ميتوس الجمال- أقوى من أيّ وقت مضى!/ تمارا ناصر
لماذا نعتبر “ميتوس الجمال” في غاية الخطورة؟ لانه من الصعب مدّ أصبع الاتهام وتحميل جسم واحد محدّد وواضح مسؤولية الفظائع التي يرتكبها
>
|تمارا ناصر|
بعد 24 سنة على صدور كتابها “ميتوس الجمال” (خرافة الجمال): عن كيفية استخدام صور الجمال ضد النساء” وحتى اليوم، لم يتغير شيء، بل ازداد “الميتوس” شراسة وعنفا لدرجة انه أصبح عابرًا للثقافات والحضارات، ولم يعد يقتصر على المجتمع الامريكي او الغربي.
تدّعي نايومي وولف في كتابها “ميتوس الجمال” الذي صدر عام 1991 (والذي تنبأ، بتحذير شديد النبرة، سوء الاحوال التي وصلت اليها النساء اليوم)، بأنه ورغم نجاح الثورات النسوية في الولايات المتحدة في سنوات السبعين من القرن الماضي، حيث استطاعت النساء واخيرا الخروج الى الحيز العام حتى تتمكن بذلك تحقيق نجاحا اقتصاديا والشعور ببعض الحرية الشخصية، الا ان كل هذا لم يحرر النساء من الشعور بالدونية وبأنه رغم كل النجاحات التي قد تحققها المرأة الا انها لن تكون ابدا “جيدة بما فيه الكفاية”.
يعود ذلك الشعور الدنيء بالدونية -تقول وولف- إلى الثورة المضادّة التي شنتها المنظومة الذكورية- الأبوية- الرأسمالية على النجاحات التي حققتها الحركة النسوية حيث رأت هذه المنظومة ان الحل لتكبيل وضبط النساء سيتم من خلال عوامل سيكولوجية، فباشرت في تفعيلها حتى اصبح “ميتوس الجمال” يحلّ مكان ويستبدل مصطلح “ربة المنزل” بمفهوم الضبط الاجتماعي. فنرى اليوم نساء منهمكات ومنشغلات بمظاهرهن الخارجية، الشيء الذي اصبح يمنح النساء قيمة واهمية وبطاقة هوية، ولو زائفة.
ميتوس الجمال، سلاح يقبض على ارواح واجساد النساء، بحيث يعيد انتاج وجندرة مفاهيم الانوثة بعد أن خلخلتها الحركة النسوية عندما فرّغت مفهوم “التفوق الانثوي” من الواجبات المنزلية وجميع الاعمال التي تتبع للحيز الشخصي والمنزل، فلم يعد باستطاعة المجتمع قياس انوثة المرأة وتفوقها الانثوي من خلال الاداء المنزلي، حتى جاءت الثورة المضادة بأداة التعريف الجديدة والمطلقة، ألا وهي الجمال، لتمييز المرأة الحقيقية عن غيرها.
نستهلك صور “الجمال” يوميا؛ تستيقظ معظم النساء وتتمنى لو كانت داخل جسد آخر او تطمح جاهدة للوصول الى صورة المرأة المثالية، لكن لن تصلها، لأنّ ميتوس الجمال ضيق الأفق، لا يسمح بالتعدّدية، لا يسمح بالاختلاف، بل يحاربه. تكمن نجاح وثروات صناعات مثل الكوسمتيك والريجيم والجراحات التجميلية والصناعة البورنوجرافية وتعتمد على مخاوف وقلق النساء، وليس بفضل “الوعي” لاحتياجاتهن الجمالية. مخاوف وقلق النساء ستظل حاضرة حتى لو قامت المرأة بألف عملية تجميلية؛ فعملية الانف غير كافية، وبوتوكس الشفاه لا يفي بالغرض، ثم أنّ عملية شفط الدهون لم تنجح بالكامل، يجب أن تعودي مجددا. أنت بشعة، انتزعي وجهك واستبدليه بآخر. أو تعرفين؟.. “أختاه موتي”.
لماذا نعتبر “ميتوس الجمال” في غاية الخطورة؟ لانه من الصعب مدّ أصبع الاتهام وتحميل جسم واحد محدّد وواضح مسؤولية الفظائع التي يرتكبها، كما يستطيع الفلسطيني مثلا تذنيب الاحتلال والاستعمار والحكومة وتحميلها مسؤولية المكائد التي تحبك ضدّه يوميا. خطير لأنه يضرب بحدوده اللا مرئية جميع الأماكن- غرفة النوم، مائدة الطعام، العمل، الشارع، مقاعد الدراسة، أمام شاشات السينما، في الحانات والدكاكين، داخل الحلقات الاجتماعيّة والغرف العلاجيّة. فهو من جهة لا شكل ولا حجم له، ومن جهة أخرى نراه منفلتا وغير قابل للكبح. لذلك من الصعب محاربة آلية مراقبة وضبط غير مرئيّة، آلية ضبط ومراقبة ذكورية بلا شكل او ملامح.
من الصعب الجزم في ما اذا كان ميتوس الجمال استبدل مصطلح “ربة المنزل” بمفهوم الضبط الاجتماعي في مجتمعنا العربيّ عامة، والفلسطيني خاصة، ولا اعرف اصلا اذا كانت هذه المقاربة جائزة، فمعظم النساء العربيات لم يخرجنَ إلى الحيز العام. ربما أُضيف الى الضبط الاجتماعي بعدًا آخر سيكولوجيًّا، ولكن ما هو مؤكّد أنّ ميتوس الجمال عندنا استشرى واستشرس. لن اقول إنّ الانوثة عندنا لم تعد تقاس بعدد المهمّات المنزلية التي تقوم بها المرأة يوميا، ولكنني سأضيف أنّ شمس مقياس الجمال آخذة بالسطوع: اعتناء وانشغال المرأة في مظهرها الخارجي يحدّدان مدى انوثتها.
لا يعقل اننا اليوم عندما نجلس بين افراد العائلة ومع الاصدقاء امام البرامج التلفزيونية وغيرها ان يكون الجدل بخصوص امرأة ما دائرًا حول ما اذا كانت “سكسي” أو نغشة أو جميلة. ما لا يعقل اكثر هو كمية “الفنانات” العربيات التي أصبحت الواحدة تلو الاخرى تشبه جراحة تجميلية معلقة بمسمار على حائط الوعي الجمعيّ. لا يعقل أنّ نادلات في مطاعم المدن والقرى العربية تُطرد بشرعية تامة لأنها لا تضع ما يكفي من المساحيق؛ لا يعقل الى أين آلت بنا الأحوال.
تدّعي نايومي وولف أنّ لا ملامح لوكلاء ميتوس الجمال، ولكن هناك دائما ذلك الوكيل/ة الذي يقطع حديثك الدائر حول إحدى الصديقات او احدى النساء بسؤال يمحو كل ما كنت تسردينه عنها، يختزل كل صفة نسبتيها اليها، بقوله/ا: “بس هي حلوة؟”
27 أكتوبر 2014
التحرر من ميتوس الجمال سيحرر الرجال والنساء على حد سواء