حرب أكتوبر: معارك مجيدة وأفلام بليدة!/ سماح بصول

حرب أكتوبر: معارك مجيدة وأفلام بليدة!/ سماح بصول

إنّ الكمّ الجيد من الأفلام المصرية التي تتعلق بصورة أو أخرى بحرب أكتوبر ليس بالقليل، لكنه لم يكن منصفًا حقًا

أحمد زكي وناهد شريف في "العمر لحظة"

أحمد زكي وناهد شريف في “العمر لحظة”


.

|سماح بصول|

“حرب مجيدة وأفلام بليدة”- تحت هذا العنوان كتب علي أبو شادي نقده حول مجموعة أفلام أكتوبر في كتابه “السينما والسياسة”، وأنا أوافق أبو شادي بشدّة؛ فبعد مشاهدة 7 أفلام مصنّفة على أنها تتحدّث عن حرب أكتوبر -أو “حرب رمضان” كما يحبّ المصريون تسميتها- يتضح أنّ الفيلم المصري لم يفِ الحرب حقها، ولم يقدم فيلمًا واحدًا يتطرّق بجدية إلى الحرب وحيثيّاتها كما يجب “لفيلم حرب” ان يكون، فيما نرى نظيره الإسرائيلي يتطرق إلى تفاصيل دقيقة في الحرب، ويحاول تغطية أكثر من جانب بين إنسانيّ وعسكريّ وسياسيّ. فعَمَّ يتحدّث الفيلم المصري يا ترى؟

سأتطرّق هنا إلى ثلاثة من بين الأفلام السبعة التي شاهدتها: “بدور”، إخراج نادر جلال (1974)؛ “حتى آخر العمر”، إخراج أشرف فهمي (1975)؛ “العمر لحظة”، إخراج محمد راضي (1978)، أمّا باقي الأفلام السبعة فهي: “الرصاصة لا تزال في جيبي”، إخراج حسام الدين مصطفى (1974)؛ “الوفاء العظيم”، إخراج حلمي رفلة (1974)؛ “أبناء الصمت”، إخراج محمد راضي (1974)؛ “حكايات الغريب”، إخراج إنعام محمد علي (1982).

يظهر من اللائحة المقدمة أعلاه أنّ مجموعة الأفلام -وأنوّه هنا بأنها جزئية، إذ توجد هناك بعض الأفلام الأخرى التي تطرقت إلى حرب أكتوبر لكني لم أتمكن من مشاهدتها وعددها أربعة- أنتجت خلال السنوات الأولى التي تلت الحرب، في فترة كانت دماء الشهداء ما تزال ساخنة، وكانت رهبة الانتصار ما تزال تسري في عروق المصريّين الذين حققوا نصرًا هامًا على عدوّهم الإسرائيلي الذي كان يحتل جزءًا من أرضهم. لكن هل الإسراع إلى إنتاج هذه الأفلام كان منصفًا؟ أم كان متهورًا ومندفعًا خاليًا من أيّ تفاصيل تجعل المشاهد المصري والعربي يشعر بالفخر تجاه ما حققه الجيش المصريّ؟ وهل يمكن لهذه الأفلام أن تكون متقنة وعميقة إلى درجة يزداد فيها نبض القلب وتخفق فيه رايات العروبة، أم أنها سطحيّة ومتوقعة وتهمش كلّ شعور بنشوة الانتصار؟

ربما تكون نشوة الانتصار قد أعمت عيون المصريّين ودفعت بهم، كتابًا ومخرجين ومشاهدين، إلى قبول أفلام سطحيّة. وربما يكون هول النصر قد أخاف المنتجين من إعادة تمثيل الحرب بتفاصيلها كي لا يتم الخوض في تفاصيل من شأنها إحباط بعض من هذه الهالة الوطنية، أم ربما تكون هناك يد من وراء عدم تقديم أفلام تنبض بالكرامة لئلا يدب الحماس في قلب المصري فيجرؤ على المطالبة بما هو أكثر من عبور القناة؟

الفيلم الإسرائيليّ.. حرب حقيقية!

