في القُدس؟/ مجد كيّال
لا تقبلين إلا أن نشرب معًا من كأس الزجاج الوحيد لدي، ذاك الذي أحضره صديقي في السهرة الأخيرة قبل زواجه، وتركه عندي. نافذة غرفتي في القدس لا تغلق؛ أنت تعرفين أنّ كؤوس البلاستيك رمز العلاقات العابرة
في القُدس؟/ مجد كيّال
|مجد كيّال|
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق، لعطبٍ ما نافذتي في القدس لا تُغلق.
نافذتي المطلة على كل شيء، كل شيء يُطل عليها، ولا تُغلق.
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ تطيّر أوراق الدراسة عن الطاولة، فأتركها.
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ فلا أمنع نفسي من أن ألهث مكاني على إيقاع خطوتك تقترب من أوّل الطريق.
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ عندما تدخلين فاتحةً الباب المقابل للنافذة، مجرى الهواء البارد يهديني تبرير الترحيب فيك باحتضانٍ دافئ.
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ لا يمكننا في هكذا ساعة أن نسمع الموسيقى، ولا أن نتحدث، لأننا سنصل حتمًا من الحديث إلى الانفجار الأبديّ في النقاش حول الارتباط. ذاك النقاش الذي نصله حتمًا، حتى لو كنت أحكي عن يوم النحس الذي أعطبت فيه النافذة. انه النقاش الأبدي الذي لا حلّ له ولا جواب.
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ حجة جيدة لترفضي شرب النبيذ بكؤوس البلاستيك لأنها تتطاير بالهواء. لا تقبلين إلا أن نشرب معًا من كأس الزجاج الوحيد لدي، ذاك الذي أحضره صديقي في السهرة الأخيرة قبل زواجه، وتركه عندي.
نافذة غرفتي في القدس لا تغلق؛ أنت تعرفين أنّ كؤوس البلاستيك رمز العلاقات العابرة.
■
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ وحدها زاوية الغرفة البعيدة (حيث أفتح علب التونا) تحميك من عيون خارج الشباك في الوقت الذي تفكّين فيه زرّ صدريّتك تحت القميص. إنه استفزازك الاعتياديّ، فأنت تعرفين كم أحبّ فكّ الزرّين من فوق القميص.
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ أقف عند الشباك أربع مرات لأقرأ اللافتة البعيدة مُمتحنًا نظري، لعلّ العلّة فيّ حين لا أميّز تفتح حلمتك عبر القميص، فأقرأ اللافتة واضحة.
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ لا أعرف أنواع الطيور ولا أيًّا منهم سيدخل مختطفًا الحلق الذي انتزعته عن أذنيك، إلا أني لا أعرف سببًا أفضل لأرفع شعرك وأسأل عنقك ببراءة: “بوجّعش تخزقي أذنك؟” تردّين بخبث: “لأ عزا، ما بحس إشي”. أنظر إليك في المرآة ومرةً أخرى أفشل بتمييز بلوغ حلمتك.
“أكم سؤال لازم أسأل رقبتك لحتى بلوزتك تزهّر؟”
“بتعرف إني بكره الشعر، لا؟” تردّين بتحدٍّ، لكن قميصك في المرآة يستسلم.
■
في كل مرة أمتلئ فيك ينهض جسمك فيعلو وجهك ليطلّ على بيت المقدس
نافذتي في القدس لا تُغلق؛ تقومين لإقفال الباب، أذكّرك بأني نسيت مفاتيح غرفتي في حيفا، وبأنّ باب غرفتي في القدس لا يُقفل منذ أسبوع.
باب غرفتي في القدس لا يُقفل؛ كم من الوقت نحتاج، والنشوة، لننسى قلقنا من مرور “أبو الجار” الذي خطر له الآن في هذه الساعة أن يسخّن أطباق أمّه في المطبخ المجاور لبابنا… بابنا؟
باب غرفتي في القدس لا يُقفل؛ لكن الأمر لن يبدّل شيئًا؛ إنّ فتح “أبو الجار” بابي، لا يهم بأي وضعية جنسية سنكون أو عن أي شأن اقتصادي سنتحدث، فالوضعان سيّان والشيطان ذاته هو الثالث، والحديث تهمة كافية نسبة لأشخاص يفتحون أبواب غيرهم.
باب غرفتي في القدس لا يُقفل؛ لكني لن أنبهك قبل أن تهمّي لمحاولة إقفاله، لألحق بك: زر الإنارة مجاور للباب. وأن أطفئ الإنارة أكثر إباحية من إقفال الباب، وأكثر توطئة لوقوفي خلفك ملتصقًا، غارسًا ستة أكوان في خصرك: خمس أصابع بشرية حارة وسُكّرة الباب النحاسية الباردة.
