داعش في عكا /وديع عواودة
من يسكت على لغة التهديد واللجوء لقوة الذراع في كل الأحوال دون استثناء، سيسدّد يوما ثمن صمته وحريّ بالفعاليات الدينية والسياسية والثقافية الفلسطينية أن تطفئ هذه النار قبل استشرائها
>
|وديع عواودة|
“وطن على وتر” عمل فني يصّوب من على خشبة المسرح -كما قبل ذلك على الشاشة- سهام نقد هزلية نحو سلوكيات اجتماعية بشعة بعضها ضد شيوخ متأسلمين، من دون الوقوع في خطيئة التعميم، وبالطبع لا تطال الإسلام كعقيدة. لكن بعض المتطرفين الإسلامويين في أراضي 48 يصرون على التصرف بما يناقض العقيدة الإسلامية السمحاء، فيرغون ويزبدون شتما وتهديدا وباسمها. لم يكتف هؤلاء النفر القليل بالتحريض على المسرحية بل جيشّوا بعض البسطاء وتوجّهوا لمكان عرضها في مدينة عكا وانهالوا سبّا على كل من له صلة بها وعلى الراغبين بمشاهدتها ونجحوا بمنعها. كما في أمكنة وأزمنة أخرى يشن المتشّددون من توائم “داعش” الفلسطينية حملات التهديد والوعيد للنيل من كل من يخالفهم الرأي والاجتهاد، وكل ذلك باسم الإسلام وكأنهم رسل منزلون من عند رب العالمين. الإسلام يا سادة لم يدع يوما لضرب وشتم من يوجه نقدا مشروعا أو يقوّم موقفا بلسانه أو قلمه، فما بالك حينما ينم ذلك عن عمل فنّي إبداعيّ وغيرة على مجتمع يكثر فيه التهريج والتدجيل والمتاجرة بكل شيء وتهدّده مظاهر التخلف والفساد والردة الوطنية والإنسانية، وتحاصره مؤسسة إسرائيلية ظالمة.
قبل 15 قرنا دعا الخليفة الراشدي أبو بكر جيش المسلمين للرفق بالشجر والحجر أيضًا حينما خاطب أسامة بن زيد وهو يستعد للخروج بغزوة دفاعا عن المدينة من اعتداء. وقتها قال ممّا قاله في وصيته: “ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ولا تعزقوا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة… لا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا للأكل. وإذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، الخ…
هذا هو الإسلام الحقيقي لا إسلاما يستبدل الحوار والموعظة الحسنة بالتهديد والعدوانية تجاه الأهل والجيران وأبناء البلد الواحد، فكيف ونحن نواجه مخططات ليل نهار لانتزاعنا من حضن شعبنا وأمتنا لمنع تبلورنا أقلية قومية وتكريسنا فتاتا وطوائفَ وشللا متناحرة؟
إسلامكم المعتمد على الإكراه يعود للخلف، لا لفترة الخلفاء الراشدين بل يأخذنا للعصور الوسطى الأوروبية، إلى “عصر الظلمات”، يوم سادت محاكم التفتيش لتكفّر كل من يجرؤ على الابتكار والإبداع والتغريد خارج ما تشتهيه الكنيسة الكاثوليكية عندما سعت لمصادرة الناس عقولهم.
تجلّت الروح الجاهلية في هؤلاء المتشددين لابسي قشور الحضارة الإسلامية أيضا في مدينة سخنين الفلسطينية بشنهم حملة تهويش على عرض فيلم “المخلص” بدعوى أنه أيضا يسيء للعقيدة الإسلامية. في الحالتين،عكا وسخنين، اختلفت وجوه المتعصبين لكنها روح التعصب تجمعهم وهي تحرق الأخضر واليابس. ومن شأن الانفلات الترهيبي الانفعالي المفرط أن يصبّ على طاحونة كل المتربصين بالمجتمع الفلسطيني كافته والنيل من وحدته وإشغاله بمواجهات وهميّة تصرف أنظارنا عمّن سلب الوطن ويشوّه المواطنة. وتبقى خطورة هؤلاء المتعصبين محصورة بهم عندما يخرج العقلاء والشيوخ الأفاضل من المسلمين عن الصمت ويبادرون للتوعية من نار التطرف ومهاوي الفتن على أنواعها. هذا واجب كل من يرى نفسه مسؤولا لأنّ قضية الكبت والفرض والإكراه فوق كل الحسابات الفئوية والشخصية وهي نار تبدأ في عكا ولن تنتهي قبل أن تطال أم الفحم والناصرة وحيفا ورام الله. من يسكت على لغة التهديد واللجوء لقوة الذراع في كل الأحوال دون استثناء سيسدد يوما ثمن صمته وحريّ بالفعاليات الدينية والسياسية والثقافية الفلسطينية أن تطفئ هذه النار قبل استشرائها. حتى لو ازدان هؤلاء المتعصبين بلحى بيضاء وحمراء وأثواب الخلفاء، فهم علينا وليس لنا، وإن كانوا لا يدرون.
علاوة على حيوية احترام حقوق وحريات الآخرين وفق شرائع الأرض والسماء ما أحوجنا اليوم لما يلمّ شملنا كفلسطينيين ويوّحدنا بدلا من مواجهات مفتوحة بين سنيّ وشيعيّ وفلاح وبدويّ ونصرانيّ ومسلم، وهي مواجهات تنمو على ضفافها الآسنة داعش… في عكا وشقيقاتها. موازين العقيدة الحقة والأخلاق والمبادئ المتنورة وموازين الربح والخسارة أيضا تقتضي ألا نترك أمثال داعش يهدمون بساعة ما يبنى في عقود.
19 أبريل 2014
احسنت ياصديقي انا بانتظار زيارة في بيت لحم،حدد يوم واعلمني