جنوب جبال الخليل: تطهير مستمرّ بكل الوسائل “القانونية”!
تهدّد سياسة إسرائيل في منطقة جنوب جبال الخليل وجود قرابة 30 قرية فلسطينية، وهي المنطقة الموجودة برمّتها في مناطق C الخاضعة للسّيطرة الإسرائيلية التامة. وفي هذه المنطقة التي تُسمّى أيضًا بـ “مسافر يطا” (القرى المحيطة بيطا)، يعيش قرابة 4,000 شخص يعتاش غالبيتهم من استصلاح أراضيهم ورعي الماشية
جنوب جبال الخليل: تطهير مستمرّ بكل الوسائل “القانونية”!
|بتسيلم|
السّياسة الإسرائيلية: منع البناء الفلسطيني في مناطق C
تتمحور سياسة الإدارة المدنية في منع البناء في معظم القرى الفلسطينية الواقعة في منطقة جنوب جبال الخليل. ويجري هذا من ضمن سائر الأساليب عبر الامتناع عن إنجاز خرائط هيكلية تسمح بترتيب وتسوية البناء القائم والتطوير المستقبلي.
وتدّعي الإدارة المدنية أنّ الخارطة الهيكلية التي من المفترض أن تعمل وفقها هي الخارطة التي صدّقتها سلطات الانتداب البريطاني عام 1942. وبحسب هذه الخارطة، فإنّ هذه المنطقة مُعدّة للاستخدام الزراعيّ. لكن، ورغم أنّ هذه الخريطة تسمح بالبناء المقلص في داخل الأراضي الزراعية، قامت الإدارة المدنية بتفسير أوامر الخارطة بشكل مغلوط ومنعت أيّ نوع من البناء.
وفي غياب خرائط هيكلية مصدّقة، يُحرم الفلسطينيون من إمكانية تشييد مبان مرخصة مثل البيوت السكنية والمؤسسات العامة كالمدارس والعيادات الطبية، أو شق الشوارع اللائقة والارتباط بشبكة الكهرباء والمياه التي مدّتها إسرائيل في المنطقة، ووصلت بها المستوطنات والبؤر الاستيطانية. وقد حضّرت الإدارة المدنية خرائط هيكلية معدودة لقرى فلسطينية في مناطق C في أرجاء الضفة، إلا أنّ هذه الخرائط تهدف بالذات إلى منع أيّ إمكانية لتطوير تلك القرى. فمثلا، حضّرت الإدارة المدنية في مطلع سنوات التسعين خارطة هيكلية لقرية التواني جنوبيّ جبل الخليل، وفي عام 2009 جرى تعديل الخارطة وتوسيع مساحتها. وقد وُضعت الخارطة من دون إجراء أيّ مسح تخطيطيّ كان من المفترض أن يعرض احتياجات القرية، كما يستوجب قانون التنظيم والبناء الأردنيّ، الذي يُلزم إسرائيل العمل بحسبه. وقد خصّصت الخارطة التي وضعتها الإدارة المدنية للقرية ما مساحته 52 دونمًا فقط، ولم تخصص لها أيّ مساحة للتطوير المستقبليّ. كما أنّ الخارطة لم تشتمل على كل المساحة المبنية في القرية، ولو أنها طُبّقت لكان الضرر لحق ببعض بيوت القرية. في مقابل ذلك، خصّصت الخارطة الهيكلية التي أعدّتها الإدارة المدنية لمستوطنة “معون” المجاورة ما مساحته 385 دونمًا، رغم أنّ عدد سكان القرية والمستوطنة متساويان، ورغم أنّ قرية التواني تُستخدم كمركز خدماتيّ لقرى أخرى في المنطقة، نتيجة لوجود مدرسة وعيادة طبية فيها.
