“اللّغة والمكان-بين المعجم والتّسميات الرّائجة”
المؤتمر ثمرة دراسات وأبحاث واسعة قام بها المجمع ولجنة التّسميات المنبثقة عنه، بهدف تأسيس “بنك التّسميات”، الذي يوفر لمختلف المؤسسات العلميّة والمراكز الثقافيّة وكافة المعنيين، أسماء عربيّة للمواقع والمعالم والشّوارع في الحيّز العام وفي بلداتنا العربيّة
.
|خدمة إخبارية-من: سيمون عيلوطي|
تحت هذا العنوان، عقد مجمع اللغة العربية مؤخرًا مؤتمره الذي افتتح به نشاطه لهذه السنة، والذي كان ثمرة دراسات وأبحاث واسعة قام بها المجمع ولجنة التّسميات المنبثقة عنه، بهدف تأسيس “بنك التّسميات”، الذي يوفر لمختلف المؤسسات العلميّة والمراكز الثقافيّة وكافة المعنيين، أسماء عربيّة للمواقع والمعالم والشّوارع في الحيّز العام وفي بلداتنا العربيّة.
عُقد المؤتمر في قاعة مدرسة النّهضة الأهلية في كفر قرع وحضره جمهور واسع، برز من بينهم نخبة من رجال الفكر والعلم والثقافة والأدب. تولّت عرافة المؤتمر، المركّزة العلمية في المجمع، الدكتورة كلارا سروجي- شجراوي، وكان أول المتحدّثين رئيس مجلس محلّي البلدة المضيفة، حسن عثامنة، الذي أعرب عن تقديره لدور المجمع والمؤتمر وتحدّث عن أهميّة إعلاء شأن اللغة العربيّة.
إفتتح المؤتمر بروفيسور محمود غنايم، رئيس المجمع، بكلمة جاء فيها: “قبل أيام وفي 21/3 احتفلنا بمرور سبعة أعوام على تأسيس المجمع، المؤسّسة العليا للّغة العربيّة في البلاد، والتي تحوّلت في ذلك التاريخ عام 2007 إلى مؤسسة دستوريّة أسوة بمجمع اللّغة العبريّة في إسرائيل، وقد كان تأسيسه إنجازًا كبيرًا على مستوى الجماهير العربيّة في إسرائيل، تحقق بعد أكثر من خمسين عامًا من قيام صِنوه المجمع العبري، وهو يشكّل علامة مفصليّة في تاريخ نضالنا للحفاظ على لغتنا وهويّتنا، ولنقل هذه اللّغة إلى الأجيال الشّابة”، وأضاف: “في هذه المناسبة نزفّ لكم خبر انتقال مكاتب المجمع إلى مدينة الناصرة لنكون أقرب إلى التّجمع العربيّ في الجّليل والمرج والمثلّث”.
ثمّ جرت وقائع المؤتمر التي توزّعت على جلستيْن، الأولى: ترأسّها وأدارها، د. محمود أبو فنّة، وتحدّث فيها بروفيسور مناحم ميلسون من الجامعة العبريّة في القدس، ود. نزيه قسيس من الكليّة الأكاديميّة العربيّة للتربية في حيفا. وكانت محاضرة البروفيسور “ميلسون” حول ظاهرتي “الجذر الرّباعي والنّسبة قديمًا وحديثًا”، وجاء فيها: “نلاحظ في النصوص الحديثة توسُّعا في استعمال كلمات مشتقة من جذر رباعيّ للتعبير عن مفاهيم استجدّت في حياتنا المعاصرة، منها كلمات من أصل أعجمي كـ: تلفن، أمركة، أدلجة، ومنها من أصل عربي كـ علمنة، عولمة، خصخصة. ويلاحَظ أنّ هذا الاستعمال الحديث يتبع نهجا عربيّا أصيلا في اللغة العربية الكلاسيكيّة حيث نجد كلمات مثل: تتلمذ وتفلسف وتمندل. الظاهرة الثانية، فقد عرّفها بروفيسور ميلسون بأنها استخدام ياء النسبة لخلق أسماء وصفات جديدة مع تجاوز القواعد القديمة للنسبة، مثل قومويّ من القوميّ (أو القوميّة)، إسلامويّ من إسلاميّ وشعبويّ من شعبيّ إلخ….”