باب غرفتي في القدس لا يُقفل. شباك غرفتي في القدس لا يُغلق. لكن الضوء دائمًا، إلى زوال.
■
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ فراشة ليلية تزورنا لترفرف عند كفة قدمك وتهرب إلى كتفك العاري خوفًا من ضحكتك المجنونة وركلتك في الهواء.
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ إنها المرة الأولى التي أصطاد فيها الفراشات بفمي.
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ ومع هذا، تنهشنا الحرارة. قطرة العرق تنزل من صدغك عبر عنقك وتستمرّ، قطرة العرق النقيض لما ينوي فمي: كلما اقتربت القطرة من الصدرِ تباطأتْ، أما أنا فأسرع. أنت تعرفين أني أسكر من العرق، وأقود شفتيّ بسرعة جنونية.
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ وصوتك أيضًا، من الصعب أن يُكتم، فأدفع أنا الثمن: يُعصر رأسي بين فخذيكِ وتنهش أظفارك كفّ يدي اليمين على صدرك. حين سيسألون في اليوم التالي: “ليش إيدك هيك مشخّطة؟” سأقول إنني كنت أحاول تصليح نافذة غرفتي في القدس.
■
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ نافذتي المُطلة على كل شيء، كل شيء يُطلّ عليها. تتسلقين جسمي في مخاض ولادته، ظهري على بطن السرير. يداكِ تخنقانني بحُبٍّ وفخذاك يطوّقان خاصرتي بعنف، فتسيطرين على إيقاع حلمنا الواحد. تردّد يعلو ويهبط في الحلم: يعلو فيطرد نفسك مني، يهبط فيعيدني إلى داخل الحلم. ترتفعين وتعودين مغمضة عينيكِ. مني إلى السماء وعودةً. في كلّ مرة تنهضين فيها، ترتفعين إلى ارتفاع النافذة، تلك التي خلف السرير، تلك التي لا تُغلق.
في كل مرة أمتلئ فيك ينهض جسمك فيعلو وجهك ليطلّ على بيت المقدس.
في المرة القادمة أمتلئ، ثم ترتفعين، يعلو وجهك فتفتحين أعينك، لتطل المدينة المقدسة عليكِ.
عند نشوتنا، تتركين عنقي وتطلقين تأوهًا واحدًا عاليًا، يهزّ المدينة.
يستيقظ الرّبُّ في مدينته ليطلّ علينا من النافذة، تراوده الغريزة فيستمني رسلًا بأخلاق، يطلّون من النافذة على هذا النصّ، ليستمنوا بدورهم، ويشتموا الكاتب بعد النشوة.
■
نافذة غرفتي في القدس لا تُغلق؛ الشمس تلسع حاسوبي فيعطب جزئيا (لم أكن أعرف أنّ الحواسيب لا تتحمل الحرّ)؛ نوافذ الويندوز في حاسوبي لا تغلق، فيبقى النصّ مفتوحا على جميع الاحتمالات.
(القدس)
قراءة شخصية ■ علاء حليحل
هل تتابعون كتابات مجد كيّال؟.. يجب أن تفعلوا. إنه كاتب يتألق ببطءٍ ولكن بصمود. يصمد حيث لا يصمد الفلسطيني المفترض بأن يكون “فلسطينيًا”: يصمد عند السخرية اللاذعة وعند الوجع اليومي الذي يبعث على الضحك، لكنه يعصر قلبك وأنت تضحك عليه/عليكَ. تمامًا مثلما يكتب عن “بيت المقدس” هنا. من الممتع تتبّع تفاصيل ولادة كاتب بكلّ ارتجاجتها، بكلّ صدقها ونموّها وتفتّحها. هذه واحدة من أفضال التحرير في موقع ثقافي: عليك أن تقرأ دائمًا.
وأنا أقرأ مجد كيال بمتعة خالصة. أترك النصوص التي يرسلها لي للحظةِ صفو هادئة. لا أحبّ قراءته وسط معمعان المواد الأخرى، أؤجله إلى حين. وهو يعدُ في نصوصه بجديد يأتي كلّ حين.
