هل تولد المرأة امرأة ؟
وفي نفس الاتجاه، وعلى الصعيد الاجتماعي، أشار موني (J. Money) إلى أن صنع الرجل أصعب من صنع المرأة. فالطفل الذكر، خلافا للطفلة، محتم عليه أن يتميز عن الأم، أن ينفصل عنها، وذلك أمر يدوم سنوات طويلة. عليه أن يفعل كل ما في مقدوره للقضاء على اندفاعاته الأنثوية الأصلية. عليه أن يوقف التماهي مع الأمّ وأن يقطع مسلسل التشبّه بها. لذا يميل أدلير (Adler) إلى اعتبار الرجولة ردّ- فعل ضد الأنوثة وتنديدا بها. إن الفعل الفحل بامتياز هو قتل الأم، وأوّل واجب عند الرجل هو ألاّ يكون امرأة.
هل تولد المرأة امرأة ؟
|عبد الصمد الديالمي|
تجيب سيمون دو بوفوار بمقولتها الشهيرة : “لا تولد المرأة امرأة وإنما تصبح امرأة”. وتعني من هنا أن المرأة تولد أنثى، أي كائنا مختلفا عن الذكر، ثم تصبح امرأة، أي كائنا دونيا يحتل مرتبة اجتماعية أدني من مرتبة الرجل. بتعبير آخر، لا يجب اعتبار دونية المرأة نتيجة حتمية لأنوثتها البيولوجية، بل قرارا اجتماعيا يحوّل الأنوثة إلى دونية. انطلاقا من هنا، تم التمييز تدريجيا بين الجنس (الذكورة أو الأنوثة) وبين النوع الاجتماعي) الرجل/المرأة). والملاحظ هنا أنّ اللغة العربية لا تمكن من هذا التمييز بين ما هو بيولوجي وما هو اجتماعي إلا في حالة واحدة، في حالة التقابل بين الذكورة البيولوجية (mâlitude) والرجولة الاجتماعية، masculinité) أمّا في الحالة الثانية، فإنّ الأنوثة (féminité) تشكل في الوقت ذاته مقابلا للذكورة وللرجولة معا. ماذا يعني غياب مفهوم عربي يقابل الرجولة ويحيل على دور المرأة ومكانتها في المجتمع؟ هل يعني ذلك أن العقل العربي لا يقبل سوى فكرة الارتقاء من الذكورة (المعطاة بيولوجيا) إلى الرجولة (المكتسبة اجتماعيا)، من مرتبة حيوانية إلى مرتبة ثقافية فاضلة؟ وهل في “الانتقال” من الأنوثة(البيولوجية) إلى الأنوثة (الاجتماعية) إقرار بأنه لا فرق بين الأنثى والمرأة، وأن المرأة ما هي إلا أنثى في نهاية المطاف وأن وظائفها الأساسية هي الوظائف البيولوجية بالأساس؟ هل يعني هذا الغياب مجرد فقر لغوي؟ أم إنه غياب بنيانيّ في العقل العربي الذي لا يقبل فكرة بناء الهوية الجنسية إلا بالنسبة للرجل، بحيث أن الذكورة لا تكفي الفرد لكي يكون رجلا، فهي شرط ضروري لكنه غير كاف لوحده للارتقاء إلى مرتبة الرجولة. وعليه، لا مجال، عربيا على صعيد اللغة، لأطروحة دو بوفوار: المرأة تولد أنثى وتظل أنثى، فهي الكائن الناقص، والدونيّ بالتالي، والذي سيظل دونيّا في المجتمع بالنظر إلى نقصه البيولوجي (غياب القضيب). ويعني هذا الطرح أن للذكر امتيازا بيولوجيا يتحول إلى سلطات وامتيازات اجتماعية، وأن تفوق الرجل يتأسس ويتمأسس على ذكورته. إلى أيّ حدّ يستطيع الرجل العربي المعاصر التخلص من هذا الطرح؟ إلى أي درجة يتقبل فكرة بناء الهويات الجنسيّة؟ إلى أيّ حدّ هو مستعدّ لبناء هويات جنسية جديدة لا تجعل من الاختلاف الجنسي ذريعة للتمييز الاجتماعي بين الجنسين ولإقرار تفوق الرجل؟ وبتعبير أعمّ ، ما مدى انغراس النظرية البنائية للهويات الجنسية في العقل العربي المعاصر؟
لكن ما يثير الانتباه حقا هو أن اللغة العربية لا تشكو لوحدها من غياب مقابل مؤنث للرجولة. فاللغة الفرنسية بدورها لا تتوفّر إلا على كلمة “féminité” للتعبير عن الأنوثة البيولوجية والاجتماعية معا. وهي مثلها في ذلك مثل اللغة العربية تميّز بين الذكر (mâle) والأنثى (femelle)، وبين الرجل (homme) والمرأة (femme) . ورغم اجتهاد الحركة النسائية الفرنسية في وضع كلمة جديدة هي “féminitude”، فإنّ هذه المفردة لا تقابل “féminité”، بمعنى أنّها لا تحيل على البناء الاجتماعي للمرأة. فمدلولها مختلف، نضالي، هدفه التغني بالأنوثة كاختلاف والدفاع عن حقوقها في المساواة. ومن الراجح أن غياب مقابل مؤنث للرجولة في اللغة سمة تشترك فيها كل الأنظمة الاجتماعية الأبيسية على مر العصور. لكن الحذر العلمي يفرض التأكد من هذه الفرضية تجريبيا، وذلك من خلال دراسات مختلف القواميس في كل اللغات.
