الفردوس مفقودًا.. الفردوس مستعادًا في رواية ساق البامبو/ ريم غنايم
الروائيّ الكويتيّ سعود السنعوسي ينجز رواية تتصدى لثيمة الغربة والمنفى والآخر؛ صراع خفيّ حقيقيّ يقسم بطل الرواية بين نصفيه المستحيلين: كويتيّ مسلم من عائلة ثرية وفليبينيّ من أم خادمة مهاجرة غريبة
الفردوس مفقودًا.. الفردوس مستعادًا في رواية ساق البامبو/ ريم غنايم
.
|ريم غنايم|
من المنتظر الإعلان عن الفائز بجائزة البوكر للرواية العربيّة للعام 2013 في 23 إبريل/نيسان في أبو ظبي، في قائمة قصيرة تخلّلت ستّ روايات مفاجئة تشكّل لوحة فسيفساء ملوّنة من دول عربيّة مختلفة هي الكويت ممثّلةً في ساق البامبو لسعود السنعوسي عن الدار العربية للعلوم ناشرون؛ العراق ممثّلةً في يا مريم لسنان أنطون عن دار الجمل؛ مصر ممثّلةً في مولانا لإبراهيم عيسى عن دار بلومزبري؛ لبنان ممثّلةً في أنا وهي والأخريات لجنى فواز الحسن عن الدار العربية للعلوم ناشرون؛ تونس ممثّلةً في السيد الوزير لحسين الواد عن دار الجنوب؛ والسعودية ممثّلةً في القندس لمحمد حسن علوان عن دار الساقي.
شهدت الساحة الروائيّة العربيّة في السنوات الأخيرة تضخّمًا في عدد الروايات المكتوبة وظهور أصوات شبابيّة جديدة لها حضورها وأصوات روائيّة قديمة أثبتت قدرتها هي الأخرى على التنويع في ثيمات الرواية وشموليّتها. ولا شكَ أن اختيار هذه الروايات للقائمة القصيرة، جاء مفاجئًا وصادمًا، وذلك لغياب أسماء ادبيّة لمعت في السنوات الأخيرة في الساحة الأدبيّة عمومًا وفي ساحة البوكر على وجه الخصوص. فبرغم حضور أسماء كبيرة في القائمة الطويلة، من أمثال الجزائريّ واسيني الأعرج، واللبنانية هدى بركات، واللبناني الياس خوري وربيع جابر وغيرهم، إلاّ أنّه يمكننا القول إنّ هذا الاختلاف في اختيار الروايات من ستّ بقع جغرافيّة، يزيد من خصوصيّة الروايات المنتقاة، ومن التنوّع في طريقة اختيار الروايات المتنافسة، لا على أساس أسمائها المنحوتة في الذاكرة الروائيّة، وإنّما على أساس الابتعاد عن أصول الانتقاء التقليديّ والسّعي باتّجاه الانفتاح على روح روائيّة جديدة قد تثبتُ هي الأخرى قدرتها على حَمل الصّولجان للأعوام المقبلة.
يتجلّى هذا التنوّع في الشّكل الروائيّ الذي اختاره الروائيّون لحبكاتهم، وفي القضايا التي طُرحت في الروايات من المسكوت عنه والمهمّش والجدليّ والسياسيّ والدينيّ، والتقاطعات الفلسفيّة والوجدانية. تناولت الروايات مواضيع كالطائفيّة والماضي والراهن وفصام الهويّة والغربة في الوطن وقمع الذات في مجتمعات مقموعة، والإرهاب الذهنيّ الجماعيّ وما إلى ذلكَ من مواضيع تولّدها طبيعة المجتمعات التي يأتي منها هؤلاء الكتّاب.
عيسى أو هوزيه؟
لعلّ الرّواية التي أثارت تساؤلات ونقاشات عديدة، وطرحت جدلاً كبيرًا في قضيّة هي الأولى من نوعها في شكل الطّرح ومعالجته، كانت رواية الكاتب الكويتيّ الشّاب سعود السنعوسيّ، ساق البامبو (2012)، وهي روايته الثانية بعد سجين المرايا (2010) التي حازت جائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب. ملامح رواية ساق البامبو ملامح متفرّدة عن باقي الروايات المرشّحة الأخرى في عتباتها وطرحها وسياقها وصوتها. هي تقول معضلةَ اللسانَين والهويّتين والشّرخين النّفسيّ والاجتماعيّ عبر حكاية عيسى الطاروف الكويتي الذي يحمل إرثًا اسلاميًا من والده راشد، وإرثًا مسيحيًا وبوذيًا من والدته الفلبينيّىة جوزافين، التي جاءت الكويت لتعمل خادمة في أحد بيوت العائلات العريقة لتعود اضطرارًا الى وطنها ومعها طفلٌ عربيّ بملامح آسيوية هو عيسى أو هوزيه مندوزا.