هذا النصّ الذي تقرؤونه هنا “في القدس؟” من أمتع وأصقل النصوص التي كتبها فلسطيني مؤخرًا. نصٌ عربيدٌ يبعث الله على الاستمناء، لكنه ليس فضائحيًا، ليس غريزيًا بالمعنى السّريع للكلمة؛ إنه غريزيٌّ بعمق. هل توجد هكذا توليفة؟.. توجد؛ في مثل هذه الجملة مثلا: “ في كل مرة أمتلئ فيك ينهض جسمك فيعلو وجهك ليطلّ على بيت المقدس”؛ في مثل هذه الجملة مثلا: “أن أطفئ الإنارة أكثر إباحية من إقفال الباب، وأكثر توطئة لوقوفي خلفك ملتصقًا، غارسًا ستة أكوان في خصرك: خمس أصابع بشرية حارة وسُكّرة الباب النحاسية الباردة”. والأمثلة عديدة.
شريكته في الفعل والحالة حاضرة رغم أنها ليست شريكة في الكتابة. لكن جسدها وانفعالاتها حاضرة بقوة، كأنها هي التي تكتب جملها: “يداكِ تخنقانني بحُبٍّ وفخذاك يطوّقان خاصرتي بعنف، فتسيطرين على إيقاع حلمنا الواحد. تردّد يعلو ويهبط في الحلم… في كلّ مرة تنهضين فيها، ترتفعين إلى ارتفاع النافذة، تلك التي خلف السرير، تلك التي لا تُغلق”.
غريزة مجد كيال طافحة بثورة العشرين وتعب الأربعين، ولكن، ماذا سيكتب مجد عندما يلامس الأربعين حقًا؟
9 يوليو 2011
تستفزني عباراتك ، لغتك القوية ، انسياب الأفكار ..
عمقها .. ذكاؤك الحاد .. غموض الحرف .. توهجه ..
الجرأة ، التمرد .. الرمزية القوية ..
كلها تعجبني أكثر من الفكرة العامة لأغلب نصوك .
لكنك بحق !
مشروع كاتبٍ متميز
1 يوليو 2011
“مارون”
لو تمعنت في ردك لوجدت الانتقائية والازدواجية التي تتعاملون بها مع الاخر , الان اصبح افتراضي لأسم “صداع الورقه” والذي يحتمل ان يكون مذكر او انثى بل اقرب لان يكون مؤنث دليل على تفكيري الدائم بالجنس اما مقال كامل يتكلم بهذا الطريقه فهو رقي وتحضر واحترام للمراءه … ولكن يبدوا يا اخي مارون ينقصك الراس لكي تفكر علك تصل للقليل ما وصل اليه شهداء مارون الراس …
“اشرف”
أحترم وجهة نظرك ولكن اولستم من يتغنى بالحرية والحقوق …فهو له الحريه بعدم الايمان بالله ولكن ليس له الحرية ان يستعمل اسمه بهكذا نص بذيء وهنا تعدى على حريتي ومن حقي ان اعترض وصدقني لو ما ادخل اسم الله في الموضوع ودنس اسم القدس لما تدخلت فالكاتب يعيش حالة هيجان جنسي ويريد ان يكتب عنها فلا دخل لي بحالته …
30 يونيو 2011
مع احترامي للاسلوب الحلو و المشوق كتير.. برأي الموضوع المطروح بتمارس اكتر ما بنحكى عنو.. عدا ذلك ننتظر المزيد.. اما بالنسبة للدين والعلمانية: شو مع تقبل الاخر؟ (الحكي للطرفين طبعا)
30 يونيو 2011
“بوح القلم” :
لم أنوي أن أعلق على تعليقك.ولكن للضرورة أحكام .
بغض النظر عن جنس “صداع الورقة”، مجرد افتراضك أن صداع الورقة أنثى فإن دل انما يدل عن اراءك المسبقة.
30 يونيو 2011
“شباك”
صدقني لم انتبه لهذه العبارة ولو اني انتبهت لها لما كلفت نفسي بكتابة رد على هكذا نص … ما زلت افضل ان تغلق شباكك عن القدس …
“صداع الورقة”
اتوقع بان الهوس الجنسي واحد ولكن المتتبع لكتباتكم يجد ان اغلبها يركز على الجنس انتقالا من المثلية الى المراة فلو احصيتي مقالات المدونة ستجدي ان هذا هو عالمكم جنس , وشرب كاس ولعب
ولا اتوقع بان القدس التي يتغنى بها الكاتب تنتظر امثاله …
30 يونيو 2011
مبهور .
من أجمل ما قرأت مؤخراً.
لحظات من السعادة الوجدانية عشتها مع النص وجمالياته.
روعة،
روعة، هات المزيد يا مجد.