النظرية البنائية
انطلاقا من أعمال سطولير (R. Stoller) في الستينات من القرن العشرين، وضعت أعمال النسائيات الأنكلو- سكسونيات مثل أوكلي( Oakley) تمييزا بين الجنس (sexe) والنوع الاجتماعي (genre/gender). ويعني مفهوم النوع الاجتماعي، وهو المكسب المحوري للنظرية البنائية، نسقا من المعتقدات ومن الصفات النفسية ومن الأنشطة والأدوار ومن المراتب الاجتماعية المرتبطة ثقافيا بالجنس. من هنا، يتجلى أن الجنس (البيولوجي) هو أساس البناء الثقافي والاجتماعي للنوع، لكن الجنس لا يحدّد النوع بشكل حتميّ وأحاديّ. بتعبير آخر، لا يمكن الوقوف عند الاختلاف البيولوجيّ بين الذكر والأنثى لتفسير العلاقات الاجتماعية بين الرجال والنساء وفهمها. فإذا كان الجنس يعني الاختلاف، فإنّ النوع يرمز إلى التمييز الاجتماعي بين الجنسين. وتبعا لهذا الطرح، تصبح الرجولة بناء إيديولوجيا يبرر سيطرة الهوية الرجولية. (identité masculine) في كلمة واحدة، تقرّ البنائية بعجز مفهوم الجنس في تفسير التمييز الاجتماعي بين الجنسين لتكشف عن دور مفهومي السيطرة والسلطة في تأسيس العلاقات الاجتماعية بينهما.
وتنقسم النظرية البنائية إلى تيارين، أحدهما تعادلي والآخر جذري حسب فريسك1 (Frisque) . مفاد التيار الأول أنّ الجنس الاجتماعي ينبني على الجنس البيولوجيّ بمعنى أن الاختلاف البيو- جنسي يحوُّل إلى علاقة تراتب وسيطرة لصالح الرجال. وهو التحول الذي يتم بفضل تنشئة اجتماعية (تعلم) تجعل من الذكورة تفوقا اجتماعيا ومن الأنوثة مرتبة اجتماعية منحطة. رغم اعتراف هذا التيار بأن الاختلاف البيولوجي أمر لا مفرّ منه، فإنه يناضل ضد تحويل الاختلاف الجنسيّ إلى تراتبية تلعب لصالح الهيمنة الرجولية. وبالتالي يناضل من أجل المساواة في الحقوق بين الجنسين. أما التيّار الثاني، الجذريّ، فيرى أن المقولات الجنسية (ذكورة/أنوثة) ليست معطيات بيولوجية محضة، فهي مبنية اجتماعيا في إطار علاقات اجتماعية تتميز بسيطرة الرجولة. في هذا المعنى، يقر بورديو بأن “الأجساد تتشكل بفضل التجسيد التدريجي للعلاقات الأساسية المؤسّسة للنظام الاجتماعي” 2.
