شريط نانسي عجرم/ سامية العطعوط
هل كانت البطيخة حمراء على الموس، أم بيضاء قرعة؟ هل أكل الأولاد منها أم ضربتهم بحذائي المثقوب على رؤوسهم المقملة، كي يخرجوا من هنا، وكسرتُ جرةً وراءهم؟
>
|سامية العطعوط|
فرحتُ جداً عندما اشتريتُ بطيخة من “سقف السيل”* في البَلَد، وعدتُ بها إلى البيت.
مررتُ في طريق عودتي من زقاق ضيق في المخيم، تراكمتْ فيه أكوامُ الزبالة هنا وهناك، وفاحتْ منه رائحةُ مياهٍ آسنةٌ انسَرَبتْ من بواليع بيوتنا، لتركد فيه على شكل بركٍ مستنقعيةٍ صغيرة. كان المخيمُ حليقاً كما تركته منذ شهرين! وكان رأسي كذلك، فقد خرجتُ من السجن قبل أيام، بملابسَ زرقاء اللون وحذاءٍ أبيض، وكنتُ أبدو كأحد الممرضين في مستشفى خاص، أو كأحد المجانين.
رأى أولاد المخيّم البطيخة في يدي، فاندفعوا نحوي. تبعوني بالزّفة، يضحكون ويصرخون، إذ لم يكونوا قد رأوا بطيخة في حياتهم من قبل. هذا ما توقعته. وصلوا معي حتى باب بيتنا المتداعيِ، والمتداعيِ تعود على البيت وعلى بابه بلا شك.
دفعتُ الباب بقدمي اليمنى كمشاكسٍ عاد لتوّه من حرب، فوقعَ من طوله على الأرض (البابُ بالطبع). خطوتُ فوقه، فاندفعَ الأولادُ خلفي يهتفون. تجمّعوا حولي بملابسهم الرثة. عرفتُ فيهم بعض أبنائي الذين أجهل عددهم بالضبط. تحلّقوا حولي يهتفون، واللعاب يسيل من أفواههم، حتى ملأ الحوش وارتفع فيه بعلوّ قدم. ناديتُ على امرأتي وكانت عاقراً (عاقرَ) لا تنجب حتى صوصاً في أحسن الظروف. والمقصود بأحسن الظروف، أي حتى لو تزوجها عشيقها فتحي المكوجي. أحضرتْ زوجتي معها سكين المطبخ، وكانت بادحةً فشتمتها، وبادحةً تعود على السكين، وليست على زوجتي حادّة الطبع.
جلستُ على الأرض. وضعتُ البطيخة أمامي. أخرجت الموس الكبّاس الذي أستخدمه في مشاجراتي الدائمة مع الحمّالين والنشالين والقوادين في سوق البلد، وقلتُ باسم الله. غرزتُ الموس في بطن البطيخة وهويتُ بها ثانية على الأرض، فانفلقتْ بتعرّجات.
هل كانت البطيخة حمراء على الموس، أم بيضاء قرعة؟
هل أكل الأولاد منها أم ضربتهم بحذائي المثقوب على رؤوسهم المقملة، كي يخرجوا من هنا، وكسرتُ جرةً وراءهم؟
جلستُ على الأرض. وضعتُ البطيخة أمامي. أخرجت الموس الكبّاس الذي أستخدمه في مشاجراتي الدائمة مع الحمّالين والنشالين والقوادين في سوق البلد
هل نمتُ مع زوجتي العاقر في تلك الليلة؟ هل خلعَتْ ملابسها وسروالها الأحمر الناعم وتعرّتْ، وسمع أهل الزقاق صوت لهاثنا وصراخها كليلة الدخلة، قبل أن يأتي الجيش ويعتقلني؟ أم ما كدت أقترب منها وأستعدّ للدخول فيها كجواد يقتحم بوابة القلعة، حتى سمعتُ أنصاف المجنزرات تقترب منا؟
هل تعتقدون أنها تابعت فضّ بكارتها مع أحد الجنود الذين تخلّفوا لتفتيش البيت؟ أم أنها فَعَلتْها بنفسها؟ أم ماذا؟
هذه أسئلة محرجة لن يمكنني الإجابة عليها، خاصة بعد أن عادوا وكمّموا فاهي بشريط نانسي عجرم (الواد الشاطر).
(من مجموعة “بيكاسو كافيه” – دار الفارابي – بيروت)
____________________
* سقف السيل: شارع في وسط البلد- عمان