القابض على الماء…/ جواد بولس
. |جواد بولس| أنهيت مقالتي، الأسبوع الماضي، بعنوان R […]
القابض على الماء…/ جواد بولس
.
|جواد بولس|
أنهيت مقالتي، الأسبوع الماضي، بعنوان “أتتك بحائنٍ رجلاه”، و”ميّلتها” إلى جريدة الاتحاد، التي بدأت تنشر مقالي الأسبوعي بانتظام مع استلام الأخت عايدة توما لرئاسة التحرير.
المقالة، لمن لم يقرأها، تضمنت نقاشًا مع الأمين العام للحزب الشيوعي، الكاتب محمد نفاع، حول أحدى مقولاته الخاصة بالموقف مما يجري في سوريا، وكذلك إشادة وتنويهًا بتصريح النائب إبراهيم صرصور حول خطورة العنف المستشري بين جماهيرنا العربية في البلاد. رفضت جريدة “الاتحاد” نشر مقالتي، وكذلك أهملها موقع “الجبهة” الألكتروني.
للحقيقة أقر أنني لا أملك حقا مكتسبًا يفرض على الرفاق والإخوة القيّمين على المنصّتين نشر مقالاتي، وكذلك أقر وأعترف أنني لست عضوًا في الحزب الشيوعي، ولا عضوًا منظّمًا في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ولذا لا حق لي أن أحاسب أصحابَ قرار الشطب والتمزيق في أيّة هيئة حزبية. لهذا أضيف أنني غير ملتزم بحصر نشر ما أكتب لديهم، فأنا كاتب حر، وأقدسُ ما عندي هي حرية فكري وتفكيري، وفيهما لا أساوم ولا أراوغ، وعنهما لا أحيد.
“ها أنت تضرب الرأس مرتين يا أخي”! هكذا بنوع من الدعابة الواخزة أنبأني محدّثي، محاولًا أن يفهمني قرار الرفاق شطب مقالتي وعدم نشرها. فكيف لي أن أجرؤ على نقاش الأمين العام للحزب، وفي نفس المقام والمقال أمتدح نائبًا ينتمي لمعسكر “الآخرين”!
أوجعني الكلام واستفزّني. فكيف لمن كان ضحية التعسّف والقمع والقهر طيلة عقود أن يسمح لنفسه ممارسة سلطان التجبر وحجب الرأي ووأد الكلمة الحرة؟! كيف لمن عانت صحافته وكتّابه ومبدعوه بطش ما أسمي “مقص الرقيب” أن يتحول إلى مقصلة تطيح بالرؤوس؟! كيف لمن، باسم الحرية، يجاهر والمستقبل النيّر والواعد يتظاهر وفي نفس الوقت يسد أبواب الشمس في وجه كلمة وحرف وقلم؟ كيف لمن احترف النداء وإطلاق حملات التضامن لنصرة من كتمت قوى الظلام أنفاسه أو حجبت أسمال الدم والسواد إبداعه، أو أعاق حد سكين طلاقته، أن يتحوّل إلى كاتم صوت ومخدّة محكمة على وجه الحقيقة والأنفاس؟ كيف لمن يقارع جيوشًا من المنافسين والمنتقدين والمزايدين، تتبلى عليه وتلاحقه في المسارح والمطارح والميادين وتقذفه بنيران التشكيك والتخوين، تارةً لكونه يمارس “أسرلةً” وطورًا لكونه خادمًا ببلاطين وأكثر، أن يتحوّل إلى حاجب وراجم وقابض على رسن النار وكبد الحقيقة والمعرفة والصواب؟
وأخيرًا وليس آخرًا، كيف لا يتحمّل من باسم حرية شعب فلسطين وشعب سوريا وجميع شعوب الأرض يصدح ويتغنّى ويكافح ويحلم، رأيًا مخالفًا وموقفًا مغايرًا لموقفه ورأيه؟
ربما سيعتقد بعضكم، أيٌها القرّاء، أنّني أبالغ وأحمّل هذا الشأن أكثر مما تجيزه الواقعة ويعنيه الحدث. لكم ذلك، لكنّني أومن بأنّ مفهوم كل القيم التي تلألأت شعارات وملأت ميادين العالم وفضاءاته الإعلامية، بما فيها صحافة الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية، هي وحدة واحدة لا تتجزّأ، فلا يستطيع واحدنا أن يؤمن ويطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية والكرامة في ميدان “بن غوريون” في حيفا وأن يكون ديكتاتوريًا، صغيرًا أو كبيرًا، في ميدانه أو في غرفة نومه أو صالونه أو مصنعه أو مكتبه.
كذلك يفقد الواحد منا صحة وأخلاقية موقفه المندد بمواقف الإعلام المعادي المنحاز والقامع والأحادي الرؤية والموقف، وهو يمارس ذات التصرفات ويتخذ ذات المواقف والقرارات في منصّاته، حيث يكون هو المتنفذ الآمر الناهي.
لعلني لا أبالغ إن قلت إننا نستطيع فهم بعض المواقف السياسية العامة لدى البعض من خلال ما يؤمنون به في مثل هذه المواقف “الجانبية” والصغيرة. فممارسة حرية مجزوءة تؤدي إلى تلون في المواقف إزاء الحرية، في مفهومها العام، وذلك لأننا نقترب عندها من سلوك فيه الغاية تبرر الوسيلة ـ ولا معنى آخر لقرار جريدة، ترفع شعار حرية الفكر وتبنّيها لمبادئ تقدمية واحترام العقل وصاحبه، وفي الوقت نفسه تحجب أراءً وأقلامًا معارضة ـ فالجزيرة تصبح عدوًا ووسيلة عميلة للامبريالية (وهي دائمًا كانت كذلك) فقط عندما يجد هذا الحزب أو الجانب أن مصلحته تباينت عن مصلحتها، وفي الوقت نفسه يصبح تلفزيون جمهورية سوريا منصّة موضوعية ومنزلًا اللجوء إليه لا عيب فيه ولا غضاضةً (وهو دائمًا لم يكن وسيلة مؤتمنة وموضوعية).
وفي سياق آخر، لكنه شبيه، من صغائرهم خذوا كبائرهم، والكيل بمكيالين إن أجزناه في صغيرة لن نتمنَّع عنه في كبيرة، فلماذا نعيد ونذكّر صباح مساء بأن الحَمَد في قطر استبدَّ بالحكم بعد أن اغتال إمارة أبيه وهو لهذا ظالم سارق وباطل ولا نقرن ذلك بما فعلته “ديمقراطية” سوريا عندما اغتصبت ثلة من رجال المال والحكم والاستبداد دستورًا ووطنًا و”برشتت” علينا هذا الرئيس الذي ما زال يعد السوريين والعالم بسمنه وعسله؟
سادتي، كلاهما باطل وفاسد ونظامهما، مع كل الاختلافات، باطلان قامعان لحريات مواطنيهما وسالبان لكراماتهم.
“ظلم ذوي القربى أشد مضاضةً”، هكذا كان وهكذا هو واقع الحال. المسألة تبقى أننا في عصر لا يحجب فيه نور ولا يسجن رأي وفكر. ورهاني يبقى على ما وعدتنا به العاصفة، وعلى من يقبض على الريح والندى لأن “من يصحب الدنيا يكن مثل قابض/ على الماء خانته فروج الأصابع”.
21 أكتوبر 2011
“في حال اثبات القربى, يكون اشد مضاضة”
21 أكتوبر 2011
“ظلم ذوي القربى أشد مضاضةً” , تماما التوصيف سليم, في حالة ثبوت القربى