تحملُ الرّواية صورة جديدة غير مألوفة، هي أشبه بفكرة التّغريب في الطّرح، والقدرة على التطرّق إلى معضلة اجتماعيّة هي أشبه بظاهرة جمعيّة في دول الخليج هي مشكلة القادمين من دول قصيّة، ظروف عملهم في دول الخليج، وحياتهم كمهاجرين يرفض الآخر فكرة التّلاقح الثقافيّ معهم، بحُكم اختلاف النسيج الديني والاجتماعيّ والنفسيّ بينهما.
بفطنة كبيرة ووعي روائيّ ممنهج، يكتب السنعوسيّ حكاية رفض الآخر إذا طمح إلى “المساواة” داخل مجتمع منغلق على نفسه ومجرّد من فكرة الانفتاح على الآخر بحُكم نسيجه الاجتماعيّ الدائريّ المغلق. ممارسة الانغلاق في هذا المجتمع شكل من أشكال التطرّف أو الارهاب الانسانيّ في مجتمع عمرانيّ ظاهريًا بدائيّ ذهنيًا. هذا المجتمع مستعدّ لتقبّل الآخر إذا كان أقليًا مقموعًا قانعًا بقمعه وليس شريكًا يطالبُ بإرثه من هذه الشّراكة. أيّ محاولة لهذه المطالبة ستُجابه بالطّرد من الجنّة المشتهاة. وهذا ما حصل مع الفلبينيّة جوزافين ومع ابنها ذي اللسانين.
المأزق الّذي نشهده على طول الرواية الضخمة التي تقع في ما يقارب أربعمئة صفحة هو مأزق متعدّد الهوات: هي هوة الهويّة والبحث عن الذّات وسط تضخّم عقدة “من أكون”: في الفلبيّن يذكّرونه بعيسى العربيّ الأصل، وفي الكويت تصرخ ملامحه الآسيوية بهويّته الأخرى، فلا نصفه الأول يشدّه ولا نصف الثّاني يمتصّه داخل جذوره. ثمّ هي هوّة الأديان التي تتمثّل في شاب يحمل الإسلام والمسيحيّةّ على ظهره فيؤذّن في أذنه طفلاً، ويُعمّد لاحقًا في الكنيسة.
وهي هوّة الطبقيّة والعالَمين المختلفين اللذين عاشهما البطل- عالم الفقر في الفلبين الّذي كان سببًا في تشجيع والدته على التمسّك بجذوره العربيّة حبل نجاته، وعالم الثّراء في الكويت حيث عائلة والده. مع بلوغه الثامنة عشرة تبدأ رحلة البحث عن “الفردوس” الذي سقط منه هو ووالدته طفلاً، الفردوس الذي ظلّت والدته تمني نفسه به. لكنّها خيبةُ العائد من الفردوس، ذلك لأنّ أهل الفردوس لا يرون فيه واحدًا من ابناء العشيرة. فالعائلة ترى فيه “الآخر” المختلف تمامًا، أو الدّخيل الغريب الذي لا يصلح لأن يكون واحدًا منهم.
نلاحظ هذا الاقصاء المُعلن والمبطّن على طول الرواية من خلال عرض الشّخوص الأخرى: غسّان رفيق الوالد راشد الذي ساعد على قدوم عيسى إلى الكويت، هو أيضًا يُنظر إليه على أنّه “آخر”- فهو من “البدون”، وهم فئة تسكن في الكويت بلا جنسيّة واضحة. وهو الآخر حُكم على قصّة حبّه بالفشل بسبب “آخريّته”. والأم جوزافين هي أيضًا “الآخر” الذي لا يعترف هذا المجتمع الطبقيّ بإنسانيّته إلاّ إذا ظلّ مختلفًا- فهي المرأة المتعلّمة في بلادها والخادمة في بلاد الغريب.
الرواية هي تعرية لذهنية المجتمع الكويتي: الخوف من الآخر، وخوف الانفتاح على الآخر وخوف استيعاب الآخر. وإذ يتقصّى الروائيّ بحرفيّة أبعاد هذا الخوف من الآخر، يكشف لنا عن وحشيّة هذا المجتمع الّذي لا ينظر الى الآخر بكامل انسانيّته.
بطلٌ عربيّ الهويّة، آسيويّ الملامح، ثنائيّ الديانة، جامع الأضداد الطبقيّة، لم يجد مكانًا له بين جذوره، فغادر الفردوس المفقود طوعًا هذه المرّة مقتلعًا نفسه من جذوره الوهميّة التي لم تألفه، باتجاه بلادٍ أخرى سيضرب فيها لنفسه جذورًا جديدة تمامًا مثل ساق البامبو.
12 أبريل 2013
ما عدا رواية سيدي الوزير التي لم اجدها فأن بقية الخمس روايات المنافسة جميلة وجيدة وتستحق القرائة
21 مارس 2013
الموضوع شيق ….والكتابة عن الادب والقصة تنير القارئ الطريق
شكرا للكاتبة
hayatrabirabi@gmail.com
احلام الربيع