لا تُصالحي…حتى إن لم يشطبوكِ/ سهاد ظاهر-ناشف
كوني أنت من تتّخذ القرار ولا تدعيهم/ن يلعبون بكِ ويتّخذون القرارات بحقّكِ، لأنك بهذا تُساهمين بتكريس دورهم/نّ كأسياد ودوركِ أنت كعبدة. لا تصالحي ولا تسامحي حتى وإن شطبوكِ- أشطبيهم/ن أنتِ
.
|سهاد ظاهر-ناشف|
عزيزتي المرأة الفلسطينية، عزيزتي الفتاة والناشئة الفلسطينية؛
إن كنت تنوين، وتتمنين وتحلمين بأن تكوني عضوة في الكنيست الإسرائيلي، ما “عندي حنين” إلِك… لكن عندي كلمتان، وعندي جملتان؛
أربع فرضيات وأربع وصايا تبدأ وتنتهي بـ: لا تُصالحي، لا تسامحي، حتى وإن لم يشطبوكِ. تعالي معي لنعود للتاريخ لبرهة، ونفكك بنية الاستعمار لبرهة أخرى، كي نفهم الحاضر أكثر.
إليك بعض السناريوهات الممكنة في حياتك الكنيسِتيّة:
لنفرض أنك امرأة عربية فلسطينية تتبوّئين رأس القائمة والحزب المُرشّح، في المكان الثاني مثلا، فهذه حقيقة صعبة على اسرائيل. اسرائيل تريدك لا بل وستحبك في المكان الذي قرّرت وقرّر الغرب أن تكوني فيه، في المربع والخانة اللذيْن يُسهِّلان عليها التعامل معك: عربية فلسطينية ضحية، ضعيفة، تابعة، خانعة خاضعة، يضعها رجال الحزب في مؤخرة القائمة. والتاريخ أثبت أنّ الرجال لم يُقصّروا في موضعتك في الخلفية وأنت كثيرًا ما قبلت هذه اللعبة وشاركتِ بها أيضًا. سيكون على إسرائيل أسهل بكثير أن تكوني تابعة لها في أحد أحزابها الصهيونية كما فعلت أو حاولت فعل ذلك بعض النساء العربيات سابقا. يصعب على إسرائيل ألّا تكون هي المُحرِّر الأبيض لكِ يا ذات البشرة السوداء، فما بالك إن كنت مسلمة؟ حينها ستكسرين كلّ رومانسيات واستشراقيّات الغرب والشرق عن الرجل العربيّ المُسلم. وإلاّ ما فائدة كل ما كتب إدوارد سعيد؟
لنفرض أنك دخلتِ باحة الكنيست، ستدخلينها وأنت تتمخترين بجانب صفّ من صور أبطالهم/ن وبطلاتهم/ن، هم هؤلاء من قتلوا وشرّدوا وهجّروا شعبكِ. هل ستصالحين وتسامحين إذًا؟
بإمكانك الادّعاء بأنك تقاومين بالحيلة، لكنني أعرف أنّ هناك حيلاً أكثر حنكة؛ بإمكاننا أن نكون مُختالات بطريقتنا، وليس حسب قوانين لعبتهم/ن، وليس حين يقرّرون/يُقرّرنَ لنا، وإلاّ ما فائدة كلّ ما كتبه جيمس سكوت؟
ولنفرض أنك عزّيت نفسك بالقول: أنا سأغزوهم/ن بصوتي وعملي البرلمانيّ، وسأدافع عن قضيتي من هنا، رغما عنهم/نّ. تذكّري: أنت هناك برغبتهم/ن وليس رغما عنهم/ن لأنهم/نّ إن أرادوك في الخارج سيُبعدونك ليس فقط عن الكنيست، بل عن وطنك كلّه.
لنفرض أنك دخلت الباحة وبلعتِ وهضمتِ مذابح وألم التاريخ، فلا بد أنك ستلتقين مع أييلت شَكيد وميري ريغف ونتنياهو وبينت والكثيرين/ات ممّن أباحوا دمك ودم أمك، حتى أول البارحة. هل ستسامحين وهل ستصالحين؟ هل ستسامحين مؤسّسة تُجيز رسمك على بلوزة جنديّ/ة وأنت مقتولة ومُغتصَبة؟ هل ستسامحين مؤسّسة تجيز بقوانينها لأكاديميّ ينادي باغتصابك واغتصاب أمّك إن كان أخوك مُقاومًا؟
لنفرض أنك لم تسامحي وصرخت بوجوههم في كلّ فرصة وفي كلّ مناسبة، وحاولت جاهدة، فاشلة منع سَنّ قوانينهم/ن العنصرية الفاشية، فهل ستستطيعين الوقوف مع الغناء الوطنيّ الصهيونيّ الذي سيُحلق في باحات الكنيست؟ هل ستسامحين كلمات تنادي بمحوكِ؟ أنا متأكدة من أنك لن تفعلي.
ولنفرض أنك ستخرجين من الباحة رافضة الاستماع، فإنهم/نّ لن يسامحوكِ؛ سيُبعدونكِ.
