ننهض بعطائنا ونتجاوز الحدود إلى فضاء العالم / سلمان ناطور وجعفر فرح
هذه هي رسالتنا الحضارية الثقافية الوطنية في هذا اليوم الدراسي، إلى أنفسنا أولًّا، وإلى شعبنا وأمتنا العربية، وإلى العالم، كل العالم.
|سلمان ناطور وجعفر فرح|
رسالتنا الثقافية في اليوم الدراسي المقبل- النّاصرة 15.11.2013.
.
اختراق الحصار
هناك من يحاول حصر الثقافة الفلسطينية العربية المحلية في حدود الـ 1967، على الرغم من أن الثقافة عمومًا لا حدود لها، وهي من أهم آليات الحوار مع الشعوب الأخرى. تمكنت الثقافة المحلية من اختراق هذا الحصار بفعل مجهود فردي ومؤسساتي كبير، خصوصًا بعد سقوط الحكم العسكري، ومساهمة الأطر الحزبية في اختراق حصار المثقف الفلسطيني المحلي، وإعطائه فرص المشاركة والمساهمة والتعلم في دول المنظومة الاشتراكية سابقًا، والتي دعمت أيضًا طباعة الكتب، وتدريب سينمائيين وفنانين، ومنح كتاب فلسطينيين المنصات العالمية من خلال مهرجانات عالمية؛ وساهمت صحف مثل “الاتحاد” ومجلة “الجديد” ومنصات أدبية مختلفة في كشف الثقافة الفلسطينية المحلية عربيًّا، وإسرائيليًّا، ودوليًّا.
وكان لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات الحركة الوطنية الفلسطينية والأحزاب الشيوعية العربية ومنابرها الثقافية، دور كبير في اختراق الحصار، ونشأت في الثمانينيات مؤسسات ثقافية بدعم من “صندوق القدس”، مثل: المؤسسة الشعبية للفنون، و”عربسك” ، وجمعية الصوت، ومؤسسة الأسوار العكية، والتي منها ما توقف عن العمل، ومنها ما يواصل النشاط إلى اليوم. وأنشئت منذ بداية التسعينات حتى اليوم عشرات المؤسسات الثقافية، وفي كافة المجالات الإبداعية، والفكرية، والتراثية.
حالة ارتباك
طورت وزارة الثقافة الفلسطينية بعد إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1993، ومؤسسات مثل “القطان” و”التعاون”، بعض مشاريع الثقافة والهوية مع جمعيات الثقافة الفلسطينية في الداخل، ورغم أن المؤسسات الفلسطينية جميعها ترى وتعلن رسميًّا أن دعم الثقافة الفلسطينية في الداخل هو هدف استراتيجي، إلا أنها لا تقدم الدعم بهذا المستوى من الاعتبار، الأمر الذي أدى بالمؤسسات المعتمدة فقط على هذا الدعم إلى الغوص في أزمة مالية خانقة شلت عمل بعض المؤسسات.
بعد أوسلو، تنافست الدول العربية على دعوة المثقفين الفلسطينيين والمؤسسات الثقافية الفلسطينية إلى بعض مهرجاناتها، حيث فتحت الأردن، وتونس، والمغرب، ومصر أبوابها لاستقبال الثقافة الفلسطينية المحلية؛ بدأت هذه الدول تتراجع عن استقبال وفود الثقافة منذ بدء الانتفاضة الثانية، وأساسًا بسبب حملات المقاطعة الثقافية ومناهضة التطبيع الثقافي مع الكيان الإسرائيلي، وكان من ضحاياها، بغير حق، في كثير من المواقع العربية، مبدعونا وثقافتنا الوطنية في الداخل.
تتدفق بعض الأموال في السنوات الأخيرة لدعم المشهد الثقافي المحلي من بعض دول الخليج العربي، لكن لأوساط محدودة.
بشكل عام، لا يزال العالم العربي يحدد وصول الإبداع الفني والأدبي الفلسطيني المحلي، حتى الفضائيات العربية، وخاصة الخليجية، لا تعرض على شاشاتها أفلامًا فلسطينية ولا أغنيات، ولا تتابع بشكل منتظم نتاجنا الثقافي.
