إلى عُمر، قبل ما تقطع الكهربا / رأفت آمنة جمال
“ثمّ وإنه.. كل شويّ بطلعلي أسألك إنت وغيرك: كيفك؟ وبحسّ إنه السّؤال دليل آخر على عُهر مُعدي.. دخلك دخلك بعد في ناس لسّة بيسألوك: كيفك؟ اوففف ملّا … تعبت من تكرار كلمة عُهر؟ هاي زي التحيّة بالأول، فيك تستبدلها بأيّ كلمة حاسسها تجاه العالم…”
|رأفت آمنة جمال|
مرحبا عُمَر..
أو مش بالضّرورة “مرحبا”. فيك تلغيها، تستبدلها بأيّ كلمة تصلُح لإنها تكون تحيّة، مع إنه بعرفش قديه بنفع نحيّي، وإذا أصلًا بدّك تحيّة! بس من وإحنا صغار وهم يعلّمونا طرق التحيّات: تحيّة المسجد، وتحيّة الناس اللي قاعدين، وتحيّة دخول البيت والخروج من البيت.. وكانوا –وبعدهم- بختلفوا إذا شرعي تقول: “آلو” لمّا تردّ عالتلفون أو إنّك تقول: السّلام عليكم! أنا كنت أقول: آلو.. مش موقف ضدّ “السّلام” – أعوذ بالله- بس كنت وأنا صغير أفكّر إنه “السّلام عليكم” هاي تحيّة المشايخ أو المتدينين، فمكنتش أطرحها عشان ما حدا يفكّرني متديّن. هاي مش نكتة، أصلًا بتضحّكش.. وأصلًا كمان مش عم بحاول أضحّكك، بعرف إنه الوقت ما عندوش وقت يحمل ضحك. بس معك حتى الـ “آلو” مش دارجة، لأنّك ببساطة، وركّزلي بهالبساطة، من غزّة، وأحقر إشي ممكن ينكتب اسا بعد كلمة “غزّة” هو شرح عن غزّة! ولا أحقر من هيك!
منرجع للتحيّة، علّمونا حتّى نحيّي الأموات، لمّا منمرق من حَدّ المقبرة نقول: “السّلام عليكم، أنتم السّابقون ونحن اللاحقون!” هيك بتذكّر علّمونا، بعرفش إذا الجملة ناقصة.. مش كثير بشارك بالجنازات، ولمّا بشارك حتى بردّش ورا الشّيخ وهو يدعي: “آمين”، وبقراش الفاتحة! هسا يمكن ما يعجبكاش الكلام.. بس ياخي عندي قناعة إنها زي ضُمّة الورد عالقبر، نذالة من الأحياء أكثر من كونها رحمة منهم للأموات.. أصلًا مين دخلك اللي بده الرّحمة؟
مع الظروف، مفهوم التحيّة تطوّر، صرنا نقول: نحيّي أرواح الشّهداء، نحيّي المقاومة، نحيّي الصّامدين في وفي وفي.. ولا إشي أخذوا معهم غير التحيّات، بالمظاهرات منحيّي، بالصّلوات منحيّي، بالتلفزيون، وحتى عالفيسبوك! ولك حتى القاتل بحيّي المقتول.. شو بدّك أحلى من هيك إنت وكل اللي بغزّة؟ إذا الدولة الشقيقة في رام الله حيّتكم إنتو والشّهداء!
فـ يا صديقي، تضامنًا مع عهر التحيّة تعال نلغيها ونبدا من جديد:
عُمر..
تخايل نرجع مراهقين أو نرجع لزمان الماضي وأبدأ بـ “أكتب إليك من حيفا…”! هو بيني وبينك مغري جدًّا بهالظروف نستعمل أسماء هالمدن. ما علينا.. الظّاهر من هالرسالة يا صديقي، هو إنّها مش عارفة كيف تبدا، غير بإسمك.. محاولة منيحة في ظلّ غياب الأسماء من غزّة. لأ.. تتوقّعش الجملة الجاي تكون فَرط حكي عن فلسفة الأرقام وإنه الشهداء مش أرقام.. باخت لأنها هالاسطوانة!
بس بدي أحكيلك سِرّ، خايف أقتنع إنه الكتابة إشي عالفاضي، ومش عشان هيك عم بكتب بالمحكيّة، هاي خلّيها ع جنب، وإنما شعور مرافقني من فترة قصيرة، إذا بدّك تسمّيه انهزام ويأس .. سمّيه، أنا اللي بعرفه إني تردّدت كثير أبعتلك رسالة، أو حتى أكتب ستاتوس، كنت أكتب ستاتوس عن غزّة وأرجع أمحيه وأقول: ولااو شو طالع عاهر بالستاتوس، وجرّبت أبعتلك رسالة عشان أطمّن عليك، حسّيت إنك إنت هالمرّة راح تحسّني عاهر، فقرّرت أفتح قلبي وكيف ما تيجي تيجي..هاهاها شوف بالآخر كيف أجت: نصّ! تاري الكتابة مش عالفاضي… إلا إذا هالنصّ ما خلصش!