إن النوع الاجتماعي(الجندر)، باعتباره علاقة سلطة، هو الذي يبني جسد المرأة ككينونة سلبية ناقصة، تنقصها خصائص الذكورة، على رأسها القضيب. وبالتالي، يتم فرض إدراك جسد المرأة كجسد له قيمة أقل، كجسد عليه أن يستجيب لهموم القضيب-المرجع، وهي هموم الانتصاب والقذف والإخصاب. وبالتالي يقع اختزال الجسد الأنثوي في الجمال والأمومة ولا يؤخذ بعين الاعتبار إلا بفضل هاتين “الخاصيّتين”. في الاتجاهين البنائيين معا، التعادلي والجذري، يتم التركيز على بناء الهوية الجنسانية كهوية اجتماعية علائقية، وهو البناء الذي يحول القضيب إلى مقياس تمييز وترتيب. فالإنسان لا يولد رجلا أو امرأة، وإنما يولد ذكرا أو أنثى، ثم يتم تحويل جنسه إلى نوع مسيطر أو مسيطر عليه.
بناء الرجولة
ما يؤكد طرح العربي، والأبيسي بشكل عام، أن بناء الرجولة، في معناها الأبيسي، أصعب من بناء الأنوثة وأكثر تعقيدا. فعلى الصعيد البيولوجي نفسه، يشير جوست إلى أن الخصية الجنينية عند الذكر عليها أن تقاوم تحقق البنيات الأنثوية… إن الذكر يبني نفسه ضد الأنثوية الأصلية للمضغة (embryon)”… أثناء التطور، يشكل التحول إلى ذكر صراعا في كل لحظة” 3.
وفي نفس الاتجاه، وعلى الصعيد الاجتماعي، أشار موني (J. Money) إلى أن صنع الرجل أصعب من صنع المرأة. فالطفل الذكر، خلافا للطفلة، محتم عليه أن يتميز عن الأم، أن ينفصل عنها، وذلك أمر يدوم سنوات طويلة. عليه أن يفعل كل ما في مقدوره للقضاء على اندفاعاته الأنثوية الأصلية. عليه أن يوقف التماهي مع الأمّ وأن يقطع مسلسل التشبّه بها. لذا يميل أدلير (Adler) إلى اعتبار الرجولة ردّ- فعل ضد الأنوثة وتنديدا بها. إن الفعل الفحل بامتياز هو قتل الأم، “وأوّل واجب عند الرجل هو ألاّ يكون امرأة” 4.
وهنا تلعب نظرة الوالدين وقناعاتهما دورا حاسما في تطور الهوية الجنسية عند الطفل. بفضل الحركات ونبرة الصوت واختيار اللعب والملابس، يعلم الوالدان الطفل انتسابه الجندري قبل أن ينظر إلى عضوه الجنسي وقبل أن يكتشف اختلافه البيولوجي. ومن أجل المرور من الأنوثة الأصلية إلى الرجولة، لا بد من اجتياز امتحانات (محن) يسميها الأنتربولوجيون طقوس مرور، على رأسها طقس الختان. ففي الكثير من المجتمعات، يشكل الختان لحظة بنيوية في مسلسل التفرقة بين الطفل الذكر والأم، بين الذكر والأنوثة. إن الختان فعل يحرّر الحشفة (gland) من “حجاب” القلفة (prépuce)، إنه تعرية لرأس الذكر، أي تخليص الطفل من الجلدة (القلفة) التي تغطي رأس ذكره وتحجب فحولته. يشكل ما بعد الختان ولادة جديدة، رمزية، ولادة دون القلفة، دون القلفة الأنثوية. فحسب المحلل النفسي كروديك 5(Groddeck) ، تشكل القلفة فرجا يحوي الحشفة ويحجبها. وباعتبارها انتقالا من الأنوثة إلى الرجولة، ترمز لحظة الختان إلى امتحان خطِر، إلى عودة إلى هويّة غير محددة.
بشكل عام، تتمحور طقوس المرور(أو التأسيس حسب بورديو) من الأنوثة إلى الرجولة حول ثلاث محطات رئيسية: التفرقة بين الطفل والأم، تهجير الطفل إلى عالم مجهول (غابة، داخلية، خدمة عسكرية…)، خضوع الطفل إلى امتحانات عسيرة، إلى محن (العمل، الكسب، الجهد العضلي، احتمال الألم، عدم البكاء…). وتنشد كل طقوس تأسيس الرجولة ومأسستها على كراهية الأنوثة واحتقارها. بهذا المعنى، تعبر الهوموفوبيا (homophobie) عن رفض المساواة بين الجنسين والتخوف منها وترمز إلى ضرورة كبت كل ما هو أنثوي في الرجل وقمعه. في نهاية التحليل، تحيل الهوموفوبيا على الخوف الخفيّ من النزعات المثل- جنسية الخفية عند الرجل. ينتج عن ذلك هوس بالفحولة، وهو الهوس الذي ينتهي إلى عدم اعتبار القضيب منطقة لذية وإنما أداة لتحقيق إنجازات وسيطرات وبطولات (ضد الأنثى وضد المرأة). وهكذا يصبح القضيب الجانب الهش في كينونة الرجل، إذ تحدث إصابته بارتباك جنسيّ سببا لانهيار شخصية الرجل بكاملها. في كلمة واحدة، تتحقق الرجولة باحترام أمور أربعة: رفض الأنوثة، تحقيق الأهمية المجتمع، الحصول على الاستقلال، تحقيق التفوق.
