إيّام الزبيب/ تغريد عطا الله
يا نبض الضّفة لا تهدأ أعلنها ثورة.. ويعلنها ثورة.. والمنوال ذاته يُعيد نفسه. تتبدّل أساليب رواية الحكاية، تتمدّد أسلاك التكنولوجيا في شوارع الحارات والبيوت ونقاط المقاطعات ومراكز التفتيش والمعابر والمستشفيات وواجهات المحالّ التجاريّة الصغيرة، وتنقل كلّ صغيرة وكبيرة الأحداث قبل أن تحدث
>
|تغريد عطا الله|
غزة
تُحلّق الطائرات الحربية في سماء مدينتك، تقصف مبانيَ قريبة منك، تهزّ أركان بيتك، وأنت تواصل تناول سحورك، تتلذّذ بساندويشة الجبنة المحمّصة على التوستر القديم، وقراءة كتابك.. تستمرّ في منوالك. يحدث كلّ هذا بينما تقلب أصابعك بسرعة صفحات الانترنت بحثًا عن موقع الانفجار، والفيسبوك عامر بالبوستات الجاهزة المعادة والمعدّة مسبقًا. صوت دقّات طبول المسحّراتي لا تشبه ضربات القصف كثيرًا، لكنّها تفعل. مع ذلك تتابع منوالك.
وقد يأتي في بالك وجه يطمئن قلبك كلمّا جال في خاطرك مثلما فعل جدّي. والواقع لا يحتمل الذكريات، لكنّه قد يبدو طريفًا لو قلت إنّي كثيرًا ما أحتاج لوجهه ليمنحني كبشة كبيرة من الزبيب مثلما كان يفعل في السادسة من عمري… يملأ كفيَّ الصغيرتيْن بها، فتزهو الدنيا وتبرق الحياة في قلبي كجوهرة نادرة لا قبل لها ولا بعد؛ كنجمة في السّماء، قمر بين الكواكب، وتعبيرات شعرية كثيرة تكاد تقترب من تلك اللحظة الوجدانية.
لحظة- هل ندخل في تراجيديا مُملّة؟ أم أنّ التراجيديا بذاتها تفرض نفسها في المكان والزمان، ليس الآن تحديدًا، ربما سابقًا وسابقًا جدًا، لكنّها الليلة تجدّد الوصل مثلما فعلت منذ مطلع شهر رمضان… مطلع العام، مطلع الحصار… وها أنت تكتب سطورك؛ الكلام ذاته يُعيد نفسه، لا جديد إن قلنا استشهد ذاك الشاب، حُرق هذا الطفل بطريقة همجيّة مثلما فعل المستوطنون الاسرائيليون بالطفل محمد أبو خضير في القدس، ولحظتها نتذكّر قصة استشهاد الطفل محمد الدرّة ونصلّي على نبيّنا المختار محمد صلى الله عليه وسلم مرّات عديدة، ونكثر الصلوات. في القدس، في غزة، في الضفة الغربيّة.. ونغني من جديد.
يا نبض الضّفة لا تهدأ أعلنها ثورة.. ويعلنها ثورة.. والمنوال ذاته يُعيد نفسه. تتبدّل أساليب رواية الحكاية، تتمدّد أسلاك التكنولوجيا في شوارع الحارات والبيوت ونقاط المقاطعات ومراكز التفتيش والمعابر والمستشفيات وواجهات المحالّ التجاريّة الصغيرة، وتنقل كلّ صغيرة وكبيرة الأحداث قبل أن تحدث.. وليس هناك أيّ مشكلة في أن يتداول العالم كلّ ما يحدث في الشارع الفلسطينيّ من أتفه التفاهات إلى أعظم الكوارث، خصوصًا أنّ الأحداث تشبه بعضها البعض، وإن اختلف حالها في الكمّ والكيف والتوقيت. أقلّ ما فيها أنّ شريحة عريضة من الصحافيّين العرب والأجانب يعتاشون على ملاحقة أخبار الشارع الفلسطينيّ أوّلا بأوّل. المشكلة أين؟ الواقع الذي لا يتبدّل إلا من سيئ إلى أسوأ، وكلّ يوم يعتاد الفلسطينيّ حياة تتطلب مستوى تأقلم مع تبدّل الظروف.. والنتيجة: استنزاف أكثر، لتهلّ مواسم برامج طوارئ الصحة النفسية بدعم أوروبيّ فريد، ويسترزق الأطباء وخريجو كليات الارشاد وعلم النفس.
واقع لا يحتمل سوى المزيد من الذكريات الجميلة، تهطل عليه كلمّا استدعاها للنزول على قلبه، تهدّئه وتُطمئِنه مثلما يفعل جدّي كلمّا عدت بذكرياتي معه. ولأنّ الواقع لا يحتمل الهروب أو التوقف أو البكاء على أطلال الذكريات، نكتب كي لا نفقد حلاوة الحياة ورغبتنا الطامحة للسلام.