هكذا سرقت هوليوود سنافر بلجيكا!/ مريم فرح
غضبٌ عارمٌ في بلجيكا في أعقاب انتاج فيلم “السنافر” المعروض حاليًا في دور السينما. المخلوقات الزرقاء الصغيرة التي ابتكرها بييو البلجيكي وعاشت في مكان يشبه القرية التعاونية الاشتراكية الشيوعية، تعيش اليوم في فيلم هوليوودي وتهرب من ذلك المكان إلى مدينة نيويورك. النقّاد البلجيك: “نحن نكره هوليوود!”
هكذا سرقت هوليوود سنافر بلجيكا!/ مريم فرح
..
|مريم فرح|
..
بعد مضي أكثر من خمسين عامًا على ولادة “السنافر”، المخلوقات التي ابتكرها بييو البلجيكي، قرّرت هوليوود احتكار المخلوقات الشهيرة -ومعها شرشبيل- وتحويلها إلى فيلم تجاريّ آخر من أفلامها، ما أثار جدلاً حادًا في موطن السنافر الأصلي بلجيكا. فلم تكن هذه الواقعة سهلة على البلجيكين الذين طالما افتخروا بتراث الرسوم المتحركة و”الكوميكس”، حتى دفعهم الغضب لاتهام الأمريكيين باحتكار معالم حضارتهم.
كُتب سيناريو فيلم السنافر” للمخرج رجا جوسنيل ( “سكوبي دو” و “بيفرلي هيلز”) وإنتاج “سوني” بتصريح من ابنة بييو فيرونيك، ويُعرض هذه الأيام بتقنية ثلاثية الأبعاد (3D). يروي الفيلم مغامرةً أخرى من مغامرات السنافر وشرشبيل، وكالعادة يلاحق شرشبيل المخلوقات الصغيرة في قريتهم للامساك بهم واستغلالهم في تجاربه وشعوذته، لكنّ السنافر لم تقوَ هذه المرة على مواجهة شرشبيل داخل حدود القرية، لتهرب منه إلى مدينة نيويورك طلبًا لمساعدة الإنسان الذي يقيم في المدينة الحديثة. وتبدأ الاحداث في مدينة نيويورك في أماكن غريبة عن بيئة السنافر التي تعودنا عليها كأطفال في سنوات الثمانين. المخلوقات الصغيرة التي عاشت 60 عامًا في مكان يشبه البلدة التعاونية وبيئة أقرب للشيوعية الاشتراكية تجد نفسها في مكان يُعتبر رمزًا للرأسمالية.
في أعقاب صدور الفيلم شنّت صحيفة “لو سوار” البلجيكية حملةً ضد الفيلم الهوليوودي تحت العنوان: “لماذا خطفت هوليوود “سنافرنا؟” وطرحت الصحيفة عدة تساؤلات عن تراثها الذي صار علامةً تجارية في هوليوود قائلة: “هل أصبحت ثروتنا الحضارية الغنية “بلاك باستير” آخر في الفن السابع ؟”. وتساءل أحد الكتاب: “من أعطى الحق لهوليوود بتحويل كلاسيكياتنا إلى منتوجات أمريكية؟”
في مقابلات أجرتها الصحيفة مع شخصيات لها باع في الرسوم المتحركة، عبّر هؤلاء عن استيائهم الشديد من الفيلم ومضمونه الذي شوَّه طبيعة السنافر على حدّ قولهم. وقالت بولييت سميه، منتجة ومسؤولة في مؤسسة “بلفزيون” للرسوم المتحركة: “لقد شوّهوا لنا طبيعتنا الغنية وأخفوا سحر السنافر، حيث يحتوي الفيلم على شخصيات غريبة ليس لها أيّ علاقة بالسّنافر الأصلية . إنها منتوجات أمريكية لزيادة المبيعات في هولييود”. وأعربت عن أسفها على سيطرة الثقافة الامريكية على الثروات الثقافية الحقيقية، مضيفة : “لقد خضعنا للثقافة الأمريكية، نحن نملك الثراء الثقافي لكننا لا نملك موارد كافية لإنتاج فيلم يليق برسومنا المتحركة. لقد حوَّلوا السنافر إلى أمريكيين وأجبرونا على الاستسلام لرغباتهم”.
وتساءلت صحيفة “ليبرتيه” البلجيكية: ما دامت شخصيات السنافر وشرشبيل والهرّ قريبة إلى السنافر الأصلية، لماذا إذًا على كاتب السيناريو رميهم في نيويورك وتحويلهم الى ما أسمته الصحيفة “كيدز” أو أطفال أمريكيين؟ ولماذا عند هروبهم من عالمهم ووصولهم إلى عالم الانسان الحديث التقوا تحديدًا برجل تسويق لشركة مساحيق تجميل؟
..