جبهة نضال
وأما على المحور الإسرائيلي، فللمثقف الفلسطيني دور هام واستراتيجي في اختراق الثقافة الإسرائيلية وتقديم روايته ورواية شعبه وإبداعه الشخصي، فنحن في الخط الأمامي بمواجهة يومية للفكر الصهيوني والهيمنة الثقافية، وقد تُرْجِمَ عدد من كتب أدباء فلسطينيين للغة العبرية بمبادرات شخصية، ويمكن الجزم أن دور النشر الإسرائيلية تتحفظ من نشر الأدب العربي المحلي بحجة انعدام الأسواق، أو أنها “ملتزمة”، وقد باءت بالفشل محاولة “دار الأندلس” التي ترجمت عددًا من الأدباء الفلسطينيين إلى اللغة العبرية وأغلقت أبوابها. وفي مجالات المسرح والسينما والموسيقى والرياضة أيضًا، تألق مبدعون فلسطينيون بظهورهم الفني باللغة العبرية وعلى المسارح العبرية وشاشات السينما والتلفزيون، لكن في حدود هيمنة قوى الإنتاج الإسرائيلية اليهودية، الأمر الذي أدى إلى صراعات وانتهى بتوقف عدد من هؤلاء المبدعين أو مقاطعة المؤسسة الفنية لهم، عقابًا على مواقفهم الوطنية ضد الاحتلال والتمييز العنصري.
في مجال الفنون التشكيلية، هناك تحديات كثيرة تعترض الفنان الفلسطيني، في أساسها غياب الدعم لإقامة معارض وصالات عرض عربية تحتضن هؤلاء، وهي تعمل بمبادرات شخصية غير ممولة، ولا تستطيع أن تقدم الخدمة اللازمة للفنان كي يتواصل مع جمهور متلق لفنه. من ناحية أخرى، قليلة هي الحالات التي اخترق فيها فنان فلسطيني الفضاء الإسرائيلي اليهودي وعرض أعماله في صالات كبيرة ومتاحف. إن غياب حركة نقدية للعمل الفني، وكذلك صحافة ثقافية وتوثيقية، يضعف الحركة الفنية التشكيلية لعدم متابعتها وعدم مساعدتها في الوصول إلى العالم الأوسع.
يمكننا الجزم أن المثقف الفلسطيني لا يستطيع أن يعتاش من الثقافة؛ طباعة الكتاب وتوزيعه يكونان من ماله الشخصي، ودور النشر المحلية تعاني أزمة قراءة وتوزيع، إذ أصبحت تستثمر في الكتب المدرسية، وكتب الأطفال، وكتب الطبيخ، والتنجيم، والأبراج، بدلا من الكتاب الأدبي الإبداعي، نثرًا وشعرًا.
مشاركة المثقف الفلسطيني في الحوار مع ثقافات العالم أصبح فرديًّا، وانهار العمل المؤسساتي، خصوصًا بعد انهيار العالم الاشتراكي؛ بذلت الخارجية الإسرائيلية جهودًا كبيرة لاستغلال الثقافة الفلسطينية، لكن غالبية المثقفين والمؤسسات الثقافية رفضت أن تظهر ضمن المشروع الثقافي الإسرائيلي.
اقتراحات مستقبلية
يمكننا النهوض بالوضع الثقافي الفلسطيني المحلي من خلال تنظيم هذا القطاع وإعطائه الأولوية المطلوبة؛ نعمل حاليًّا على مأسسة عملية تنسيق بين المثقفين والمؤسسات الثقافية من خلال إقامة الأطر المهنية والشبكات المطلوبة، فقد جرى تأسيس منتدى جمعيات الثقافة العربية، ومن المخطط تأسيس هيئة عليا للثقافة الفلسطينية في الداخل، وتعمل المؤسسات الناشطة على تنسيق الجهود مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية والأهلية.
