محور المقاومة هنا في غزّة، ولا منة لأحد على حماس ومقاومتها/ سليم البيك
مشاركات لأصدقاء من غزّة عن ادعاءات الممانعة ● معظم الأسلحة التي تستخدمها حماس هي محلية الصنع وكلها تحمل أسماء ذات دلالة، لا علاقة لها بالسلاح القادم من الخارج
>
|سليم البيك|
في السنوات الأخيرة انفصلت حركة حماس عن محور المقاوَمة، أو الممانَعة أو أياً يكن اسمه، وذلك لموقفها المؤيد للثورة السورية، ما أربك أركان هذا المحور وخاصة النظام السوري الذي يشن حرباً وحشية على السوريين متوّجاً حالة سلمٍ ممتدة لأربعين عاماً مع إسرائيل، في الوقت الذي واصلت فيه كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحماس- مع باقي الكتائب المقاتلة، حربها مع إسرائيل بشتى الأشكال، آخرها عمليات “العصف المأكول” بصواريخ المقاوَمة، يقابلها قصف إسرائيل الوحشي على كامل قطاع غزّة. كتبتُ وكُتب وقيل الكثير في ذلك، من خارج قطاع غزّة، لكن التحليل يبقى تحليلاً والرأي يبقى رأياً، ما جعلني أعود لأصدقاء من غزّة ومن أوساط المقاوَمة فيها، يمكن لما يعطونه من رأي أن يتضمّن عدداً أكبر من الحقائق، لعدّة أسباب أهمّها أنهم على تماس تام مع موضوع هذه الأسطر بحكم عملهم، ويتحدّثون من قلب غزّة، وربّما، حماس. لذلك سأترك ما تبقى من المقالة (وهو متنها) لهم، لنبدأ ببراء نزار ريان، وهو محاضر جامعي، أعطى براء تعريفاً عاماً للكلمة قائلاً بأن المقاومة هي الفعل المقاوم، هي إيذاء العدو الصهيوني. من آذى الاحتلال فهو مقاوم، ومن لم يؤذه فليس مقاوماً. يضيف، بشار الأسد لم يطلق في حياته طلقة باتجاه الصهاينة، فكيف يكون ركناً أساسياً في محور المقاومة، وكيف تكون حماس خارجه وقد خاضت ثلاثة حروب في السنوات الخمس الأخيرة! لسان حال القوم باختصار: أنا المقاومة، فمن كان معي فهو مقاوم، ومن لم يكن فليخرج من المقاومة مذموماً مدحوراً.
المقاومة عمل نبيل لا يمكن لطاغية أن يتشدّق بها متى شاء
في الموضوع ذاته، قال حمزة إسماعيل أبو شنب، وهو كاتب ومحلل سياسي، أن من يتحالف مع حماس هو الذي ينتقل إلى مربع المقاومة، فهي التي تقاوم على الأرض ولم تتخل عن أجندتها ضد الاحتلال وهي من تقود المقاومة في فلسطين على المستوى السياسي والعسكري، كيف لحلفاء سابقين للحركة الادعاء بأنها “عادت” للمقاومة! يضيف، بوصلة المقاومة هي فلسطين، فمن يدعمها يكون من المقاومة ومن يتخلى عنها يكون خارجها، ولا يمكن تشويه المقاومة بقمع الشعوب الحرة والإثخان في دمائها، وهي عمل نبيل لا يمكن لطاغية أن يتشدّق بها متى شاء. ينتقل حمزة للحديث عن تغطية وسائل الإعلام المقرّبة من النظام السوري وحلفائه قائلاً بأنها تحاول أولاً محو صورتها السيئة التي طغت عربياً وإسلامياً بعدما تخلّوا عن دعم المقاومة في فلسطين وما أقدموا عليه من قتل للشعب السوري وحجم جرائمهم، ومشاركة حزب الله وإيران ضد الشعب الذي خرج مطالباً بحريّته. وأنها ثانياً تحاول تصدّر المشهد الإعلامي بأنهم من يمتلكون ميزان المقاومة في المنطقة وتصوير ما يجري في سوريا من حرب ضد الشعب على أنها حرب من أجل المقاومة. ما يمكن التأكيد عليه في هذا المضمار، يُضيف، بأن حماس هي حركة جماهيرية تعتمد على الدعم الشعبي العربي والإسلامي أكثر من الاعتماد على الأنظمة الرسمية بشكل عام، ولعلّ الشعب السوري الذي خرج مطالباً بالحرية كان أحد أهم الحواضن الشعبية لحماس في العالمَين العربي والإسلامي. وعن الصواريخ في هذه الحرب، لا يعتقد حمزة بأن من قدّم الصواريخ للمقاومة وبالأخص منها كتائب القسام، هي إيران