لا هي مغمضة ولا هي مفتوحة/ مايا أبو الحيات
الموت البطيء/ مليء بالألعاب/ ورائحة الطعام المتروك على الطاولات
لا هي مغمضة ولا هي مفتوحة/ مايا أبو الحيات
"بورتريه شخصي" (نيل إدوارد وهادلي نيومان/ المملكة المتحدة)
| مايا أبو الحيات |
ثلاثُ فردات أحذية
من الحجمِ الصغير
تحدد لي اليوم
مايا أبو الحيات
تلك الرابعة الفارة من الجمع
تدوخني خلفها
أسفل الكنبة
وفوق الخزانة وفي سلّة الغسيل
الرابعة التي ستشكل سؤالا طويلا
قبل خروج طفلٍ من البيت
أين حذائي
أين حذائي
فردةٌ واحدة صنعت لي
يومي الطويل
أربعة عيون سارحة
لا هي مغمضة ولا هي مفتوحة
تقلب لي الليل
هل كانت قنبلة تلك التي أودت بتلك العيون
هل كانت ميتة سريعة لا سؤال بها
يا رب
اجعلها قنبلة عرضية
هبطت وقت العشاء
لم تنتبه لها الأيدي الجائعة التي تمتدّ نحو صحون البيض
والبندورة المقلية بزيت الزيتون
يا ربّ
لتكن قذيفة كبيرة لا وقت عندها للانتباهات
ودهشات العيون الصغيرة وأسئلتها
يا رب
ليكن صاروخًا هبط على كتاب المحفوظات
حرق نشيدة العلم وموطني وسيد البلاد
اجعلها سريعة سريعة سريعة
أربعة عيون سارحة
لا هي مغمضة ولا هي مفتوحة
دوختني أبحث لها عن قصة
تخرس صوت الطفل الذي يصرخ في الغرفة:
أين حذائي
قصة بنهاياتٍ سعيدة
يطير بها الأطفال الملائكة إلى جناتهم
ويزورون البيوت ليال الخميس الحميمة
قصة لا يتوجع بها أحد
لا ينتبه أحد أنه ميت
لا يفتقد بها طفل
أو أم أو أب أو أخ أو لعبة
قصة تخرس صوت الطفل الذي يصرخ في الغرفة
أين حذائي
أربعة عيون
لا هي مغمضة ولا هي مقفلة
زارتني في الليل
بعد أن نام الطفل دون حذائه
وضعت ملحَها في عيني وفركتها بقرن من الفلفل الحارّ
لماذا تشتمين في السرّ قصتنا
قالت لي العيون التي
لا هي مغمضة ولا هي مفتوحة
الله سيضعك في النار
قالت لي
الله سيعلقك من عرقوبك ويلوحك الملائكة كالمراجيح
لا تلفقي لنا قصة الموت السريع
لتخرسي صوت الحذاء في رأسك
الموت البطيء
مليء بالألعاب
ورائحة الطعام المتروك على الطاولات
والامتحانات التي ستؤجلها المعلمات غدا
لأننا متنا
الموت البطيء
موت لا يعرف أنه موت
موت مليء بأمل الحياة إلى الغد
سيأتي مراسل ليسمع قصتنا
سنصرخ ونقول:
كانوا عشرة دخلوا البيت بالسّكاكين والسّيوف
أبي تحوّل إلى سوبرمان
وأمي إلى القطة المتوحشة
قطعت أمي يد الرجل الطويل ذي البسطار المتسخ
وأبي حطم للآخر -الذي يشبه جارنا معاذ- أنفه العريض
الموت البطيء
مليء بالنظرات والأدعية
مليء باللا فهم
بالأسئلة الكبيرة
بماذا يحدث
ماذا سيحدث
لماذا يحدث
أبي لن يعرف الأجابات كما يفعل بالعادة
أبي يريد أن يكون الأول
أبي يبلل بنطاله كما تفعل دانة في الليل
يضحك أخي ويشير إليه
أمي تصيح لا تضحك على أبيك
لا تجعله يعرف أنك رأيته
الموت البطيء
صاحب الوقت المتمهل
الذي لا يكسره صوت الله في المآذن
جعلنا نكبر كلنا معا
دفعة واحدة
أنا وأمي وأبي وأخي ودانة الصّغيرة
كلنا ولدنا في يوم واحد
ونموت متتابعين
كلنا نبكي بصوت واحد
ونخرس بالتدريج
يضع الرجل يده على كاتم الصوت
في التلفاز
فنصمت
يسرع المشهد قليلا فلا يرى من كان ومن سيكون
بطيء بطيء
أربع عيون لا هي مغمضة ولا هي مفتوحة
كانت ترمش قبل قليل وتبكي وترسل للفراشات الملونة
نظرات حاسدة
لماذا تطيرين بخفة رمش صغير
ولا تنظري نحونا
نحن نتأملك الآن نناديك نهزك
خذينا إلى الريح
إلى تلك البقعة في الأرض
حيث تصنعين لنا الأحلام والقصائد
خذينا بخفتك فوق البساطير والأيدي الغليظة
التي لا تضع من كريم مُطرّي القلوب
الذي تضعه ماما بعد غسل الصحون
خذيها عيوننا
التي لا هي مغمضة ولا هي مفتوحة
والسّارحة نحوك
لنتمكّن من النوم
8 يونيو 2015
نص رائع وجميل وعميق من الصعب أن يفهمه ألا أصحاب القضية أنفسهميتسم بالعمق الكبير وهذا غير مستغرب على كاتبتنا المهندسة مايا حيث عهدناها في أيام الدراسة بالعمق الفكري والطموح العاليم.فياض ناجي
8 يونيو 2012
نص جميل واكثر ما جذبني فيه الاسلوب الذي اراه شبيها باساليب الادب الانساني المترجم الذي كنت ولا ازال احبه كثيرا …….قريبة جدا جدا الى القلب كلماتك يا مايا …مثل حكاية ما قبل النوم ……شكرا لك.