30 يونيو 2011
“بوح القلم”؛ عليك أن تفرق بين نوعين من التعامل مع الجنس: النوع الأول يتعامل مع الجنس كموضوع حياتي مُعاش، ويضعه في سياق طبيعي وجمالي، فنًا وممارسةً ودراسةً والخ… (وهذا هو النوع العلماني الذي نتبناه، والذي تتبناه جميع الشعوب المتحضرة المتطورة التي تستهلك منها حضرتك ملابسك وسيارتك ودواءك والخبرة الطبية والتكنولوجية والقائمة تطول ولا تنتهي).
أما النوع الثاني (الإسلامي) فهو نوع يتعامل مع الجنس باعتباره وحشًا كاسرًا، فيخافون منه ويحاربونه ويتجنبونه ويهوّلون له ويهوّلون، ثم يغطون المرأة بالسواد كونها سبب الاغواء، ويحرمون الاختلاط فيبنون جدرانًا فولاذية بين الجنسين، وما على ذلك من ممارسات سخيفة تحكم علاقة الرجل بالمرأة. هوس أم غير هوس، سم ذلك ما شئت، لكنه بكل تأكيد سخيف ومخالف للطبيعة حد الاضطراب النفسي.
29 يونيو 2011
ما سبب هذا التعظيم؟
تابعت كتابة مجد, احببتها بتفاوت. ما لا يعجبني في كتاباته هي انها دائما تعكس شخصيته الاستعلائية والتي تقلل -دائما- من شأن الاخرين.
ايضا, القراءة الشخصية لم تكن قراءة شخصية- لم تحتو الا على تعليقين حول النص. لم ار اية حاجة لهذه الاضافة…
هذا التعليق ليس تشهيرا بحق الكاتب, فمجد يفخر بكونه استعلائي
29 يونيو 2011
“بوح القلم”
انتبهت للفقرة قبل الاخيرة ؟
” يستيقظ الرّبُّ في مدينته ليطلّ علينا من النافذة، تراوده الغريزة فيستمني رسلًا بأخلاق، يطلّون من النافذة على هذا النصّ، ليستمنوا بدورهم، ويشتموا الكاتب بعد النشوة.”
روح العب مع صحابك بعيد من هون …
29 يونيو 2011
بغض النظر عن اسلوب الكتابه وطريقتها ومعانيها
ولكن لكل ناظر لهذا الموقع وما يكتب به يكتشف انكم تعيشون في الهوس الجنسي الذي تتهمون الاسلاميين به و كان من الاجمل حفظ اسم القدس عن هكذا نص لا يدل الا على اهم سبب تسبب بضياع القدس
فارجوا ان تغلق نافذة او لترحل عن القدس …
29 يونيو 2011
يسعد ربّك المستمني
29 يونيو 2011
راح يكتب باكثر تالقاً كالنبيذ المعتق، واعدك بان الله سيستمر بالاستمناء،
29 يونيو 2011
نافذة غرفتك في القدس التي لا تغلق، فتحت نوافذ في النفوس كنّا نعتقد انها أغلقت…
عن ما كتبته يقال: “الله الله الله”
29 يونيو 2011
روعه الابداع
فعلا مفتاح باب غرفتك في غسالة مهند!
29 يونيو 2011
نافذتك لا تريد الانغلاق .. لا تريد الصمت .. لا تريد اليأس بل ..
نص رائع ،،،
في حنينه ،،،
في أشواقه ،،،
في كلماته ،،،
في شجونه ،،،
دمت بخير ابها الحلم الأخير ،،،
28 يونيو 2011
تسجيل “لايك” كبير جداً.
28 يونيو 2011
أسلوب كتابه رائع..مُستفز. مجد, سوف أختصر تعليقي بأن أطلب منك أن:” لا تُغلق نافذه غُرفتك في القدس”…
28 يونيو 2011
مجد، مفتاح غرفتك في حيفا، موجود في غسّالتنا.. :))
تعال إشرب بيرة وخد المفتاح
28 يونيو 2011
اعترف اليوم باني ما كنت اريدك في كلية الفلسفه واني كنت اطمع في ان اسمعك تبدع وانت تخرج من الحجاز الى النهود لتعانق البيات ولا يهمني على اي ايقاع كان
اليوم حققت لي ذلك وانا اسمع ابداع عزفك على روح وجسد بريشة من الابداع قرات نصك بكلتا اذني وبتأن وفرحت
28 يونيو 2011
باب مخي انخلع من محلو
فلتفتح الشبابيك وينطلق الخيال الى ابد الآبدين
استمتعت
رائع
صح ونجمه
وعفاك يا مجد
ترفّع الى الصف اللي بعدو