الرجولة المتعددة
ما مدى شمولية البناء الأبيسي للرجولة؟ هل النموذج الأبيسي للرجولة هو النموذج الوحيد والأوحد؟ هل لا رجولة خارج الرجولة الأبيسية؟
في إطار الجواب عن هذا السؤال المستفز للعقل الأبيسي الذي يرى أن امتياز الرجولة أمر طبيعي بما أنه قائم على الطبيعة، لا بد من الإشارة أولا إلى أعمال الأنتربولوجية م. ميد 6(Mead). تتساءل ميد قائلة: ماذا يجمع بين الذكر الأربيش ( Arapesh)، اللطيف والمحب للفنون، وبين الذكر المحارب موندجمور (Mundugomor)، العنيف والفج والذي يأكل أسراه وهو يتكلم ويضحك؟ كيف يمكن المقارنة بين الجرأة الجنسية عند الشبان إياتمول (Iatmul) وبين الخجل الجنسي عند الشبان تشمبولي (Tchambuli)؟ ما يجمع بين تلك النماذج هو الذكورة، لكن رجولة الواحد لا تشبه مطلقا رجولة الآخر، والفرق بين الرجولات ليس فرقا خاصا بأفراد وإنما يعكس تصورا بنيانيا عن الرجولة. وبالتالي تستنتج ميد من درسها الإتنوغرافي أن الرجولة مفهوم متعدد ومفتوح، وأنه يختلف باختلاف القبائل والإثنيات والحقب التاريخية. وبالتالي، لا بد من الاعتراف بأن مفهوم الرجولة مفهوم إشكاليّ.
وتذهب إ. بادانتير 7 (E. Badinter) إلى أن أول أزمة عرفتها الرجولة تعود إلى القرن السابع عشر، ما بين 1650 و1660 في فرنسا، ثم ما بين 1688 و1714 في إنجلترا. ففي فرنسا، ظهرت المرأة الأديبة المتحذلقة (la précieuse) التي شكلت رد فعل ضد فظاظة رجال بلاط الملك هنري الرابع ورجال المعارضة 1648-1652( La Fronde). فالمتحذلقة امرأة متحررة تطالب بحقها في العلم وتنتقد الزواج والأمومة. أما في إنجلترا، فإن النساء ذهبن إلى أبعد من ذلك وطالبن بمساواة كلية بين الجنسين، وطالبن بالخصوص بالحق في المتعة الجنسية. وقد أدى ذلك إلى أزمة في مفهوم الرجولة وإلى إعادة النظر في أدوار الرجل والمرأة في الزواج والأسرة والجنس. وقد قبل بعض الرجال القواعد الجديدة، وهو ما أدي إلى تأنيث الرجال، وأصبح الرجل الجديد يميل إلى المثلية- الجنسية (inverti)، تماهيا مع المرأة. وقد وضعت الثورة الفرنسة حدا لهذا التيار بحيث أن الجمعية التأسيسية (La Convention) رفضت منح المواطنة إلى النساء واعتبرتهن خطرا على النظام العام. وبالتالي تمت دعوتهن إلى البقاء في البيت.