الكنيست والشعب الإسرائيلي برمّته يريدكِ وسيحبك في المكان الذي قرّر الغرب أن تكوني فيه، في المكان الذي يسهّل عليها التعامل معك: عربية فلسطينية خانعة، خاضعة، تابعة، تشكر أنها لا تعيش في دولة عربيّة، وتشكر شعب إسرائيل على معاشها العالي، على حليب تنوفا وعسل ياد مردخاي، ولا “تبصق في الصحن الذي تأكل منه”. فهل يُعقل أن تعيشي في دولة اليهود وألاّ تعترفي بيهوديّة الدولة؟ صعبة هذه الحقيقة عليهم/نّ يا عزيزتي. بحسبهم/نّ، عليكِ ارتداء القناع الأبيض كلّ يوم، وإلاّ ما فائدة كلّ ما كتب فرانز فانون؟ المصيبة أنّ الكثيرات منا يرتدين أقنعة بيضاء بأطياف مختلفة كلّ يوم وينسين خلعها حتى قبل نومهنّ. لذلك اُرفضي كلّ الخانات واخلعي كلّ الأقنعة؛ كوني أنتِ.
طبعا حدّثي ولا حرج عمّا سيحلّ بك إن ناهضتِ الخدمة المدنية، والخدمة العسكرية، وناهضتِ قمع المرأة الفلسطينية ومحاولات الدولة قتلها من خلال تسليح قاتليها وإبقائهم أحرارًا. صدّقيني سيعملون جاهدين/ات على ترويضك بالعقاب والثواب، سيقتلونكِ.
ولنفرض أنك قررتِ أن تكوني أنتِ وأن ترتادي أسطول الحريّة، ولنفرض أنّك كنت حرّة، ورفضت ترويضهم/ن وتمرّدتِ وارتدتِ أساطيل الحرية جمعاء، فسيعملون على كبحكِ وإخضاعكِ وإخناعكِ. فهل ستصالحين؟ هل ستسامحين؟ هم/نّ لن يُسامحوكِ، سيحاكمونكِ، سيُبعدونكِ وسينادون بقتلكِ أينما كنتِ. لن يقبلوكِ متظاهرة صارخة في الشارع ضدّ مُخطّط برافر وضدّ كلّ مخطط استعماريّ، وضدّ العدوان على غزة.
عزيزتي المرأة والناشئة الفلسطينية: هم/ن يريدوننا مقتولات، فعلاً ومجازًا، فما بالكِ إن رفضتِ الاعتراف بـ “إرهاب” شعبكِ؟ حينها، حتى إن صالحتِ وسامحتِ أنتِ فهم/نّ لن ولا!
لذلك كوني أنت من تتّخذ القرار ولا تدعيهم/ن يلعبون بكِ ويتّخذون القرارات بحقّكِ، لأنك بهذا تُساهمين بتكريس دورهم/نّ كأسياد ودوركِ أنت كعبدة. لا تصالحي ولا تسامحي حتى وإن شطبوكِ- أشطبيهم/ن أنت.
عزيزتي الفلسطينية، اعترفي هنا -رغم صعوبة الاعتراف- بين من هم/ن حولك أيضًا من تُ/يريد شطبكِ. هنا أبناء وبنات شعبك يحبّون ويطربنَ لسماع رجل يصرخ من على منصّة الكنيست، لكن لا يطيقون ولا يستمتعنَ بسماعكِ انتِ، لأنك بالأساس امرأة.
عزيزتي، كثيرات هُنّ نساؤنا ونسويّاتنا الذكوريّات.
اعترفي وواجهي حقيقة أنّ عددًا لا بأس به من النساء والنسويّات البعيدات عنكِ والقريبات منكِ، سيضحكنَ سرًّا ويفرحن خفية حين تُقرر الدولة شطبكِ، وسيطرنَ فرحًا إن تقرّر ذلك رسميًّا في محكمة. لا تقولي لي إنّك متفاجئة، لأنني حينها سأُفاجَأ منك.
عزيزتي، اعترفي وواجهي حقيقة أنّ إسرائيل ستُعظِّم وتُبجّل كلّ امرأة عربية غيرك في قائمة عربية تدخل الكنيست. ستجعل من كلّ امرأة أخرى المناضلة والقويّة لتمحو أيّ وكالة لكِ، لتمحوكِ وتمحو أيّ حضور لكِ. هذه لعبة الاستعمار عزيزتي. ستستخدم الدولة كلّ وسيلة لتلميعها ولتشويهكِ، أنتِ وهي ستقبلان باللعبة.
عزيزتي المرأة والفتاة الفلسطينية؛
لن أطيل الحديث أكثر، لكن إن حدث وأن مَثلتِ أمام محكمة تريد شطبكِ من قوائمها، فالخيارات عديدة، وبإمكانك الخروج أقوى ممّا كنت عليه. فإما ألاّ يشطبوكِ، وأن تعودي إلى أحضان الكنيست كأيّ عضو/ة كنيست عربي/ة يتلاشى اسمه/ا عبر تاريخ دولة اليهود، إسرائيل، وحينها ستكونين شريكة بمؤسسة تُعيّن من نادت بقتل كلّ أم فلسطينية وزيرة للأمن الداخلي، ربما. أو أن يشطبوكِ وتعودي لأحضان مجتمعك فاعلة وناشطة تُغيّر في واقع مجتمعها. حينها أشك بأن ينساكِ التاريخ.
وإمّا ألاّ يشطبوكِ، ثم ترفضين أنتِ هذا القبول بعد قبولهم/نّ لكِ، وتُلقين بقرارهم/نّ في وجوههم/نّ وتقولين لهم/نّ: لن ألعب لعبتكم/نّ المُملّة.
أو ربما ألاّ تذهبي أصلاً للمحكمة وأن تقولي: لا يهمّني قراركم/ن أيًّا كان، لأنني أنا اتّخذت قراري… أنا امرأة فلسطينيّة، ترفض أبويّة الأحزاب واستعماريّة الدولة؛ أنا امرأة فلسطينيّة لا ولن تُصالح.
حينها، أؤكّد لكِ، لن ينساكِ التاريخ.