كناسو الوقت/ أورسولا ويلز جونز

يوليو 27, 2012 مواضيع ساخنة, نثر | 2 comments

"ذاكرة"، سلفادور دالي

>

|أورسولا ويلز جونز|

|ترجمة : ياسر عبد الله|

 >

(النص الأصلي  ؛ الترجمة العربية بإتفاق مسبق مع المؤلفة أورسولا ويلز جونز)

>

أورسولا ويلز جونز

ربما لم تسمع بكناسي الوقت من قبل، كناسو الوقت هم أولئك الذين يكنسون الوقت الضائع المهدر، لكن لا يمكنك رؤيتهم، على الرغم من أنك لو كنت جالسًا في محطة القطار وحسبت أنك لمحت بطرف عينك طيفًا ما، سيكون على أغلب الظن كناسَ وقت، ينظف حول المقعد الجالس أنت فوقه، لو اطلعت عليه لوجدته، صغيرًا مزرقًا، الجد سيمة محياه، يقبض على مقشة وجاروف، الرجال منهم يرتدون المعاطف، والنساء يرتدين تنورات عتيقة الطراز، ويضعن على رؤوسهن أوشحة.

كناسو الوقت موجودون في أي مكان يهدر الوقت فيه أو يضيع، هم دومًا في محطات القطار، وهناك واحد على الأقل لدى كل جراح، الرجل الذي انتظر طويلًا ليعلم صديقته أن الشيب غزا مفرق غرتها، يتبعه على الأرجح كناس وقته الخاص، والمرأة التي طاقت على كره خمسة وثلاثين عامًا بين وكالات العقارات، حالمة بافتتاح محل زهور، تجعل كناسو وقت جيرتها يتنهدون، ويجهزون سلة قمامة أكبر لجمع هدرها.

لا عليك أن تأسى لكناسي الوقت، على الرغم أن عملهم يعد منحطًا، فهم لا يمرضون أبدًا، لا تهتم بوضعهم في تلك الحرفة غير اللائقة، فلهم ظروف عمل ممتازة، بالرغم من أننا لا نعلم ما يفعلونه للتمتع بوقتهم، فهم ينعمون بعطلات عمل رسمية، ذلك يفسر وجود وقت أطول من المعتاد، في تلك الأيام، ففي عيد الميلاد ورأس السنة، يحصل كناسو الوقت على إجازة لمدة أسبوع كامل، وحين يعودون لعملهم في يناير، تواجههم أكوام شتى من الوقت الذي تمت إضاعته، مهدر  ومُلقى بفعل الإجازات، تستغرق تلك الأكوام منهم حوالي الأسابيع الثلاثة ليستأنفوا بعدها إيقاع عملهم المعتاد، لهذا السبب يبدو يناير دومًا كأنه يدوم لمدة أطول من بقية الشهور.

كان كناسو الوقت موجودين منذ الأزل، على الرغم من أن الحياة الحديثة خلقت وقتًا مهدرًا بكميات هائلة بحيث أُرغم كناسو الوقت، في بعض الأماكن، على ميكنة عملهم، بشراء عدد من الحاويات مجهزة للكبس شبيهة بتلك التي يستخدمها جامعو القمامة العادية، وهم يستخدمونها للأكوام الضّخمة، في السّجون وفي مُولات التسوّق، دربا الحياة التي يهدد هدر الوقت فيهما بإغراق أكثر العمال تفانيًا وجدًا.

لو سألت كناس وقت لأخبرك بشيء مدهش: الوقت الذي يتم الاستمتاع به لا يعتبر أبدًا وقتًا مهدرًا. فعند تنظيف مكتب مليء بالرتابة المربكة، سيفوّت كناسو الوقت مكتب المرأة التي تقرأ دليل العطلات تحت المكتب، وهي تمعن في صور الشواطئ الاستوائية. وسيفوت كناسو الوقت المكتب التالي، حيث يجلس رجل يفكر باستمتاع كيف ستبدو حماته وهي عارية، لكنهم سيتوقفون عند مكتب الشاب الذي يعد كل دقيقة، لاعنًا الساعات.

