مهرجان النحت في الصخر- دالية الكرمل: انطباعات ومشاهد/ روضة غنايم
. |روضة غنايم| تلقيت دعوة من صديقي الفنان احمد كنعان لز […]
مهرجان النحت في الصخر- دالية الكرمل: انطباعات ومشاهد/ روضة غنايم
.
|روضة غنايم|
تلقيت دعوة من صديقي الفنان احمد كنعان لزيارة مهرجان “النحت في الصخر” في قرية دالية الكرمل في ساحة المركز الثقافي البلدي. كان يوما خريفيا جميلا ولطيفا جدا. قدت سيارتي من حيفا باتجاه الكرمل حيث اعشق هذه الجبال. ومنظر ومنحدرات الكرمل الخلابة. في طريقي إلى المهرجان بدأ ذهني بتخيل المنحوتات. دار حوار بيني وبين روحي العاشقة للفن الجميل. ماذا نحت كل من هؤلاء الفنانين الذين تركوا بيوتهم لمدة أسبوع من الزمن ليعيشوا مع صخرة جامدة؟ كيف ستبدو المنحوتات؟ أفكار وتخيلات وأحاسيس جميلة أخرى.
عندما وصلت موقع المهرجان رأيت سبع صخرات تبعد كل منها مسافة قصيرة عن شقيقتها متربعات بين أيدي الفنانين، مستسلمات لأناملهم السحرية الموهوبة. تجولت بينهم أراقب دقة عملهم وانسجامهم معها. اعتقدت أنني سأزورهم لمدة ساعة أو ساعتين لكن شيئا ما شدني حتى المساء لأعود في اليوم التالي بكامل نهاره. ربما.. ما شدني هو الروح المتربعة بجسد كل فنان والحجر المتفاعل مع هذه الروح المتواصلة معه برهافة وحنين الأم.
راقبت كل واحد منهم كيف ينسجم مع منحوتته وتخيلت حواره معها. سبعة فنانين تسكن أرواحهم الإنسانية والحساسية الجميلة يعملون كفريق متكامل يتعاونون ويساعد كل واحد منهم الآخر. مثقفين واعين يحملون رسالة إنسانية وفنية وتربوية وفي النهاية ينفصل كل فنان تاركا بصمته الخاصة به.
عن فكرة وأهمية المهرجان حدثني منظمه الفنان جمال حسن قال: “هذا هو المهرجان الثاني في قرية دالية الكرمل. للمهرجان هدفان الأول فني والثاني تربوي. من خلال هذه المهرجانات نسعى لتحسين وتزيين مداخل وحارات القرى العربية في البلاد من ناحية أخرى نسعى لرفع الوعي لمفهوم الفن الصخري لدى الناس. أما عن الهدف التربوي أسعى دائما بدعوة طلاب المدارس لزيارتنا لنفعلهم معنا ولنعمق تواصلهم مع الأرض والبيئة المحيطة بهم لحب طبيعة وطننا الجميل”.
“شخصيا تأثرت جدا من طلاب قرية حرفيش عندما زاروا المهرجان حيث اخذ الطلاب معهم شقف الصخر للبيت وهذا يدل على أن الطالب بدا يفهم ويقدر قيمة الصخر”.
قصص ورمزية المنحوتات
“إيحاء من روح فريد الأطرش“- اسم أطلقة الفنان عوني حلبي ابن دالية الكرمل على منحوتته الصخرية. نحتها بإنسانية وشغف ليعبر من خلالها عن حبه وتأثره بالموسيقار فريد الأطرش. عندما كان عوني يبلغ 12 عامًا، كان يشاهد فريد الأطرش على شاشة التلفاز. تأثر عوني الطفل بموسيقى فريد الحزينة. أحب سماع العود ونغمات الشجن. شدته تعبير وجه فريد الكئيبة. من حينها بدأت رحلة الطفل البحثية لمعرفة ماهية الإنسان الذي يقف من وراء العود.
يقول عوني: “عرفت أن فريدا عاش حياة خشنة وذاق جميع أنواع القهر، اذكر حتى ألان كيف وقف وغنى أغنية (الوداع) قبل قيامة بعملية القلب كأنه لن يعود. عاش فريد بربع قلب وأبدع هذا الرجل العصامي المتواضع والمعطاء الذي بنى نفسه بنفسه. تأثرت أيضا بمشهد من حياة فريد عندما قال له أخوه فؤاد في أول مشواره الفني: بدك توقف أمام أم كلثوم وعبد الوهاب؟.. أجابه فريد: لا أريد أن أقف أمامهم أنا مؤمن بقدراتي”.
