غداً يرنّ المنبّه من جديد/ محمد الشيخ يوسف
ما معنى أن تخاف، فيما غيرك مُقطع ومبعثر في الشارع وعلى الجدران؟ ما معنى أن تخاف وغيرك فقد بيته؟ ما معنى أن تخاف وغيرك فقد قدماً أو يداً أو كلاهما؟ ما معنى أن تخاف وأنت كامل الجسد بين عائلة كاملة العدد؟
>
|محمد الشيخ يوسف|
كل ما أذكره من عدوان 2012 هو كلام “أسوم”، أختي الصغيرة، بعد إعلان الاتفاق على الهدنة: “هَيْني ربطت المُنبه على الساعة تسعة بالزبط، أول ما يرن بتخلص الحرب”.
أسوم التي تكره ساعة المنبّه، وتغلقه في كلّ صباح لتكسب خمس دقائق إضافية من النوم قبل الذهاب إلى المدرسة؛ ها هو المنبه: أعظم حدثٍ في حياتها بأن يرنّ وتغلقه لتكسب عمراً إضافياً لتحيا.
هذه الحرب الرابعة خلال السنوات العشر الماضية، وأسوم لم تكمل الثانية عشرة من عمرها بعد. ماذا تفعلين الآن يا حبيبتي؟
في اتصال سريع، وسريع لأنني لا أحتمل إصرار أمي على أن أكون مطمئناً، “اطّمن هينا عايشين”. أحياء يا أمي، هذا فقط معنى الطمأنينة؟ في نفس الاتصال تقول لي أسوم: “أنا أصلاً مش خايفة، عادي حتى لو خفنا شوي، مهي الناس بتموت، إحنا أحسن من غيرنا؟”، وهكذا تحرمُ من حقكَ في الخوف. ما معنى أن تخاف، فيما غيرك مُقطع ومبعثر في الشارع وعلى الجدران؟ ما معنى أن تخاف وغيرك فقد بيته؟ ما معنى أن تخاف وغيرك فقد قدماً أو يداً أو كلاهما؟ ما معنى أن تخاف وأنت كامل الجسد بين عائلة كاملة العدد، وهكذا تصبح مضطراً لأن تُخفي خوفكَ، لأنه لا يليق بالمشهد، وبكل هذا الموت.
إلا أننا نخاف، لا بل نشعر بالرعب: والرعب، هو أن يذهب برهوم -سبع سنوات- إلى الحمام مع مرافقين من العائلة كي يشعر بالأمان وهو يدير ظهره ليقضي حاجته، وأن تضع سماعات الأذن كي لا تسمع طائرة الاستطلاع “الزنانة” لتنام عشر دقائق إلى أن تسقط القذيقة المقبلة بجانبك، وأن ترفع الشبابيك الزجاجية من مكانها كي لا تصاب بشظايا الزجاج، وأن يجلس الجميع بجوار بعضهم أمام التلفاز ليشاهدوا ما يحدث بهم، وأن يتنازل الأب عن بعض سلطاته: “دخّن هان، بس ما توقف ع الشباك”، وأن تحضر حقائبك لا للسفر بل للإخلاء. حقائب خفيفة، خفيفة جداً بمقدار الخمس دقائق التي يسمح لك فيها أن تركض، وأن تطبخ على الأرض خوفاً من أيّ صاروخ يمكن أن يهزّ البيت ويلقي بالطناجر عالياً لئلا يحترق أحد؛ وأن تبكي تحت الغطاء كي لا ينتبه أحد. أن يبكي الجميع تحت الغطاء كي لا ينتبه أحد. وأن تنام وتصحو بملابس تغطي جسدك كاملاً في صيف حار كي لا يخرجوك شبه عارٍ من تحت الركام.
الرعب هو أن يربكك الهدوء لأنّ من بعده عاصفة دائمًا!
وأن تعدّ الاحتمالات وأنت تسمع صوت الصاروخ يمرُ من فوقك، بيتنا، جاري، عمي، أختي، حبيبتي، أرض فارغة/ الحمد لله. أو أن تنزل درج البيت بلا حذاء وتركض وتركض بأقدام من خيزران مثقوبة ودامية إلى أن يخفّ الصدى، ثم تنظر حولك فتجدك واحدًا، فيما تفرقت العائلة وهي تركض كأنها القيامة. واحداً تقف وتنتظر أن تلتقي بهم إما أمام الله أو على الرصيف، وحيداً تركض نحو النجاة، ويا وحدك يا حافي القدمين!
الرعب هو أن تكون أقصى احتمالات كلمة “بخير” أنك ما زلت حياً، إلا أنك تنتظر تنتظر …
ثم فجأة تبدأ بالتنازل عن شروطك في الحياة: أن يقصف البيت ونحن خارجه، نريد تحذيراً على الأقل؛ أن تكون الإصابة خفيفة دون بتر؛ ألا يدمر البيت كلياً، جزء منه يكفي؛ أن نأخذ أوراقنا الثبوتيّة على الأقل؛ ألا يتبول أحد الصغار على الدرج فيما نحن هاربون: “نريد أن نظهر أقوياء أمام الجميع”؛ أن نجد مكاناً ننام فيه؛ حسناً إذا متنا أن نموت معاً، سوياً، نعم دون أن أبقى وحيداً دونهم.
أسوم حبيبتي غداً يرنّ المنبّه من جديد وتنتهي الحرب. لكن بعدها لا تسألي لمن كلّ هذه المقاعد الشاغرة.
23 يوليو 2014
صفاءممكن تلاقي النسخة الإنجليزية على صفحتي على الفايس بوكhttps://www.facebook.com/mohmed88/posts/813821695303697وأتمنى لو وجدت من يترجمه للعبريةتحيتي
22 يوليو 2014
روعه..سؤال هل توجد نسخه مترجمه للانجليزي او العبري؟ كنت ارغب بنشرها بعد اذنكم..