تتحمل المؤسسات الفلسطينية، وخصوصًا السلطة الوطنية، مسؤولية دمج الثقافة في الداخل ضمن الحوار الثقافي مع العالم، وتتحمل مؤسسات الثقافة الفلسطينية في الداخل مسؤولية تقديم نتاجها الإبداعي في الوطن والشتات.
تتحمل القوى الحزبية الفلسطينية في الداخل مسؤولية قيادة الحوار مع الأنظمة والمؤسسات العربية بما يتعلق بمشاركة الثقافة الفلسطينية في المشهد الثقافي العربي الإقليمي، وهذا يعني أن تضع هذه الأحزاب الثقافة على رأس سلم أولوياتها.
بدافع المواطنة وما ندفعه من ضرائب، يحق لنا تحصيل الميزانيات من وزارة الثقافة الإسرائيلية، وهذه معركة علينا أن نخوضها أسوة بكل معاركنا من أجل المساواة والديمقراطية ومكافحة التمييز العنصري، وغيرها.
لثقافتنا دور استراتيجي هام في التأثير على الرأي العام اليهودي وتغيير أنماط التفكير العنصري تجاه المجتمع الفلسطيني، والشعب الفلسطيني، والمنطقة العربية والإسلامية.
مشاركة الفنان الفلسطيني في صناعة ثقافة تساهم في تغيير المفاهيم السائدة هي مهمة استراتيجية يجب عدم التنازل عنها، يتوجب على المؤسسات السياسية والحقوقية ضمان الدعم للمثقف الفلسطيني العامل على تغيير النهج النمطي والعنصري في المشهد الثقافي الإسرائيلي، يجب منح الاعتبار لهذا الدور السياسي ودعمه، والتصدي لمحاولات دمغه بتهمة التطبيع.
من جهة ثانية، يتحمل المثقف الفلسطيني المحلي مسؤولية عدم تبييض صفحة الاحتلال، وعدم المشاركة في نشاطات ثقافية دولية ومحلية تمنح شرعية للعنصرية والاحتلال.
يتطلب الحوار مع حضارات العالم نتاجًا ذا مستوًى وجودة عاليين، ويتطلب أن نطور آلية عمل مهنية تسهل التواصل مع العالم، وتقدم الخدمات المهنية المطلوبة للتشبيك معه على مستوى الغناء والموسيقي، والمسرح، والفن التشكيلي، والتلفزيون، والأدب.
يتطلب الحوار مع العالم إيجاد الكفاءات التي تدمج بين الفن وتجنيد الموارد والعلاقات الدولية، يجب تجنيد الموارد لتوظيف منسق قطري للعلاقات الدولية للثقافة العربية.
علينا التأكيد على أن الحوار الثقافي يجب ألا يقتصر على الحوار مع الثقافات العربية والأوروبية والأمريكية فقط، بل يجب أن تصل ثقافتنا إلى الهند، وتركيا، وروسيا، وأفريقيا، وجنوب أمريكا، وهذه مهمة مركزية علينا إعطاؤها الاهتمام المطلوب، ونتوجه إلى الجاليات الفلسطينية في كل أنحاء العالم لتكون عنوانًا لمبدعينا ومضيفًا لهم في الدول التي يعيشون بها، لكي تكون وحدة الثقافة الفلسطينية حقيقية ومتمكنة بحضور أحد أهم أركانها: الثقافة القادمة من الجليل، والكرمل، والمثلث، والنقب.
هذه هي رسالتنا الحضارية الثقافية الوطنية في هذا اليوم الدراسي، إلى أنفسنا أولًّا، وإلى شعبنا وأمتنا العربية، وإلى العالم، كل العالم.
.
(مشروع الثقافة الفلسطينية – حقوق وفضاءات في مركز “مساواة”، لتعزيز مكانة الثقافة الفلسطينية في البلاد والخارج؛ بدأ عام 2012 وينظم هذا اليوم الدراسي ضمن سلسلة أيام وطاولات مستديرة حول الثقافة الفلسطينية. جعفر فرح- مدير مركز “مساواة”؛ وسلمان ناطور – مدير مشروع الثّقافة الفلسطينيّة.)