أو سوريا، فقد توقّف الدعم المالي والعسكري لحماس منذ الثورة السورية في مارس ٢٠١١ وصار الدعم “صفراً”، وازدادت حدة التراجع في العلاقة ما بين حماس وإيران بعد خروج الحركة من سوريا نتيجة لرفضها دعم النظام السوري ضد شعبه، أما العلاقة مع سوريا فقد انقطعت بعد الخروج من دمشق حيث أغلق النظام مكاتب حماس بالشمع الأحمر. وعلى الرغم من الأداء المييز للمقاومة في عدوان ٢٠١٢ ومحاولة إعادة تحسين العلاقات بين إيران وحماس إلا أن إيران لم تقدم أي مساعدة عسكرية أو حتى مالية، وبقيت الاتصالات موجودة لكن دون تطوّر. ينهي حمزة بأن طبيعة العلاقة وأداء المقاومة على الأرض يؤكدان تماماً بأن حماس في قطاع غزة اعتمدت على نفسها في تطوير قدراتها القتالية وحنكة أدائها الميداني وهذا واضح في سلاح الصواريخ وتصنيعها بأنها كلّها محلية الصنع وواضح الفرق في أداء المقاومة ما بين ٢٠١٢ و٢٠١٤، أضف على ذلك أن معركة ٢٠١٢ جرت في نوفمبر، نهاية العام، وأن الانقلاب العسكري الذي أطبق الحصار على غزة وأغلق الأنفاق كان في يونيو، منتصف ٢٠١٣، وبذلك نجزم أن المقاومة طورّت قدراتها بشكل ذاتي فلم يتمكن أحد من مغادرة القطاع منذ عام.
صاحب الفضل لأي إنجاز هم المقاومون والشعب الصامد في غزة
وائل عبد العال، محاضر جامعي، لم يجد الأمر غريباً في أن يوظّف “إعلام الممانعة” ما يجري في غزّة ويجيّره لصالحه سيما بعدما تلطّخت سمعته إثر المشاركة بالحرب في سوريا. ويطرح وائل ما يراه السؤال الأساسي وهو: من الذي ترك المقاومة واصطف إلى المحاور الإقليمية ضد ثورات الشعوب؟ يدرك هذا الإعلام أنّ المقاومة في غزة مسألة عاطفية لدى الجمهور العربي، وفكرة ساحرة في دغدغة عواطف الناس، ولذلك يريد أن يركب الموجة ويوظّف أي إنجاز حققته المقاومة في غزة لصالح محوره الذي تركته حماس اتساقاً مع مبادئها الرافضة لقمع الشعوب ووقوفاً إلى جانب مطالبها في الحرية والانعتاق من الاستبداد. فالانطباع العام لدى غالبية الفلسطينيين أن بوصلة محور الممانعة، وتحديداً حزب الله، انحرفت عن اتجاهها الصحيح، فالسيد نصرالله وبعد أن كان رمزاً للمقاومة صار في نظر الغالبية حليفاً للطاغية الذي يذبح شعبه أمام الكاميرات، في حين أنه لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل منذ 2006. المزايدة على حماس في موضوع المقاومة أمر بائس ومكشوف، وهي مزايدة خاسرة، ويسأل وائل مستنكراً: كيف تكون حماس من تركت المقاومة (الفكرة والممارسة وليس الشعارات) وقد خاضت حربَين شرستَين مع الكيان الصهيوني وحدها ودون أيّ دعم، والأهم أنها خاضت الحربَين بعد فك الارتباط مع النظام السوري، ونسبياً مع إيران وحزب الله! وكيف تكون حماس من تركت المقاومة وقد مضت سنوات طويلة في الإعداد والتجهيز وبناء القدرات العسكرية من بنى تحتية وأنفاق وتطوير منظومة الصواريخ، وهي اليوم تدك بها تل أبيب وحيفا وما بعد حيفا، بشكل فعلي!
أخيراً يؤكّد وائل أنه من المهم أن يدرك هذا المحور ووسائل إعلامه المغالية أن معظم الأسلحة التي تستخدمها حماس هي محلية الصنع وكلها تحمل أسماء ذات دلالة، لا علاقة لها بالسلاح القادم من الخارج، ومع ذلك لا أحد ينكر دور هذا المحور في دعم المقاومة في فلسطين سابقاً. لكن النصيحة لهذه الوسائل بأن الحرب ليست وقتاً مناسباً للمزايدات السياسية وتسجيل الانجازات الوهمية، فصاحب الفضل لأي إنجاز هم المقاومون أنفسهم والشعب الفلسطيني الصامد في غزة، والذي يدفع جزءاً كبيراً من فاتورة الإنجاز الذي تحققه المقاومة. هنا، في غزة، تكمن المقاومة.