لعوني علاقة حب استثنائية مع هذا الفنان، حيث في كل عام بتاريخ 26.12 وهو يوم ذكرى رحيل فريد يأخذ عوني يوم إجازة من العمل حيث يتابع الإذاعات بما تبثه عن فريد ويقوم بتسجيلها.. وعن ذلك يقول عوني: “لا أعمل في هذا اليوم تقديرا لروح ذلك العملاق”.
“الأمومة“- اسم أطلقة الفنان سليمان طربية ابن قرية مجدل شمس المحتلة في الجولان السوري على منحوتته الصخرية. حيث تأثر سليمان بحريق الكرمل الذي أكل الأخضر واليابس قبل عام ليترك وراءه جرحا وألما. تألم وبكى على الطبيعة المحترقة، وعن منحوتته يقول: “صخرتي عليها بقع سوداء من آثار الحريق.. إيحائي لمنحوتتي جاء من تخيلي للموت البطيء في جبال ومنحدرات الكرمل والصراع ما قبل لحظات الموت الحتمية من الإنسان والفطريات والحيوانات والزواحف. نحت ثلاثة زواحف برفقة أمهم وهم يهربون من الموت وما جعلني أتعاطف مع الزواحف أن هروبها بطيء”.
“عناق” أو “احتضان“- اسم أطلقة الفنان احمد كنعان ابن مدينة طمرة الجليلية على منحوتته الصخرية. يقول أحمد: “عندما اخترت الصخرة رأيت بها شيئا. بدأت بتنظيف واجهتها من دون أي فكرة أولية. دائما أقوم برسم نموذج قبل نحتي. لكن هذه المرة كانت مغامرة بيني وبين الصخرة. حاولت إخراج من الصخرة ما تريد هي أن تعطيني! عملت بشكل تلقائي.. التماثيل التلقائية التي تخرج من داخلي تختلف عن التماثيل المخططة وعن تماثيل الحضارات والسياسة. تمثالي هو عبارة عن عناق- احتضان دون رموز واضحة. هو عبارة عن علاقة بين جسمين وحدة تعبر عن حالة انسجام. وهذه أول مرة اعمل تمثالا ملسا. الحجر أغراني كلما أملس أكثر تظهر الألوان الحقيقية للحجر وهكذا بدأت بشكل تدريجي العيش مع الصخرة، وبالنهاية خرج تمثال فيه تكوين مسطحات وخطوط واضحة هو عمل تجريدي”.
“مسار الحياة”- هي منحوتة الفنان حكمت خريس ابن قرية المغار.. بدا في النحت بشكل واقعي وطبيعي. تغيرت فكرته الأولى حسب تفاعل وليونة الصخرة معه، حيث تحولت من جماد لشيء مرن بين أنامله. وعن ذلك يقول: “أطلقت على منحوتتي اسم مسار الحياة، موضوع الزمن كم هو مهم لنا كبشر ولا أي إنسان بحب أن يموت. لكل إنسان بداية ونهاية منحوته إنسانية عالمية يشعر بها الجميع طريقة التعبير في النحت غير عن الرسم. الرسم مسطح وغير مجسم والألوان به مهمة أما الصخرة مادة واحدة ولون واحد. منحوتتي مبنية على كتلة وفراغ”.
“حجر الحياة”- اسم منحوتة الفنان روعي جفعاتي من كفار سابا منحوته مؤثرة جدا وسيرورة عملها أيضا مؤثر. وعنها يقول روعي: “بدأت انحت بفكرة وباليوم الثالث ظهرت فكرة أخرى. كأنها أتت من السماء!! اندهشت عندما تساقطت على مدار ثلاثة الأيام الأولى شقف. أي في كل يوم سقطت شقفة من الصخرة من الأعلى وجانبيها لتكشف عن عمق الصخرة ليتضح لي طفل بداخلها وحينها أدركت الفكرة التي وجهتني صخرتي لعملها. حيث تأثرت بما أوحته لي لأنني قبل شهر رزقت بطفل. فبدأت انحت الجنين المتصل بالحبل السري”.
“من جوا لبرا”- اسم منحوتة الفنان هاني خطيب ابن قرية يانوح، منحوتته عبارة عن عمل رابع من سلسلة أعمال سابقة قام بعملها بعنوان “من جوا لبرا”، وتعبر عن الصراع الداخلي للإنسان بينه وبين نفسه. وبين الأشياء التي تجول بداخلة ويمتنع من إخراجها خوفا من إساءة فهمه لدى الآخر. وصراع الإنسان أحيانا مع الغموض الموجود في الروح لأنها شيء غير مرئي وغير محسوس!
“ورقة دوالي اسم“- منحوتة الفنان جمال حسن ابن قرية جولس. قام الفنان جمال بإهداء القرية منحوته ترمز لما تتميز به هذه البلدة الجميلة من أشجار الدوالي وكروم العنب.
(حيفا)