الكاردينال من المهد إلى الـ -لحد/ خليل غرّة
العملاء ليسوا رعايا. ولا يستوي ابن بيت لحم الذي استشهد أخوه في أحداث كنيسة المهد مع عميل لحد الذي انسحب مع جيش الاحتلال الصهيوني عام 2000.
.
|خليل غرّة|
بعيدًا عن لجان المقاطعة الدولية والمحلية لإسرائيل، بعيدًا عن أجنداتهم، معاييرهم ومعايير التطبيع المُتفق عليها ربما بين أوساط فلسطينيّة عديدة، فالنظرة المنطقيّة كافية لأن نستدل منها على أبسط تعريف حول مفهوم التطبيع مع إسرائيل، سواء كان مباشرًا أو غير مباشر. فلسطين تحت الإحتلال، وكل تعامل مع “إسرائيل” سواء كان ذلك عبر زيارة أو علاقات تجارية أو أكاديمية بحثية على سبيل المثال، تُعتبر تطبيعًا من منطلق أن دولة إسرائيل الإحلالية في فلسطين هي أمر غير طبيعي وحالة شاذة، ومن هذا المنطلق، كل تعامل مع دولة غير طبيعية هو تعامل غير طبيعي ومرفوض. لا يكمن الخوف في تطبيع العلاقة مع “إسرائيل”، لكن في جعل إسرائيل طبيعيّة من خلال العلاقات. إن كل زيارة أو عمل، برنامج، لقاء، تجارة إلخ، سواء كان بشكل مباشر أو غير يجمع بين عرب وإسرائيليين سواء كانوا أشخاصًا أم مؤسسات لا يفضح ولا يعرّي الاحتلال الإسرائيليّ لفلسطين ولا يدعم المقاومة هو لقاء تطبيعي. فلسطين ليست بلدًا للسياحة أو للصلاة لغير أهلها، إما أن تزوروها محرِّرين مساندين وإما فلا.
في الأيام الأخيرة، زار فلسطين بابا الفاتيكان فرنسيس الأول، وبصحبته الكاردينال اللبناني مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، وبحسب برنامج الزيارات الصادر عن بطريركية الموارنة، يعزم الراعي زيارة العديد من الأماكن المسيحية المُقدسة في بيت لحم، الناصرة، القدس، حيفا، كفر برعم وعسفيا. في السيّاق، نقول إنّنا نحترم القوانين الكنسية والعلاقة الرعوية، لكن على الوطن العربي الشقيق أن يدرك جيدًا خاصية فلسطين بأنها تقبع تحت احتلال. (فالبطاركة) الأسلاف لم يزوروا فلسطين منذ إحتلالها عام 48، وعلمًا أن الموقف اللبناني بات جليًا ضد هذه الزيارة، وقد إلتقى الراعي قيادة حزب الله وطلبوا منه أن يعدل عن قراره بزيارة فلسطين وهي تحت الاحتلال، آخذين بعين الإعتبار موقف حزب الله الإعلاني السلبيّ حيال هذه الخطوة، إلا أنه رفض وقرر أن يزور البلاد. لكن هناك تهامسات لبنانية تشير إلى أن حزب الله ربما سوف يقاطع الراعي وتجري مشاروات لتحديد شكل العلاقة القادم مع الراعي.
تعتبر هذه الزيارة بالسابقة الخطيرة وهذا يعود لكون بشارة الراعي شخصية دينية مرموقة وذات مستوى رفيع. وهذا لا ينفى أيضًا أن نصنف زيارة البابا بالتطبيعية أيضًا. الأمر هو ليس أي جنسية يحمل الراعي، وليس من أي معبر وعبر أي دولة سوف يدخل فلسطين. الأمر هو واحد ووحيد وغير مبهم: “إسرائيل” أمر غير طبيعي في قلب الوطن العربي، وعلينا أن نتعامل معها على هذا النحو؛ نحن نعلم أن الاحتلال يسيطر على كل حدود فلسطين التاريخية. من الجدير بالذكر هنا أن المرجعية لتعريف التطبيع هي للّلجنة الوطنية للمقاطعة، تضمّ في طياتها الغالبية الساحقة لتحالفات و مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بالاضافة لهيئة العمل الوطني و الإسلامي. و بناء عليه يجدر بنا أن نأخذ بالحسبان الموقف الأهم، وهو للنقابات والأحزاب والقوى الشعبية اللبنانية، وهو موقف واضح وضوح الشمس والذي عبَّر عنه بيان حملة داعمي مقاطعة اسرائيل التي اعتَبرت الزيارة أمراً “لا يصب لا في مصلحة لبنان واللبنانيين، ولا فلسطين والفلسطينيين، ولا المسيح والمسيحيين”.