وتدّعي الإدارة المدنية في السنة الأخيرة أنه لا يمكن تصديق خرائط هيكلية للبناء في قرى جنوب جبال الخليل، لأنّ هذه القرى لا تستوفي المعايير التخطيطية التي وضعتها من أجل تسوية وترتيب البناء في القرى الفلسطينية في مناطق C. هذه المعايير تتطرّق إلى حجم المساحة المبنية وقِدم البناء وكثافته، والقُرب من بلدة قائمة والمحميات الطبيعية أو المواقع الأثرية، وإلى أرجَحية إقامة مبانٍ عامة وبنى تحتية. وتهدف هذه المعايير في الأساس إلى التصعيب على البناء في القرى الفلسطينية، حيث لا تُراعي منظومة الملكيات على الأراضي وسُكنى السكان الفلسطينيين على هذه الأراضي (الموثقة منذ القرن التاسع عشر على الأقل) وقدرتهم على تشييد مبان عامة بأنفسهم تخدم الحيّز الفلسطينيّ في المنطقة. كما أنّ هذه المعايير لا تسري على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث أنها تتمتع بمسار تخطيطيّ منفصل. كما أنّ خرائط البناء هذه التي جُهّزت للمستوطنات في المنطقة، والتي من أجلها تجري الإدارة المدنية التغييرات المطلوبة في الخرائط البريطانية، منحت المستوطنين مساحات شاسعة للاستخدام الزراعيّ والتطوير المستقبليّ. أضف إلى ذلك أنّ الإدارة المدنية تمتنع عن تطبيق قوانين التنظيم والبناء التي تسري على البؤر الاستيطانية التي أقيمت في المنطقة –سوسيا شمال-غرب، أفيغايل، متسبيه يئير، حفات معون، نوف نيشر، عسئيل وسنسينه- والتي أقيمت كلها من دون خرائط هيكلية ومن دون تخصيص الأراضي لها. وحتى أنّ قسمًا من هذه البؤر أقيم على أراض فلسطينية خاصّة.
المياه
قامت إسرائيل، وبواسطة شركة “مكوروت”، بمدّ بنى تحتية في منطقة جنوب جبال الخليل، لتزويد المياه للمستوطنات والبؤر الاستيطانية ولمشاريعها الزراعية- الحظائر والدفيئات وكروم العنب. وتمرّ البنى التحتية المائية بمحاذاة القرى الفلسطينية إلا أنّ الإدارة المدنية لم تصل أيّ قرية بهذه الشبكات، باستثناء خربة التواني.
ويعمل الفلسطينيون في المنطقة على جمع مياه المطر في الآبار، إلى جانب المياه التي يشترونها من الحاويات. إلا أنّ الإدارة المدنية أصدرت أوامر هدم للكثير من هذه الآبار بادّعاء أنها أقيمت من دون تصاريح، رغم أنّ قسمًا منها قائم منذ فترة الانتداب البريطانيّ.
كما أنّ غياب البنى التحتية المائية وشحّ الأمطار في جنوب جبال الخليل إلى جانب عملية التصحّر التي تمرّ بها المنطقة، أدّت كلها إلى أن يكون معدّل استهلاك المياه في القرى الفلسطينية منخفضًا جدًا، ويصل إلى 28 لترًا لليوم للفرد الواحد، وهي نسبة مشابهة لتلك السّائدة في المناطق المنكوبة في العالم، مثل دارفور وجنوب السّودان. وللمقارنة، توصي منظمة الصّحة العالمية على 100 لتر يوميًا للفرد ككمية حد أدنى للاستهلاك اليوميّ. ويصل معدل استهلاك المياه اليوميّ للفرد لدى سكان الضفة الفلسطينيين إلى 73 لترًا فيما يصل معدل استهلاك المياه اليوميّ في المناطق الريفية الإسرائيلية، ومثلها في مستوطنات جنوب جبال الخليل، إلى 211 لترًا يوميًا للفرد الواحد، وهو ما يوازي 7.5 أضعاف عن القرى الفلسطينية المحاذية لها.
