ثلاثية وونغ كار واي: أيام الجموح (1/3) / وائل قبيسي
فاز الفيلم بعدة جوائز عالمية من بينها جوائز أفضل فيلم وأفضل إخراج في مهرجانَي هونغ كونغ والحصان الذهبي السينمائيَين كما احتل المركزين الثالث والرابع في تصنيف المهرجانين لأفضل مئة فيلم صيني.
| بيروت – وائل قبيسي |
تشكل ثلاثية وونغ كار واي تحفة فنية سينمائية ساحرة، تبدأ الثلاثية بفيلم “أيام الجموح” (يليه فيلما “في مزاج للحبّ” و”2048″) والذي تتركز أحداثه بين هونغ كونغ والفيليبين عام 1960. الفيلم غني بشخصيات غارقة في الوجودية المدمّرة والتصوير السينمائي المتقن والإيقاع البطيء والمرهق لعين المشاهد أحياناً والجوّ الخانق لعمل فني بامتياز.
تتنقل أحداث الفيلم بين يورك، زير النساء الذي يفتن الفتيات ثم يفطر قلوبهنَ والذي يبحث عن والدته البيولوجية، ولي زين ضحيته الأولى التي تعاني اكتئاباً
ذهنياً وعاطفياً نتيجة لعلاقتها به فتجد العزاء لدى تايد الشرطي المتعاطف، وضحيته الثانية راقصة الكاباريه الجامحة ميمي التي يغرم بها زيب، صديق يورك المفضل سراً والتي تدخل مرحلة تدمير ذاتي بسبب شغفها في يورك الذي يقابلها بعدم قدرته على الالتزام بعلاقة عاطفية ولا مبالاة مستمدة من مشاعر متضاربة بسبب والدته بالتبني المومس السابقة، ووالدته البيولوجية الأرستوقراطية الفيليبينية التي تتخلى عنه وترفض مقابلته.
تتوالى أحداث الفيلم الذي لا يعتمد على الحبكة الروائية، بل على المقدرة الفردية للممثلين لسرد القصة من خلال حياتهم اليومية العادية ليصور ردّ فعل الشخصيات حيال النبذ العاطفي بغموض مواضيعي وجمالية سينمائية.
يصور الفيلم دائرة جنون من المشاعر الإنسانية حيث تنقل الشخصيات من مشاعر الحسرة إلى الشكّ الذاتي وحتى بداية الوهم في ظلّ جوّ محبط بقدر ما هو حقيقي، وهذه قاعدة أساسية في الأفلام الفنية.
يبتعد الفيلم كما هو الحال في معظم أفلام المخرج عن السرد ليركّز على التفاصيل: الجوّ العام والمشاعر العابرة ونفاسة الذاكرة وعلى تفاصيل صغيرة مدهشة، كالطريقة التي تترك بها لي زين شعرها ينسدل أمام وجهها، أو الدقّة المتناهية التي يمشّط بها يورك شعره، أو الطريقة التي يخفي بها تايد وجهه بقبعة الشرطي وذلك عبر التصوير السينمائي الفنيّ الملموس الذي يصيغه المخرج مع المصور السينمائي كريستوفر دويل والذي يخلق انقساماً أو حميمية من خلال تباعد دقيق.
يشكل الصمت والشوارع الفارغة سمة أساسية في الفيلم حيث يسود صمت غريب في خلفية مشاهد الفيلم، تخرقه أحياناً تكتكة ساعة حائط أو تساقط قطرات مطر أو صوت مدّ وجميعها أصوات تشكل علامات على مضي الوقت والفرص الضائعة كما يشكل الفيلم ما يشبه مقدمة للفيلمين اللاحقين حيث يقدم الموضوع والشخصيات التي ستتطور في الفيلمين اللاحقين.
يشكّل الممثلون المادة الرئيسية للفيلم الذي يرتكز على شخصياتهم وأدائهم حيث أبدعت الممثلة كارينا لو في دور الراقصة الجامحة والفتاة العاطفية والهشّة في آن والتي يبدو من خلال مظهرها وحركات جسدها أنها تعرضت لخيبات كثيرة في حياتها العاطفية. أما الممثلة ماغي شونغ الفائزة بجوائز أفضل ممثلة في مهرجانات برلين وكان وشيكاغو وهونغ كونغ فقد تميزت بأداء شخصية الفتاة البسيطة والمنهكة والوحيدة التي تتغير رتابة حياتها بسبب شاب وسيم يوليها اهتماماً مفاجئاً ثم ينبذها فتحمل يأسها وألم الإقصاء الذي لا مفر منه على كاهلها في معظم أحداث الفيلم. ويبدو الممثل ليسلي شونغ مناسباً لدور شخصية يورك المأساوية في أنانيتها وضياعها، وكان ليسلي شونغ أحد أيقونات الموسيقى والتمثيل ليس في الصين وحدها بل في معظم أنحاء القارة الآسيوية، وكما كانت نهاية الشخصية التي يجسّدها شونغ في الفيلم مأساوية، كذلك أنهى الرجل حياته بطريقة مأساوية عام 2003 عبر القفز من الطابق الرابع والعشرين لأحد الفنادق بعد معاناة مع الاكتئاب، ليشكّل رحيله صدمة للملايين في القارة الآسيوية بعد حياة حافلة فاز فيها بأهم الجوائز العالمية في الغناء والتمثيل (لي مقال سابق في الموقع عن فيلمه “وداعاً يا خليلتي” وهو واحد من أفضل أفلامه وأشهر الأفلام الصينية).
الفيلم من إخراج الصيني وونغ كار واي المعروف بأعماله الرنانة عاطفياً والفريدة بصرياً والمنمقة أسلوباً وهو أول مخرج صيني يفوز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان كان عام 1997 عن فيلم “سعيدان معاً” كما كان أول صيني يترأس لجنة التحكيم في المهرجان عام 2006.
فاز الفيلم بعدة جوائز عالمية من بينها جوائز أفضل فيلم وأفضل إخراج في مهرجانَي هونغ كونغ والحصان الذهبي السينمائيَين كما احتل المركزين الثالث والرابع في تصنيف المهرجانين لأفضل مئة فيلم صيني.
الفيلم: سنوات الجموح
إنتج: هونغ كونغ
إخراج: ووتغ كار واي
كتابة: ووتغ كار واي
تمثيل: ليسلي شونغ – ماغي شونغ – كارينا لو
المدة: 94 دقيقة