وجه المجتمع الحقيقيّ!/ مطانس فرح
إنّ تعامل الشّرطة وأذرعها الأمنيّة بقفّازات من حرير مع الإرهابيّين منفّذي جرائم “تدفيع الثّمن” أدّى إلى تفاقم هذه الظّاهرة وانتشارها واستباحة الاعتداء على العرب وتحقيرهم
>
|مطانس فرح|
كان من الصّعب الصّمت وغضّ الطّرف عمّا يدور من تحريض خطير وأرعن من على صفحات التّواصل الاجتماعيّ (“فيسبوك”) الافتراضيّ، ليتحوّل إلى أمر واقعيّ في شوارع وأحياء مدننا وبلداتنا المختلفة. فالعنصريّة المتفشّية والتّحريض على الانتقام واستباحة دم العربيّ لمجرّد كونه عربيّـًا أصبحت أمرًا مُقلقًا، بل محسوسًا وملموسًا ومنفذًّا في بعض الحالات، أيضًا!
في أعقاب خطف وقتل المستوطنين الثّلاثة، وموجة التّحريض ضدّ عرب هذه البلاد؛ فتحت، مؤخّرًا، مجموعة من المتطرّفين العنصريّين صفحة على موقع التّواصل الاجتماعيّ (“فيسبوك”)، بعُنوان “شعب إسرائيل يريد الانتقام”، وصل عدد المنتسبين إليها أكثر من 45 ألف منتسب في أقلّ من 48 ساعة! يحرّضون من خلالها -بشكل واضح وصريح ومُستباح- على الانتقام من عرب هذه البلاد!
وقد اشتملت هذه الصّفحة على عدد من العبارات العنصريّة الفاشيّة المحرّضة، وعلى صور محرّضة أخرى برزت من بينها صورة لفتاتين يهوديّتين تحملان ورقة كتب عليها بالعبريّة: “بُغض العرب ليس عنصريّة، بل قيم.. إسرائيل تطالب بالانتقام!” فلو استبدلنا، مثلًا، في العبارة العنصريّة المذكورة أعلاه، كلمة العرب باليهود؛ وكلمة إسرائيل بفِلَسطين، لقامت الدّنيا ولم تقعد. وفورًا كان سيتمّ اعتقال الفتاتين وهدم منزليهما وطردهما والتّوجّه إلى هيئة الأمم وجمع استنكارات من المحيط إلى المحيط. ولكن طالما يدور الحديث عن يهود يتمّ التّعامل بمكيال مختلف.
ومن مبادئ هذا المجتمع التي ظهرت عبر صفحة التّواصل الاجتماعيّ، أيضًا، صور لجنود جيش الاحتلال الإسرائيليّ “الأخلاقيّ” و”الإنسانيّ” -حسَب تعريف دولة إسرائيل- يحرّضون على قتل العرب والانتقام منهم!
إنّ تعامل الشّرطة وأذرعها الأمنيّة بقفّازات من حرير مع الإرهابيّين منفّذي جرائم “تدفيع الثّمن” أدّى إلى تفاقم هذه الظّاهرة وانتشارها واستباحة الاعتداء على العرب وتحقيرهم.. تخيّلوا لو كانت عصابات “تدفيع الثّمن” تعمل ضدّ اليهود وتعتدي على الكُنُس اليهوديّة، حينها كنّا سنسمع استنكارات من جميع المحافل الدّوليّة وشجبًا صارخًا من الخليج العربيّ إلى الخليج!
وفي أعقاب هذا التّحريض عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ المختلفة، (“فيسبوك”)، قرّر المستشار القضائيّ للحكومة، تخويل وحدة مكافحة جرائم الكمـﭘيوتر التّابعة إلى هيئة التّحقيقات “لاهڤ 433″، الشّروع في فتح ملفّات جنائيّة ومحاكمة المحرّضين من كلا الطّرفين.. ما أدّى إلى انسحاب عدد كبير من المنتسبين إلى صفحة “شعب إسرائيل يريد الانتقام”، ومحو عدد من العبارات والصّور المحرّضة ضدّ العرب!
وفي سياق متّصل، حتّى كتابة هذه السّطور -ورغم شهود العيان- لم تقرّر الشّرطة بعد سبب خطف الفتى محمّد أبو خضير (16 عامًا) من بيت حنينا، وقتله. إذ تحاول أن تثبت بشتّى الوسائل أنّ القتل جاء على خلفيّةً جنائيّة -لا قوميّة!- محاولةً، تارةً، التّلميح بقتل على خلفيّة شرف العائلة، وتارةً أخرى التّلويح بنزاعات وخلافات عائليّة؛ بينما خطف اليهوديّ وقتله يشعل الضّوء الأحمر دائمًا ويستبعد الخلفيّات الجنائيّة.
نعم؛ إنّ الأرض متّقدة والأجواء ملتهبة.. هناك انفلات فاشيّ وعنصريّ على عرب هذه البلاد. وعلينا كمجتمع عربيّ مسؤول عدم الانجرار وراء هذا الانفلات، والتّصرّف بحنكة ورويّة، لأنّ سياسة الحكومة والعقليّة الحربجيّة والعنصريّة المسيطرة على المجتمع اليهوديّ الّتي توتّر الأجواء وتشعلها، كفيلة بأن تُسقط الأقنعة عن وجه المجتمع اليهوديّ، لتكشف وجهه الحقيقيّ قطريًّا ودوليًّا!
(صِحافيّ حيفاويّ، مدير تحرير صحيفة “حيفا”)