وصفات لصيانة الذكريات/ رمزي سليمان
أحرس ذكريات الطفولة من فكرك الراشد لئلا يقول لها كلاما مفسدا. مثل: كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ وهل يصح؟ وهل يمكن؟ كلمات وجمل مقتضبة، جامدة وقاطعة كالموسى
وصفات لصيانة الذكريات/ رمزي سليمان
..
|رمزي سليمان|
بعد عمر طويل وأخطاء كثيرة، فهمت أن ذكريات الطفولة كالحمام الزاجل. عليك أن تقربها ملتزما بأصول دقيقة، كي لا تُضيع طريق عودتها إلى بيوتها الصغيرة. أولا: عليك الامتناع عن تعريضها للشمس، لئلا تتبخر، فهي رقيقةٌ ناعمةٌ كندف الثلج. وإن كان لا بد من إخراجها من صناديقها المرتجة، فليكن في عز الليل، على ضوء مصباح خافت أو شمعة في آخر رمقها. ثانيا: لا تُكثر من إخراجها من مكامنها. قلل ما تيسر من استعمالها، كي لا تهرأ وتبلى. إنها هفهافة كحرير دمشقي، ناعمة كورق الورد. ثالثا: أبعدها قدر المستطاع عمّن كبروا قبل أوانهم حتى لا ترتطم بغموض ذكرياتهم وتسقط تحت الأقدام. رابعا وهو الأهم: أحرسها من فكرك الراشد لئلا يقول لها كلاما مفسدا. مثل: كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ وهل يصح؟ وهل يمكن؟ كلمات وجمل مقتضبة، جامدة وقاطعة كالموسى.
أرجوكم أحبائي، تذكروا نصائحي وبالخصوص تذكوا نصيحتي الأخيرة واحفظوها عن ظهر قلب. جهلي بها أفقدني الكثير. فلو أني أوقفت فكري الراشد اللعين عند حده، لما كنت تكبّدت حسرة الاكتشاف أن سينما “أمبير” هي “Empire” وليست تخفيفا لـ”أمُّ بئر”، وأن الـ”بققصْ” هو الـ”Back ax”، ليس من اختراع أبي ولا حتى اختراع عربيّ!
..
زيارة قصيرة لأمير
لم أكن قد تجاوزت السابعةَ حين “رشق” المعلِّم إلياسَ حيطان غرفتي. حينها لم أكن أعلمُ من الأميرُ الذي
رسم المعلِّمُ صورتهُ على جدار غرفتي، كما لم يكن أحدٌ في “حارة الروم” قاطبةً قد سمع بهذا الأميرِ، لا عن قريبٍ ولا عن بعيد.
حتّى المعلِّم إلياس نفسه لم يكن يعلمُ من الفتى ناعسُ العينينِِ بشعره الذهبيّ، سيفه المنكّس وعباءته التي تحاكي ذيل الحوت.
بعد أن أكملَ المعلم رسم الصورة، تغيرت أحلامي. صارت شيئًا آخرَ. فما من ليلة غفوت فيها إلا وطرت، تحملني طيورٌ ناعمةٌ بيضاءُ إلى قفار بعيدة مسحورةْ، أتقعّدُ صخورًا ملساءَ على ذرىً عاليةٍ، أرقب غروبًا بعد غروب. وإن أفقتُ، كانت تكفي نظرة خاطفة إلى غلامِ شَعرِ الذهبْ، لتمتلئ غرفتي بيراعات ودودة، تلج من النافذة، متلألئةً بضوئها الحنون.
حين بلغت العاشرة، قرّر أهلي أنّ حائطًا ملونًا لا يليق بسنّي. أتوا بـ”رشّاق” جهم الوجه، كشط الحائط و”رشقه” بجير باهت كباقي الحيطان.
وهكذا، دفعةً واحدةً، دخلتُ عالم السياسة. في النهارْ أجلس ساعاتٍٍ أمّام المذياعْ، أنصت لـ”صوت العرب من القـــــــــاهرة”. في المساءْ أقف على مصطبة صغيرة، أعيدُ على مسمع ضيوفنا خطاب عبد الناصرِ وهو يؤمم القناة.
اليوم، بعد سنين لا تَعدّها أصابع كثيرة، نادرًا ما أنشغل بطفولتي. ولشؤونٍ عديدةٍ، كميليْ لكلمة الحقّ وتقززي من المُرائين، ما قربت السياسةَ ولا وضعت رجالاتها “في العبّ”.
أمّا اليراعات اللواتي تلألأن كنجوم كتومة، فقد اختفين بعدما دَفنَت البيوت باحاتها تحت مصاطب الإسمنت.
5 يناير 2012
“حين “رشق” المعلِّم إلياسَ حيطان غرفتي” ليش إلياسَ مع فتحة ؟! دخيلك يا ربي !
15 سبتمبر 2011
جميل ورائع