وقبل التطرّق إلى الأفلام المصرية، أود أن أعرّج على أفلامٍ إسرائيليةٍ مثل “كيبور”، إخراج عاموس جيتاي (2000) و”صمت الصافرات”، إخراج أوري عنبار (2003)، وهي افلام دراما حربية تعيش الحرب عن كثب. فالأول يأخذنا إلى مسار حياة جندي منذ لحظة تلقيه أمر التوجّه إلى الجبهة -الجبهة الشمالية مع الجيش السوريّ- حتى عودته إلى أحضان حبيبته. في هذا الفيلم لا نسمع سوى أصوات أزيز الطائرات وإطلاق النار بكلّ أشكالها، لا نرى زيًا مدنيًا إلا في دقائق قليلة، ونعيش أجواء الحرب بنمطها الإسرائيليّ لحظة بلحظة، حيث نرى كيف يتنحى المدنيّون جانبًا لإعطاء حق الأولوية للجنود في الشوارع، وكيف يصل الجنديّ معسكره ويحصل على المعدّات والسلاح ومن ثم يتلقى الأمر للانطلاق نحو ساحة القتال. نرى أعدادًا كبيرة من الجنود المصابين وطائرات الإسعاف تحوم بكثرة، لا نسمع حوارات طويلة ولا ننفك نسمع مصطلحات حربية معقدة!
أمّا فيلم “صمت الصافرات” فهو فيلم مختلف تمامًا، يعاين بدقة تصرفات الساسة والعسكريين الإسرائيليين في الأسبوعين اللذين سبقا الحرب، ونشاهد هناك عمليات صنع القرار في أروقة الحكومة ومكاتب القيادات العسكرية العليا، ونسمع النقاشات ونشاهد كيف يتم التحقيق مع كل هؤلاء بعد فشلهم في الحرب. هذا الفيلم يوجه الانتقاد واللوم للسياسيين والعسكريّين، يحاسبهم ويحاكمهم، وهو أمر لا نراه في الفيلم المصري.

لا شكّ أنّ عسكرة المجتمع الإسرائيلي تترك أثرها في كل مناحي الحياة الثقافية والفنية، لكن أعتقد أن “نصر أكتوبر” يستحق أكثر بكثير من المبدع المصري، ويستحق أن نرى ونشعر بالكمّ الكبير من الفخر والثقة والكرامة التي بثتها هذه الحرب في نفوس المصريين خاصة والعرب عامة.

صامتون هنا!

يمكن اعتبار فيلم “أبناء الصمت” فيلما دراميا حربيا أكثر بكثير من غيره من الأفلام المصريّة. ويتحدّث الفيلم عن حرب الاستنزاف التي تبلغ ذروتها يوم عبور قناة السويس في ملحمة هامّة من أجل الكرامة بعد خسارة 1967. الفيلم يرافق مجموعة جنود في الخندق ويتطرّق إلى حيواتهم الشخصية أيضا، لكن بالمجمل يود الفيلم أن يرينا إلى أيّ مدى كانت القاهرة منقطعة عن جبهة القتال وكانت تمارس حياتها بصورة طبيعيّة، أما في الوقت الذي يقدم فيه الجيش الشهداء فيتحول النصر إلى محور الحياة القاهرية. سينمائيًا، رغم تفوقه على غيره من الأفلام، ما يزال “أبناء الصمت” بعيدًا عن أن يكون منصفًا لنصر أكتوبر.

رمضان جانا وفرحنا به..hatta

فيلم حتى آخر العمر، بطولة محمود عبد العزيز، نجوى إبراهيم وعماد حمدي. الفيلم يتحدّث عن قصة حب وعلاقة زوجين تقوم فيها الزوجة بالتضحية لترافق زوجها الطيّار، أحد أبطال حرب أكتوبر، في رحلته العلاجيّة.. حتى آخر العمر. يبدأ الفيلم وينتهي بالتركيز على العلاقة بين الزوجين وما تشمله من شك في مدى إخلاص الزوجة عند وجود الزوج في المعسكر، والتطرّق إلى حرب أكتوبر -رغم أهميتها وتغييرها مسار حياة الزوجين تمامًا- يقتصر على لقطة من دقائق معدودة لتنفيذ الجنود المصريين عملية “بدر” وعبور قناة السويس، ومن ثم مقطع يصوّر لنا إحدى عمليات سلاح الجوّ التي تهدف بالأساس لتوضيح كيفية إصابة الطيار وتعرضه للشلل ليس أكثر.

إنّ أحد الامور المثيرة للاهتمام في الفيلم، ويمكن اعتبارها هفوة، هو تناول الناس للطعام والشراب، وزيارتهم للنادي وممارستهم ركوب الخيل في فترة الحرب والتي تزامنت مع شهر رمضان، فهل فعلًا لم يكن هناك اهتمام بالشهر الأهم في التقويم الإسلامي لدى الطبقة الأرستقراطيّة من الشعب المصري؟ أم هي فعلا هفوة؟ أم هو عدم نضوج البحث الذي أُعِدّ قبل كتابة السيناريو؟

الحُب الحُب…bdoor

فيلم بدور، بطولة نجلاء فتحي ومحمود ياسين ومجدي وهبة، وهو يتحدّث عن مثلث حب، يجمع سارقًا وسارقة وعاملا في الصرف الصحي. إذ يتعرف عامل الصرف الصحي “صابر” على السارقة بدور التي تتطفل عليه في بيته فيضطرّ لتقديمها لأهل حارته على أنها ابنة عمه، وعندها تقرر بدور التوبة. لكن “ميمو” أحد أفراد عصابة السارقين الذي يحبّ بدور يشي بحقيقتها لأهل الحارة كي تضطر للعودة “للكار”.