أمّا المحاضرة الثانية في نفس الجلسة فقد كانت بعنوان: “ظاهرة انتشار الألفاظ الأجنبيّة في وسائل الإعلام العربيّة المحليّة: دراسة معجميّة تأثيليّة”، قدّمها الدكتور نزيه قسيس، وهي دراسة تقوم برصد ظاهرة استعمال ألفاظ أجنبية في المواقع الإلكترونية والصحافة العربية المحلية التالية: بانيت من مجموعة بانوراما، موقع صحيفة كل العرب، موقع صحيفة الصنارة، موقع صحيفة فصل المقال، موقع صحيفة الاتحاد والجبهة، وموقع الموقد الثقافي. تمّ اختيار الألفاظ من مقالات وإعلانات وأسماء محلات ومؤسّسات عامة متنوّعة في البلاد”.
بيّن المحاضر “الميزة المشتركة بين الألفاظ المختارة هي أنها مكتوبة بطريقة “النقحرة الصوتية”، أي النقل الصوتي للألفاظ الأجنبية وكتابتها بأحرف عربية. تعود هذه الألفاظ إلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية، وقد دخلت العربية إما عن طريق الاتصال المباشر مع هذه اللغات أو غير المباشر، عن طريق اللغة العبرية.. وتوصي الدراسة بجمع الألفاظ التي أصبحت مشتركة بين العربية واللغات الأجنبية من كافة المجالات وحيثما وُجدت وإصدارها في معجم تأثيليّ يعالج أصولها وتطوّر شكلها وإعطاء معانيها المقابلة بالعربية، ليكون مرجعا للطلاب والمعلمين والباحثين وكل محبي اللغات وتفاعلاتها”.
بعدها عُقدت الجلسة الثانية التي ترأسها د. عبد الرّحمن مرعي وشارك فيها بروفيسور مصطفى كبها من الجامعة المفتوحة، والدكتور عامر دهامشة من الكليّة الأكاديميّة العربيّة للتربية في حيفا وجامعة تل-أبيب، مركز مينيرفا ومعهد كوهن.
ناقش بروفيسور كبها في محاضرته، التي جاءت تحت عنوان: “التسميات الفلسطينية وعلاقتها بالحيّز المكاني”، موضوع التسميات العربية الفلسطينية للأماكن، من خلال عرض تحليليّ للسياقات والظروف التي أطلقت فيها التسميات، والسياسات التي تقف من ورائها، إن كان ذلك على المستوى الأيديولوجي – السياسي، أو على المستوى الاجتماعيّ العام. وقد تضمّن العرض مقارنة بين التسميات العبرية والعربية، وإشارة إلى مساهمة الصراع على الحيّز في صياغة هذه التسميات ومدلولاتها.
المحاضرة التي اختتم بها المؤتمر هذا اليوم الدّراسيّ، كانت بعنوان: “الحيّز الجغرافيّ الخلفيّ وقصّته المغيّبة: دراسة مقارنة بين الأسماء العبريّة والعربيّة للمعالم الطّبيعيّة”، قدّمها الدكتور عامر دهامشة متناولاَ فيها بحثا في الأسماء العبريّة والأسماء العربيّة التي مُنحت للمعالم الطبيعيّة في البلاد، ومقارنة بين معاني هذه الأسماء، مصادرها، مواضيعها وطرق منحها في اللغتين.
تعتمد مادّة البحث على نوعين من المعلومات: 1) مصادر دراسة التوبونيميا العبريّة (علم دراسة أسماء الأماكن الجغرافيّة (Toponymy)، وهي المصادر الأدبية القديمة مثل التوراة وأدب الحكماء اليهود (חז”ל) في فتره المشناة والتلمود إضافة إلى قواميس جغرافيّة ولغوية، موسوعات ولافتات. 2) مصادر دراسة الأسماء العربيّة، وهي قصص إتيولوجيّة- سببيّة (Etiological Legends) وتفسيرات شعبيّة، وسعى البحث إلى توثيق هذه المصادر وذلك من خلال مقابلات قد أجريَت مع أفراد من المجتمع العربي.
من الملاحظ أن المحاضرات التي قُدّمت في المؤتمر، والتي لها علاقة مباشرة باللغة والمكان والإنسان، أثارت اهتمام الحضور، وقد تجلّى ذلك من خلال المداخلات والأسئلة والنقاش الحضاري الهادف الذي دار بين الجمهور وبين الأساتذة المحاضرين، ممّا دعا العديد منهم إلى المطالبة بمواصلة عقد مثل هذه النّشاطات القيّمة.
.