أما الأزمة الثانية التي عرفتها الرجولة فحدثت في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. فبالنظر إلى ما أحدثه التصنيع من تقلبات اقتصادية واجتماعية، احتدت المطالب النسائية واستفاق القلق الرجولي من جديد. بين 1871 و1914، ظهرت المرأة العاملة، وهو نوع جديد من النساء أصبح يهدد الحدود الجنسية التقليدية. ودفاعا عن الرجولة في بعدها التقليدي، وبالإضافة إلى الكنسية، تم تكتل بين الفلاسفة(Schopenhauer et Nietzsche) وعلماء النفس والبيولوجيا للقول بدونية المرأة، وبأنطولوجية تلك الدونية. فقد أجمع هؤلاء كلهم على أن المرأة قريبة من الحيوان ومن الزنجي. ونشر الطبيب موبيوس (P.J. Moebius) سنة 1900 كتابا بعنوان “بلادة المرأة الفيزيولوجية” وقد لقي نجاحا تجاريا واسعا. ونشر فيننكير (Weininger) سنة 1903 كتاب “الجنس والطبع” الذي عبر عن قمة كراهية المرأة (misogynie). يقول فيننكير: “هناك فترات تولد فيها نساء مرجلات ورجال مؤنثون بنسب أكبر. وهذا بالضبط ما يحدث اليوم. إن الانتشار الذي تعرفه منذ سنوات التأنقية (dandysme) والمثلية- الجنسية لا يمكن أن يفسر إلا بتأنيث عام”8 . وتحامل الكل على حواء الجديدة التي تحط من جنسها وتهجر بيتها وتعرض أسرتها للخطر من خلال تصاعد نسبة الطلاق وانخفاض الإنجاب. وقد نُعت هؤلاء النساء بالجنس الثالث و بالسحاقيات المترجلات. وفي نهاية القرن العشرين، بدأ التساؤل النظري عن الهوية الرجولية في الولايات المتحدة وأنشأت الجامعات 200 شعبة خاصة بالدراسات الرجولية (Men’s Studies). ذلك أن المجتمع الأمريكي، المهووس بالفحولة (من خلال نموذج راعي البقر)، واجه حركة نسائية قوية وجذرية زعزعت مفهوم الرجولة.
ولعبت أزمة 1929 دورا في إهانة الآباء والرجال بشكل عام، بحيث أن الرجل العاطل والقابع في البيت لمدة طويلة يفقد الثقة في نفسه وفي فحولته. وأظهرت الدراسات الرجولية أن الرجولة ضرب من الحادث المصطنع. إن الواجبات والحجج والامتحانات التي يخضع لها الرجل دوما تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الرجولة مرتبة اجتماعية ينبغي بناؤها دوما ومحاولة الحفاظ عليها. إنها امتياز مهدّد دوما. وقد أدي النقد النسويّ إلى إعادة تعريف الرجولة بحيث أنّ القوة العضلية والشرف عوّضا بالنجاح وبالمال وبالعمل المثمِّن، وهو ما يبرر غياب الأب خارج البيت. وتدريجيا، تم تعويض نموذج الرجل الصلب/العقدة بنموذج الرجل الرطب/المنديل الذي يتنازل عن امتيازاته التقليدية وعن سلطه والذي يقاسم الزوجة الأشغال المنزلية. وقد لقي الرجل الجديد حظوة عند النسائيات المتعبات من الهيمنة الرجولية التقليدية والمتقززات منها. لكن يبدو أن نساء التسعينات من القرن الماضي في أمريكا سئمن من الرجل الرطب وبدأن يطالبن برجل يجمع بين الغنى والقوة العضلية من جهة وبين معرفة الأشغال المنزلية والتسوق والعزف على الآلات الموسيقية. إنه في كلمة واحدة الرجل المستحيل. وبالتالي يتبين أن الرجولة الحداثية تأليف بين الخصال التقليدية والحديثة.
بالنسبة للبنائيين، تشكل كل هذه التقلبات في الهوية الرجولية دليلا قاطعا على أنّ الرجولة ليست معطاة بيولوجيا، وأنها بناء إيديولوجي يخدم الأبيسية في تمظهراتها التاريخية المتعددة والمتعاقبة.
—————————
1- Cégolène Frisque (Ministère de l’Emploi et de la Solidarité) : L’objet femme, Paris, , La Documentation Française, 1997.
2 – P. Bourdieu : « La domination masculine », in Actes de la Recherche en Sciences Sociales, n° 84, septembre 1990, p. 8.
3 -Cité par Evelyne Sullerot dans Le Fait féminin, Paris, Fayard, 1978, pp. 86-87.
4 -Robert Stoller : Masculin ou féminin, PUF, 1989, pp. 310-311.
5- G. Groddeck : “ Le double sexe de l’être humain ”, Nouvelle Revue de Psychanalyse, n° 7, 1973, p. 194.
6 -Margaret Mead : Samoa, the Making and Unmaking of an Anthropoligical Myth, Harvard University Press, 1983, pp. 67 et 70.
7-Elisabeth. Badinter : XY, De l’identité masculine, Paris, Odile Jacob, 1992.
8- Otto Weininger : Sexe et caractère, traduit de l’allemand par Daniel Renaud, Paris, L’âge d’homme, 1989, p. 73.
18 فبراير 2012
انا معجب