الحياة في ظل الشهيد: هذيان عقلاني/ سارة الرايس
هذا النص المونودرامي الذي تحول من هذيان حروف على الورق إلى هذيان مباشر، ما هو إلا امتحان لوسيم خير الذي قدّم أداءَ “السهل الممتنع”، ونجاحه في القيام بالأدوار المركبة والصعبة
.
|سارة الرايس|
كراسٍ قديمة وملصق أحمر عليه مصطلحات لها علاقة بالعقل والدماغ، يتوسطهم شخص يرتدي وزرة طبيب وكمامة على أنفه. المشهد يدور في مستشفى للأمراض العقلية، ويقوم بدور هذا الشخص الممثل وسيم خير، الذي يلعب أصعب أنواع المسرح وهي المونودراما. وهو يجسد هنا شخصية طالب علوم الأعصاب في سراييفو سابقا وحارس المستشفى حاليا، حيث أنّ هذا الطالب المنبهر بكيفية عمل الدماغ سيصبح دكتورًا متخصصًا، لكنّ استشهاد أخيه في عملية انتحارية في حافلة بتتانيا، تسبب في انهياره وحال دون ذلك.
ربما لن نفهم من أول وهلة مغزى رسالة النص، لكن سندرك بعد حين أنّ مؤلف المسرحية، الراحل فرانسوا أبو سالم، يحاول إيصالنا بما يدور في دماغ منفّذي العمليات الانتحارية بفلسطين، وذلك عبر حوارات يجريها الممثل وسيم مع نفسه ومع شخصيات خيالية.
نضال الفسلطينيين ومقاوتهم ضدّ الاحتلال ليسا الرسالة الوحيدة في المسرحية؛ فلنحاول القراءة بين السطور ونركز في بعض المشاهد. يروي وسيم في أحدها عن السيدة المكسيكية التي كان يعيش عندها بسراييفو وعن حبّها للحياة، وكأنه يذكّرنا بأنّ هناك ما يستحقّ الحياة على هذه الأرض، ويدعونا دعوة غير مباشرة للاستمتاع بها برغم المعاناة. وفي مشهد آخر يحدّث وسيم نفسه في المرآة، أو يحدّث شخصًا آخرَ وهميًا لعله شقيقه الشهيد، حيث يلومه ويمدحه ويوبّخه في حوار لاهث يقطع أنفاسنا، ثم هناك تلك المشاهد الهزلية المضحكة.
هذا النص المونودرامي الذي تحول من هذيان حروف على الورق إلى هذيان مباشر، ما هو إلا امتحان لوسيم خير الذي قدّم أداءَ “السهل الممتنع”، ونجاحه في القيام بالأدوار المركبة والصعبة، عبر مشاهد متضاربة بين الجنون والعقل.
فرانسوا أبو سالم
النصّ في الأصل بحث في علم النفس العصبيّ (فرع علم النفس الذي يتقاطع مع التطورات الحديثة في علم الأعصاب) قام به المسرحي الراحل أبو سالم بفرنسا، وترجمه عمن اللغة الفرنسية وحوّله إلى مسرحية مونوردراما، مع المؤلفة والمخرجة الألمانية باولا فونفيك، ومثّل في السابق دور حارس المستشفى.
يُعدّ فرانسوا من مؤسّسي المسرح الفلسطيني في بداية سنوات السبعين، وكرّس حياته للمسرح والتأليف بعد عودته من فرنسا، ورحل فجأة في 2011. يُعدّ فرانسوا من مؤسّسي المسرح الفلسطيني في بداية سنوات السبعين، وكرّس حياته للمسرح والتأليف بعد عودته من فرنسا. عُرضت هذه المسرحية بعد رحيله، وستعرض مرة أخرى في حيفا يوم الثلاثاء 10 كانون الأول/ديسمبر في مسرح بيت الكرمة بحيفا.
.