لوبية العائدةُ إلينا / رأفت آمنة جمال
“لقد عُدنا”.. عبارة يُكرّرها الفلسطينيّون هذه الأيّام، يذوّتون فيهم حقيقية وحقًّا، هو زادُهُم في مسيرة النّضال والعودة إلى كلّ ما يُثبّت الهويّة الفلسطينيّة في هذه البلاد. “عُدنا” مُثقلينَ بالهَمّ الجماعيّ الواحد، حالمينَ بمسيراتٍ وأيّام غضبٍ تُعيدُ أرضًا وتُحرّرُ بطلًا وتُسعِفُ طفلةً من الموت تحت خناجر القَتَلة.
|رأفت آمنة جمال|
تحت راية واحدة هي: “العودة”، وحدَها “فلسطين” كانت حاضرة، تجمعُ ما فرَّقَتْهُ الخِلافاتُ والاختلافاتُ، تُعيدُ للحَراك الشّعبيّ وهجَه الّذي كادَ ينطفئُ في ليل السّياسةِ. شَبابٌ يقبضُ على بوصلة وطنٍ لا يُراد له أن يشيخ، وشيبٌ يُعيدون الزَّمَن إلى حكاية الحُبّ والنّضال الأولى، يعودون أطفالًا بقاماتٍ شامخةٍ تتلصَّصُ على ما كان وما ظلّ!
لم تمنع الحواجز الّتي نصبتها قوّات شُرطة الاحتلال وصولَ عشرات الآلاف من أبناء الشّعب الفلسطينيّ إلى قرية لوبية المُهجّرة، وإن شكَّلت عائقًا أمام البعض إلى جانب الازدحامات المروريّة الشّديدة، في شوارعَ تعجّ بمركباتٍ ترفع الأعلام الفلسطينيّة وأخرى ترفع أعلام دولة الاحتلال، مَن يُعيدون كذبة الاستقلال في “عيد كذب” يختلف عن ذلك الّذي عرفناه في مسرحيّة الماغوط، على الرّغم من أنّ الفائز بكأس الكذب واحد: الحكومة! ومَن يعودون للحقيقية الّتي لا تختلف أينما كان: حقّ العودة.
شبابٌ يهتفونَ لوطنٍ لم يكونوا قد وُلِدوا بعد حين ضاعَ بين تتابُعِ النّكَباتِ، وأطفالٌ يحفظون ألوان العَلَمِ وإيقاعَ النّشيد الوطنيّ دون أن يتلعثموا، وكبارٌ يصرّون على استرداد حقّهم: مساحة دَبَكوا فوقها مرّة وحجرٍ اختبأوا خلفه ذات لَعِبٍ طفوليّ يصرخ من عيونهم، وسياسيّون ذابوا في لُحمة شعبٍ لا يعترف بالصفّ الأول في مسيرةٍ تتقدّمُها الحناجرُ والخطوات.
لم يتباكَ الفلسطينيّون على أطلال قريةٍ هُجِّرت وشُرِدَ عُشّاقُها وفدائيّوها وبُسطاؤها الحالمون قبل 66 عامًا، لم يُعيدوا تكرار ما حفظوه في مهرجاناتٍ سابقة، بل دَبَكوا حين تشابكت أيديهم وكانت “خَطّة قدمهم ع الأرض هدّارة” ليكون التّراث الفلسطينيّ هويّة الأرضِ الباقية. غنّى الفلسطينيّون وأنشدوا ما حفظوه من نساء فلسطينيّات رسّخن الوطنَ بأهازيج وأغنياتٍ لم يطمسها الرّاقصون على أنغام القَتَلة، ليكون صوت المرأة نشيدًا وطنيًّا يُذكّرُ بالحقيقة كي لا ننسى!
لم تكن مسيرة العودة لهذا العام مجرّد تسجيل موقف ضدّ التّغييب وإصرار على العودة، بل كانت رسالة واضحة لكلّ مَن عَبَثوا بكرامة شعبٍ لا يزال على قيد الحُلُمِ والنّضال، حيث برزت قضيّة تجنيد الشّباب الفلسطينيّ باختلاف عقائدِهِ وطوائفهِ ليدوسَ العائدون هذه القوانين بخطواتِهم، مصرّين على رفضِ كلّ مخطّط صهيونيّ يُراهنُ على الكرامة، وكلّ مخطّط عربيّ يُفاوِضُ على الدّمِ.
كلّ الّذين تحدّثوا أصرّوا على حقّ العودة وعدم الاستسلام والتّنازل مُعوِّلين على جيل صاعدٍ نحو قمّة تحقيق ما يؤمن به من حقّ ضمن حقوق تكون رزمة واحدة في قضيّة لا تتجزّأ. في مسيرة لم يكن أحد فيها على الهامِشِ، كان كلّ فردٍ خطيبًا وقائدًا دون منبر أو تعريف أو هويّة، وحدها الملامح كانت تعرّفُ الجميع ببعضهم، وحدها الهويّة مشتركة للجميعِ حتّى أولئك الّذين جاءوا ليتضامنوا مع شعبٍ لطالما كانت قضيّته جامعة بهويّة واحدة هي الإنسان أينما كان.
“لقد عُدنا”.. عبارة يُكرّرها الفلسطينيّون هذه الأيّام، يذوّتون فيهم حقيقية وحقًّا، هو زادُهُم في مسيرة النّضال والعودة إلى كلّ ما يُثبّت الهويّة الفلسطينيّة في هذه البلاد. “عُدنا” مُثقلينَ بالهَمّ الجماعيّ الواحد، حالمينَ بمسيراتٍ وأيّام غضبٍ تُعيدُ أرضًا وتُحرّرُ بطلًا وتُسعِفُ طفلةً من الموت تحت خناجر القَتَلة.
10 مايو 2014
النّص رائع كعادتك صديقي :)شعرت فيه مشاركة لفرحة فلسطينية هبّت للحظات .. ”لقد عُدنا” إلى الأمام مُبدعنا :)))