قد تتساءل ما الذي يحدث للوقت المهدر بعد أن يتم تنظيفه، لا تخشَ شيئًا؛ فكناسو الوقت معيدو تدوير محنكون، الوقت المهدر يتم تجميعه، يُعبّأ في حاويات كبيرة، ويُنقل إلى موانئ ليفربول، يحمل على سفينة، ويؤخذ إلى الهند، هناك، في بناية صناعية مغبرة بمكان ما بالقرب من بومباي، يُنظف، يُصنف، ويُقيَم. الوقت الأكثر سمية وزُعافًا –بواقي محادثات السلام الفاشلة، فترات سجن المظلومين، والزيجات المسممة جدًا- يتم خضّه ويدفن في وعاء تحت قاعدة حربية مهجورة. يظلّ هناك لمدة قرنين أو ثلاثة حتى يتحلل، وينتهى أذاه للأبد.

باقي الوقت –الناتج عن أحداث مثل الزيجات الكئيبة، المواعيد الفائتة، الباصات المتأخرة والليالي السيئة في المسرح- ينظف ويعبّأ مرة أخرى على سفينة، حيث يؤخذ إلى منطقة قوانغتشو الصناعية لإدارة الصادرات. هناك يتم كبسه وتخزينه، في انتظار إعادة التوزيع. حوالي عشرين بالمائة يذهب مباشرة إلى مصانع منطقة إدارة الصّادرات نفسها، ويوجد بها أعلى معدل للإنتاج في العالم. وربعه يباع بالعملة الصعبة إلى الحكومة الصينية. وعشرة بالمائة من البضاعة الأكثر تركيزًا يتم بيعها إلى معامل دراسة فيزيقا درجات الحرارة شديدة الانخفاض في كاليفورنيا. وعشرين بالمائة أخرى أو ما يقاربها يتم بيعها دون جلبة إلى تنويعة من زبائن أغنياء شتّى، هم في الأغلب أغنياء شيوخ من الذين تزوّجوا شابات جميلات.

على أيّ حال، فكناسو الوقت لا يمارسون هذا العمل بغرض الربح، والمال الناتج عن هذا الصفقات يتم توجيهه لمستلزمات عملهم، كالمقشّات وأكياس القمامة والمعاطف ومصاريف الشحن. والباقي يتم توزيعه في الأعمال الخيرية، وليس على طالب الوقت الإضافي ملء أيّ استمارات، أو سؤال أيّ ضمانات. إنهم جميعًا غير عارفين بحصولهم على مساعدة. أحد هؤلاء المنتفعين عالم سمين متقاعد في معمل عام مكركب خارج نوفوسيبرسك، ذلك الرجل سيكتشف دواء الملاريا؛ زبونة أخرى تعمل عاهرة في ماخور بنيروبي، ولدت سبعة عشر طفلًا، وعلى الرغم من عملها لمدة عشرين عامًا بالدعارة لم تمرض أبدًا؛ والثالث سائق تاكسي هندي في شقة مزدحمة بتورنتو، الذي، ما بين إرسال المال إلى بلده لزوجة مريضة وأطفال كثيرين، يكتب رواية ستعرف بعد ذلك كأعظم روايات القرن.

ليس كلّ من يحصل على عطايا كناسي الوقت من البشر، فعلى بعد ما يقرب أربعين ميلاً خارج تمبكتو، هناك مسجد من العصور الوسطى، مدفون في الرمل يتلقى مددًا كل عقد أو ما يقاربه، وفي مكان تحت سطح البحر الإيجيّ، هناك بهو طرواديّ يحفظ بمعجزة في الوحل، وعلى نحو مشابه يعطي كناسو الوقت قليلًا من الوقت الإضافيّ كهدية لمعبد في المكسيك، ويحفظون غنيمة كنز من العصور المظلمة في شواطئ خليج غالواي.

كمية معينة من وقت الإحسان يتم حفظها لحالات الطوارئ، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، يتم إلقائها بالمظلات في وقت اليأس، قامت عطايا الإحسان تلك بتحريك معاهدات سلام، وتغيير معارك، وسمحت لأباء عديدين باللحاق بغرفة الولادة في الموعد المناسب.

كناسو الوقت، بطبيعتهم الخاصة، مهندمون مرتبون، لذا يأملون أن يفكر البشر مليًا قبل إلقاء هذه السلعة القيمة، على الرغم من أنهم لا يتوقعون حدوث هذا في المستقبل القريب.

ليست هناك حكمة وراء هذه القصّة، فقط لو كنت تخطط لإهدار وقتك، عليك أن تتذكر أن أحدًا من بعدك عليه  التقاطه.