النافذة السرية/ ممدوح رزق
إذا لم تكتب هذه السطور قبل الموعد المحدد فسوف أقتل ضحيتك الجديدة، وسيكون هذه المرة الناقد الأكاديمي الذي كتب عن روايتك في صفحته على (فيسبوك) بأنها مفككة، وتفتقد للبناء الحكائي المتماسك، وليس لها مغزى..
>
|ممدوح رزق|
هل تأكدت الآن من أنني لم أكن أمزح؟.. الشاب الذي قُتل اليوم، ووجدوا عضوه مقطوعاً ومحشوراً في مؤخرته؛ دمه في رقبتك أنت . بالطبع تعرفه جيداً.. أليس هو القارئ الذي وصف كتاباتك بالفحش والبذاءة على (جودريدز).. ما كان عليك أبداً أن تستهين برسالتي وتتجاهلها.. عليك قبل منتصف ليل اليوم أن تكتب في صفحتك على (فيسبوك) الآتي:
(كتاباتي تشبه حياتي تماماً.. تافهة وساذجة، وأكثر ما جعلها مثيرة للسخرية هو ادعاءاتي البلهاء بأنها ذات قيمة.. فشلت في الاستمتاع ككاتب؛ إذ أبقيت نفسي بعيداً بمنتهى الحماقة عن الأماكن التي كانت ستضمن لي أن أكون رمزاً أدبياً.. تعاملت مع ذكرياتي بأسوأ طريقة ممكنة؛ فبدلاً من محاولة الوصول إلى الحقائق ومعرفة الأصول وراء كل مشهد في تاريخي العائلي قمت بتحويل قمم الجبال الجليدية إلى كرات ثلج، وظللت ألعب بهشاشتها مستخدماً الأكاذيب والأوهام.. فشلت في الاستمتاع كإنسان؛ إذ ضيّعت أربعين عاماً من عمري من دون أن أمارس المتع العظيمة التي يؤديها أغلب الناس من حولي.. كنت دائماً أذكّر نفسي بضرورة التعوّد علي القيام بها، ولكنني استمررت في النسيان حتى انقضت من دونها سنوات كثيرة من حياتي لن أعيش مثلها.. نسيت مثلاً أن آكل وأشرب بصوت، وهذا يعني أنني لم أكن سوى آلة بلع وهضم، لم تعرف يوماً المذاق الحقيقي للطعام والشراب.. نسيت أن أمضغ وفمي فارغ- يا له من شعور رائع بالسكينة والثقة يجلبه ذلك الفعل خاصة لو كان مقترناً بالنظر إلى العالم بعينين ناعستين ومبتسمتين.. نسيت أن أُرخي جسمي، وأن أفرد بطني، وأن آخذ نفساً عميقاً في لحظات التوتر والفزع مثل الأفلام الأجنبيةـ أدركت أنه حل ناجح فعلاً ولكنني حرمت نفسي منه.. نسيت أن أفرك يدي وهي خالية تماماً كأنني أُخلصها من بقايا وليمة دسمة غير مرئيةـ لا يمكن وصف إلى أي مدى تسبب هذه الحركة راحة للأعصاب، وتمنح إحساساً بالاطمئنان والصلابة والامتلاء.. كم كنت غبياً ـوبالتأكيد سأحافظ على هذه الفضيلةـ لأنني لم أجعل من صنوف اللذة هذه نمطاً راسخاً لوجودي).
إذا لم تكتب هذه السطور قبل الموعد المحدد فسوف أقتل ضحيتك الجديدة، وسيكون هذه المرة الناقد الأكاديمي الذي كتب عن روايتك في صفحته على (فيسبوك) بأنها مفككة، وتفتقد للبناء الحكائي المتماسك، وليس لها مغزى.. إذا أردت أن تُنهي حياة شخص آخر غداً، وأن يُقطع عضوه ويُحشر في مؤخرته فلا تكتب ما أمرتك به.. تذكر.. لن تستطيع أنت أو غيرك الوصول إليّ، ولن يتمكن أحد من إيقافي، وأنا متأكد أنه بمرور الوقت كل جزء منهم سيكون قد اختفى، وأن موتهم سيصبح لغزاً حتى بالنسبة لي.