شو كنت أقول؟ اااه.. مبارح بالليل كنت أسمع إم كلثوم، تحديدًا: “أنا وانت ظلمنا الحُبّ بإيدينا”.. بتعرف؟ هاي أول مرّة بغفاش عَ الأغنية، سمعتها للآخر تا خلصت.. ونمت. بعرفش ليه.. يمكن شعور خفي إنه الأيام الجاي مش راح نقدر نسمع فيها أغنية؟ يا لطيف.. مش كثير رايقتلي فكرة الحداد.. كونه فينا نحدّ ونسمع أم كلثوم.. اه وشو فيها؟ بس مثلًا تخايل معي اليوم أحط أغنية: “هذه ليلتي” مثلًا.. وخُذ ع طرب! شو النتيجة؟ تفكّرش كثير: عُهر…
على فكرة.. أو على سبيل الفكرة، بتعرف إنه مش هاد هو السرّ اللي كنت بدي أحكيلك اياه؟ كنت بدي أصارحك بشغلة بس فجأة لقيتني عم بشاركك بشعور بخصوص الكتابة.. السرّ يا عزيزي، هو إني عم بفكّر أمحيك من الفيسبوك إنت وكل اللي عندي من غزّة، طبعا هاد لا يتعارض كثيرًا مع إني قبل ما أكتبلك هالكلمات عملت إضافة لشب من غزّة عجبني ستاتوس كان كاتبه وشفته عند صديقة ناقلته عنه.
بس عنجد عم بفكّر أحذفكم، مش عشان ما أتوجّعش بشو عم تكتب إنت وغيرك، ولا عشان عم تنقلولنا صور وأخبار.. أصلًا أنا بتابعش أخبار.. بعرفش كيف الناس بتقدر تتابع أخبار، بالمناسبة.. بحبّ أطمّنك إنكم يا صديقي صرتوا نشرة أخبار، نيّالكم.. كثير بتطلعوا بالأخبار .. بس على شو شايفين حالكم؟ نفسي أشوفكم متجمّعين ورا المراسل، وزيّ كل هالشّعوب المنكوبة بتعملوا للكاميرا: “باي”.. كنت جاي أقوللك إنه إذا عملتوا للكاميرا “باي” بتنقصلكوش إجر أو إيد.. قمت بصقت ع مخيّلتي.
المهم (وتدقّرش كثير عهالكلمة لأنها راح تتكرّر كونه بالذّات فش إشي مهم) وبتمنّى تفهمني.. أنا عم بفكر أحذفك لأني مستحي منك.. يا زلمي حاسس بضرورة كبيرة إني أكتب ستاتوس عن غزّة، طبعا راح يكون مبتذل وراح تقراه وتسبّ عليي.. أو تجاملني بـ “لايك”.. فـ شو ممكن أحس وقتها؟ بس بنفس الوقت عندي رغبة ملحّة بالكتابة. لذلك.. بمحاك وبريّحك، هيك بمارس أبسط ابتذالاتي بعيدًا عن مشاعرك. كمان شغلة.. وين بدي أروح بوجهي منّك وأنا أنشر صور مظاهراتنا المتضامنة معكم؟ الإشي كثير بخجّل.. إذا إنت مش فارقة معك كونه أصلًا بطّل في شو يفرق معكم، حبيبي أنا فارقة معي، فارقة معي أقرالك ستاتوس عم تسأل فيه عن اللي بعده عايش.. وإذا “بعد في حدا”!
ثمّ وإنه.. كل شويّ بطلعلي أسألك إنت وغيرك: كيفك؟ وبحسّ إنه السّؤال دليل آخر على عُهر مُعدي.. دخلك دخلك بعد في ناس لسّة بيسألوك: كيفك؟ اوففف ملّا … تعبت من تكرار كلمة عُهر؟ هاي زي التحيّة بالأول، فيك تستبدلها بأيّ كلمة حاسسها تجاه العالم…
عُمر؟ عُمر إنت معي؟ إسمع.. قبل ما تطقع الكهربا… خلّيك اكتب ستاتوسات، حتى لو كلها يأس وتعب.. بس خليك عم تكتب.. آه ، وأنا بطّلت أحذفك..
عُمَر…؟!