشهرها الفيلم الإسرائيلي الذي يحمل اسم “زيارة الفرقة”. والفيلم عرض في قسم نظرة ما بمهرجان كانْ قبل خمس سنوات.
ويحمل الفيلم تعاطفا للمصريين من خلال فرقة موسيقية مصرية تابعة للشرطة تضل طريقها في إسرائيل وتضيع في المطار، وتذهب خطأ إلى قرية إسرائيلية يحتفي بها أهلها مؤكدين حبهم لكل ما هو مصري. والفيلم يتخلله الكثير من الأغاني المصرية وينتهي بموسيقى إسرائيلية ومصرية والعلمان المصري والإسرائيلي يتعانقان!
والغريب في الأمر أنه كانت هناك محاولة موازية في نفس العام 2007 لعرض هذا الفيلم في مهرجان أبو ظبي في أول دورة عقدها المهرجان بحجة أنه يقدم الشخصية المصرية برؤية إيجابية، ورغم ذلك كان القرار هو الرفض في المهرجان، إلا أن الفيلم تسلل إلى مصر في عرض محدود شارك فيه عدد من المثقفين، ولم يعلن سوى اسم واحد فقط وهو علي سالم، الذي زار إسرائيل أكثر من مرة وحرص على إعلان ذلك.
سبق أن قاطع السينمائيون المصريون قبل نحو عامين مهرجان “الصورة” الذي يقيمه المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، لأن المخرج والناقد الشاب أحمد عاطف اكتشف، وهو عضو في لجنة التحكيم، أن فيلماً إسرائيليا يشارك في المهرجان، ورغم أن المركز الثقافي الفرنسي يعبر سياسياً عن فرنسا التي لا تمتنع عن أن تستقبل أو تشارك في إنتاج فيلم إسرائيلي، فإن المصريين لم يتراجعوا عن الموقف وشاركوا في وقفة احتجاجية قادها المخرج الكبير توفيق صالح.
هل تملك إسرائيل، أقصد اللوبي الصهيوني، معاقبة فنان، لو أنه أعلن عن موقفه.. أتصور أنه رغم قوة إسرائيل وتغلغلها السياسي فإن نصر الله كان حريصا على التأكيد أن هذا الموقف مرتبط به شخصيا وردٌ على السياسة الإسرائيلية ولا يحمل بغضاء ضد اليهود كديانة ولا ضد كل الإسرائيليين..
تبقى الثقافة هي السلاح الوحيد الذي لا يزال في أيدينا، وينبغي أن يظل مشهرا نرفعه في اللحظة المناسبة، وأعتقد أن يسري كان مدركا لكل هذه التفاصيل، وهو يقول “لن أعرض فيلمي في إسرائيل”.
تحاول إسرائيل أن تكسب أرضا ليست لها، ويعتقد اللوبي المناصر لها أنه يستطيع إرهاب السينمائي العربي الذي يرفض عرض فيلمه في إسرائيل، ولكننا نحن العرب لا نملك في أيدينا سوى أن نشهر هذا السلاح.
(كاتب وناقد سينمائي مصري؛ عن “الجزيرة نت”)