في تلك الفترة تنشب حرب أكتوبر ويتم النصر والعبور، وكما في فيلم هندي متوقع مسبقًا يلتقي صابر وميمو في المعركة ويتبادلان نظرات يعبّر خلالها ميمو عن تنازله عن حبّ بدور من أجل صابر، الذي يعود من المعركة مصابًا ويتزوج بدور، فيما يستشهد ميمو ليتوب بذلك عن خطاياه إلى الأبد وبأفضل صورة!

مرّة أخرى يقدّم لنا الفيلم حيلة لينتصر الحب؛ فاستشهاد ميمو يأتي لينهي حرب الرجلين على قلب بدور الحسناء، ولا نعيش حرب أكتوبر الا من خلال لقطات تصور العبور كتلك التي رأيناها في نشرات الأخبار والأفلام الوثائقية، وحتى لقاء صابر وميمو في الميدان لا يصاحبه أيّ حوار، ولا نسمع فيه سوى صوت الطائرات وإطلاق النار.
وعلى عكس الفيلم السابق، يتطرّق هذا الفيلم إلى تزامن رمضان مع الحرب، من خلال الحياة اليومية للناس الشعبيين الذين يجالسون المذياع مترقبين تطورات الحرب إلى أن يضرب المدفع ليجيز الإفطار.

بالكعب العالي في ساحة القتال!elomr

فيلم العمر لحظة من بطولة ماجدة وأحمد مظهر، يعود بنا إلى نكسة 1967 ويمضي نحو اكتوبر 1973، بطلته الصحافية نعمت التي تعاني مشاكلَ زوجية. تخرج نعمت إلى اجراء مقابلة مع احد الجنود في المشفى فتجمعها الاقدار بالضابط المصاب محمود، وهو أيضا يعاني مشاكلَ زوجية. فهل هناك ما هو أنسب من هذا الظرف لتولد علاقة حب؟

نعمت تتطوّع لخدمة المقاتلين فتنقل رسائلهم إلى عائلاتهم وتنشر مقالات حول مشاكلهم، ثم تقرّر السفر إلى جبهة القتال لرفع معنويات المقاتلين وتغطية مجريات حرب الاستنزاف حتى نشوب حرب أكتوبر التي يستشهد فيها عدد من الجنود الذين عرفتهم.
بالطبع تحظى علاقة الحب بين نعمت ومحمود بالاستمرار والتطور، ولكن هفوة الفيلم تتمثل في مدى سهولة تنقل الصحافية -بالكعب العالي والتسريحة الأنيقة- بين حطام البيوت التي قصفها العدو الاسرائيليّ، وبين مآسي الحرب- خاصة موقع مجزرة مدرسة “بحر البقر”، ومشاركتها الجنود حياتهم في المعسكر بما في الامر من الرقص معهم على انغام الاغاني الشعبية، وكأنها تأتي بثقافة قضاء الوقت من قلب ليل القاهرة إلى ظهيرة صحراء سيناء القائظة!

إنّ المقطع الوحيد المثير للمشاعر، والذي يجعل المشاهد يعيش الحرب بمآسيها وويلاتها، هو ذاك الذي نرى فيه مدرسة “بحر البقر” وأطفالها الشهداء وفي الخلفية نستمع إلى أغنية “يا بلادي يا بلادي”.

إنّ الكمّ الجيد من الأفلام المصرية التي تتعلق بصورة أو أخرى بحرب أكتوبر ليس بالقليل، لكنه لم يكن منصفًا حقًا. لكن الأمل في كون المجال مفتوحًا أمام إنتاجات جديدة عن الحرب. ربما آن الأوان لاستثمار القدرات والتقنيات والأفكار الجديدة لإنتاج فيلم ينصف الجندي المصريّ، سواءً أشهيدًا كان أم جريحًا أم شاهدًا على نصر لا زلنا نتغنى به إلى يوم أعلن فيه نصرٌ جديد عام 2006 في الجبهة الشمالية.

(شكر خاص للصديق إبراهيم واكد على ملاحظاته قبل النشر)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>