حكاية بييو
بيير كورفار الملقب بـ “ببيو” هو أحد أهم رسّامي الرسوم المتحركة في أوروبا، حيث اشتهر جدًا بعد رسمه للسنافر . رسم بييو السنافر أول مرة في 23 تشرين الثاني عام 1958، في ضمن سلسلة الرسوم المتحركة “جوان وبيرلو” في مجلة “سبيرو” التي صدرت في الخمسينيات. السنافر أو “شترونف” بالفرسية، حققّت عند ظهورها نجاحاً كبيرًا ممّا جعل بييو يطوّرها أكثر لتصبح سلسلة من قصص الأطفال أبطالها كائنات زرقاء تعيش في قرية خيالية حيث يلاحقها شرشبيل الساحر وقط يعيش معه في قلعته. وفي عام 1965 اشترتها استوديوهات “هنا-بربارا” وحوَّلتها إلى مسلسل تلفزيوني للأطفال أشرف عليه بييو من بعيد. تمّ توزيع المسلسل على 71 دولة في العالم وترجم إلى 25 لغة ولقي نجاحًا كبيرًا.
..
ما وراء السنفورة
عرض مسلسل السنافر الشهير العديد من الافكار والايدلوجيات التي اثارت جدلًا كبيرًا لدى النقاد منذ سنوات الثمنينات وحتى الآن. حسب فكرة بييو، تعيش السنافر في قرية خيالية طبيعية ومثالية. يعيش في هذه القرية 99 سنفورًا ذكر وسنفورة واحدة أنثى في مجتمع متساوٍ، لكلّ واحد منهم شخصية وصفة تميزه ووظيفة اجتماعية أو اقتصادية تساهم في بناء المجتمع المثالي في ذلك المكان الخيالي. ولكن ما وراء السنافر من افكار سياسية واجتماعية طرح أخيرًا في كتاب صدر هذا العام بعنوان “الكتاب الأزرق الصغير” -تحليل نقدي وسياسي لمجتمع السنافر- للكاتب الفرنسي أنتوان بوينو، المحاضر في كلية العلوم السياسية في باريس.
اِستعرض بيونو العديد من الأفكار النقدية منها أنّ المجتمع “المسنفر” هو مجتمع خيالي غير موجود في أيّ مكان ومن المستحيل أن يتحقق. وفكرة أخرى جاءت في الكتاب هي أنَّ مجتمع السنافر هو مجتمع “يبغض المرأة” وهذا أحد الأفكار الاكثر انتشارًا لدى نقاد مجتمع السنافر بالإضافة إلى أنّ “سنفورة” هي الانثى الوحيدة في المجموعة، ابتكرها شرشبيل الساحر الشرير بينما السنافر ابتكرتهم الطبيعة الجميلة. في البداية كانت سنفورة سمراء ذات شعر أسود وحاولت الإيقاع بالسنافر ولكنها لم تنجح، ثم حوَّلها بابا سنفور إلى سنفورة طيبة وغيَّر مظهرها وأصبحت شقراء ولم تكن لديها أيّ وظيفة اجتماعية أو صفة مميزة، سوى كونها أنثى مع جميع الافكار المسبقة المتعلقة بالمرأة.
وجاء كذلك أنّ مجتمع السنافر هو مجتمع بطريركي وتابع لسلطة السنفور الأكبر سنًا. تنصاع جميع السنافر لشخصية واحدة فقط وهي شخصية “بابا سنفور” التي توّجه جميع أفراد المجتمع حسبما يراه مناسبًا. “بابا سنفور” هو كالأب الديكتاتوري الذي يوجّه أطفاله “السنافر” الصغار حسب خطط يضعها هو فقط.
أحد الانتقادات الغريبة التي جاءت عن الكتاب هي أنّ السنافر “لاساميين” وشخصية شرشبيل مستوحاة من رسوم كاريكاتيرية للشخصيات يهودية في تلك الفترة خصوصًا أنفه. وأن اسم الهرّ في النسخة الفرنسية الأصلية هو عزرائيل. ولكن هذا ليس مؤكدًا ولا توجد في الكتاب حقائق قوية تثبت هذه النظرية التي كانت ستغير كلّ تجربة الطفولة عند البعض ممّن عشقوا السنافر.
8 سبتمبر 2011
ليس جديدا في هوليوود, او هذه هي السينما الامريكية ابتداء من افلام ديزني الكلاسيكية…
8 سبتمبر 2011
مقاله جيده تجمع بين الرأي والاستعراض والمعلومه.