لن أتطرّق إلى دور “إسرائيل” وسياستها في حرمان المسيحيين من الصلاة وممارسة شعائرهم الدينية ومحاولات أسرلتهم وتجنيدهم في جيش الاحتلال ساردًا لهم ماذا يحدث لمسيحيي العراق وسوريا، ولن أتطرق إلى دور “إسرائيل” الخبيث الذي يدّعي ولو بشكل مبطَّن أن المسيحيين في البلاد يعيشون”بنعيم وسلام” وما إلى ذلك لأبرر عدم الزيارة، لكن الذي عليه أن يبرر زيارته إلى عملاء لحد – ( مجموعة من اللبنانيين الذين فروا إلى إسرائيل عام 2000 مع إنسحاب الجيش الإسرائيلي انذاك ) هو حضرة البطريرك بشارة الراعي، الذي قال في مقابلة تلفزيونية على قناة “فرانس 24″ مع ميشال الكيك في برنامج حوار “لدي واجب رعوي لدينا أبرشيات ووكالة ورعايا في القدس والأراضي المقدسي وعليّ أن أزورهم.. وليفهم من يفهم وليرفض من يرفض”، العملاء ليسوا رعايا. ولا يستوي ابن بيت لحم الذي استشهد أخوه في أحداث كنيسة المهد مع عميل لحد الذي انسحب مع جيش الاحتلال الصهيوني عام 2000. وقد استأنف الراعي لاحقًا قوله ” هدف زياراتي يأتي في سياق البعد الديني فقط” وهذه نائبة أكبر، وخلص بالقول: “أنا مُحصّن.. لدي حصانة” سلطة الكنيسة و”امتيازاتها الكنسية” . ولا يبدو ان الراعي يدرك ان الحصانة التي تعطيها للبطريرك لا تخوله أن يساوم ويطبّع باسم مئات الاف المسيحيين في لبنان وفلسطين والوطن العربي .
لم ينتهِ الأمر عند المقابلة، ففي بلدة كفرناحوم قبالة الحدود الجنوبية اللبنانية المحررة وفي الذكرى الـ14 للتحرير وقف الراعي مخاطبًا اللبنانيين بتأثر قائلاً: “أريد أن أفهم ما هو جرمكم؟ أنتم الذين تحبون لبنان، وتحملون أعلامه”. مما أغضب اللبنانيين حيث وصفوه بأنه يكسر كل الخطوط الحمراء. زار فلسطين، وهي تحت الاحتلال. التقى العملاء وأسقط جريمتهم وإعتبرهم ضحايا، ثم قرّر أن يمنحهم أمس شهادات وطنية. لفت أمس أيضًا استقباله في قرية عسفيا من قبل موفق طريف أحد أبرز دعاة تجنيد العرب في صفوف جيش الإحتلال.
على الموقف اللبناني أن يكون حازمًا صارمًا تجاه سلوكيات الراعي غير المفهومة والمبررة بتاتًا والتي لا تغتفر.
بالإضافة الى هذا، فانّ التعامل مع قضايا المسيحيين من منطلق قضايا كنسية رعوية مسيحية في فلسطين على أنها شأن داخلي مسيحي كنسي خاص خاضع فقط لقوانين ونظم كنسية يفصلها عن واقعها وسياقها الإحتلالي الصهيوني هو اختزال لكرامة الفلسطينيين وحقهم في تقرير مصيرهم وانتزاع حريّتهم وإستقلالهم. قرية كفر برعم الفلسطينية هُجِّرَت عام 48. لقد عُدنا إلى القرية منذ عامين رغم أنف الاحتلال، ولم ولن ننتظر دعم ومباركة نيافة البطريرك لنؤكد على عدالة القضية، ولن نتعامل مع برعم كقضية مسيحية بموجب القانون الإسرائيلي. التواجد بجانب الكنيسة، النضال الحقوقي مطلوب، والدفاع عن مقدساتنا مطلوب، لكن حذارِ والفصل بين الواقع والسياق العام التاريخي.
لكن الفصل بين الواقع السياق العام التاريخي هو نكبة أخرى في حقّ الفلسطينيين يشكّلها هذا الاختزال الدينيّ.
(القدس المحتلة)
31 مايو 2014
يعطيك العافية اخ خليل غرة على انك كتبت بطريقة مؤدبة جدا وحافظت على مكانة البطريرك بشارة الراعي-اما بالنسبة للمضمون فهو بعيد كل البعد عن الواقع - 1- اي تطبيع هذا ؟ اي مباشر واي غير مباشر؟هذا كلام لا يمت بصله لهذة الزيارة الدينية الرعوية ابدا !2- هل رافقت انت البطريرك الى برعم الحبيبة او الى الجش او حيفا ؟هل سمعت ارائة؟3- اللجنة الوطنية لمقاطعة اسرائيل؟ امر مضحك مبكي بنفس الوقت وانا متاكدة انك فاهم قصدي!4- زيارة البطريرك لم ولن تزعزع حب مسيحيي فلسطين لبلدهم وهو طبعا لم ولن “يشكر” المؤسسة الاسرائيلية على شيء تجاه المسيحيين!5- امر شخصي الان : كان شعوري انا رائع عند استقبالة بحيفا ! يا اخي نحن نفتقد لقيادة انسانية -روحية- دينية واذا اردت ايضا سياسية- فلتسال نفسها القيادات المحلية والاحزاب اي دور تلعب هي اليوم معنا مسلمين كنا او مسيحيين !