ويشتري سكان المنطقة الفلسطينيون المياه من حاويات تصل في الغالب من مدينة يطا. ويتقرّر سعر الماء بحسب المسافة التي تضطر الحاوية لقطعها من يطا، وهو يتراوح بين 35 ش.ج. للمتر المكعب في قرية سوسيا (أكثر من أربعة أضعاف من سعر المتر المكعب للاستهلاك البيتي في داخل إسرائيل) وحتى 50 ش.ج. للمتر المكعب في قرية خربة جنبة، البعيدة نسبيًا عن يطا، والتي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق ترابية طويلة ومشوشة. ويُجبر سعر المياه المرتفع أهالي المنطقة على إنفاق ثلث دخلهم الشهريّ على شراء المياه (تصل نسبة ما تصرفه عائلة متوسّطة في إسرائيل على استهلاك المياه إلى 1.3% من دخلها الشّهريّ).
الكهرباء
لا تسمح إسرائيل بوصل قرى المنطقة بشبكات الكهرباء التي أقامتها لصالح المستوطنات والبؤر الاستيطانية، حتى حين تمرّ الخطوط الكهربائية على بُعد عشرات الأمتار فقط من تلك القرى. ومنذ عام 2008 بدأت منظمة “كومط” الإسرائيلية، وبدعم من الحكومة الألمانية وبمساعدة منظمات غير حكومية من الدّنمرك وسويسرا، بإقامة منشآت طاقة بديلة في قرى المنطقة –ألواح شمسية وتوربينات الرياح- التي توفر الكهرباء لـ 18 قرية، يعيش فيها قرابة 1,300 نسمة. هذه المنشآت توفر الطاقة الكهربائية الأساسية للقرى عبر طاقة متجدّدة من الشمس والرّيح، وهي لا تلوّث مثل المولدات الكهربائية التي تعمل على السّولار أو مثل المصابيح التي تعمل بالكاز. ويدفع سكان القرى لقاء الكهرباء التي تتوزع على كلّ عائلة وفق حجمها النسبيّ.
وتُمكّن منشآت الطاقة من تشغيل إنارة ليلية في المناطق السّكنية، ممّا يزيد من الشعور بالأمان في أوساط هذه المجموعات. كما تسمح لسكّان القرى بتشغيل “مَماخض الزبدة” وماكنات الغسيل وتخزين أجبان الضأن في ثلاجات وشحن الهواتف المحمولة بدلا من الاعتماد في ذلك على المولدات أو السفر إلى مدينة يطا.
ومنذ مطلع عام 2012 أصدرت الإدارة المدنية أوامر هدم لهذه المنشآت في سبع قرى –الثعلة، خربة وادي جحيش، هريبة النبي، منطقة شعب البطم، قواويس، خربة الصّفي الفوقا وسوسيا- إلا أنّ الأوامر لم تُنفذ بعد.
عنف المستوطنين
يتعرّض سكان جنوب جبال الخليل الفلسطينيون، وبشكل دائم، للعنف الصّادر عن سكان المستوطنات والبؤر الاستيطانية في المنطقة. وقد زاد حجم هذا العنف بعد إقامة بؤرة “حَفات مَعُون” الاستيطانية عام 1997، وفي أعقاب الانتفاضة الثانية. وتمتنع السّلطات الإسرائيلية –الجيش والشرطة- في العادة عن التدخّل في الأحداث العنيفة، وهي لا تستنفد في غالب الحالات عمليات التحقيق المطلوبة من أجل فرض تطبيق القانون على المستوطنين العنيفين.
وتشمل الأعمال العنيفة الاعتداء على فلسطينيين في داخل مناطقهم السّكنية ومحاولة إحراق الخيام السكنية والاعتداء الجسديّ على الرُعاة وعلى الناشطين الإسرائيليين والأجانب الذين يرافقون سكان القرى، وإتلاف وقطع أشجار الزيتون وأشجار مثمرة أخرى، وحرق المحاصيل وتهويش الكلاب وسرقة الضأن والمسّ بقطعان الماشية. مثل هذه الأعمال –التي تتزايد في مواسم الزرع والحصاد- تُصعّب على سكان القرى الوصول مع قطعان الماشية إلى أراضي الرّعي وتُقلّص من منالية حضورهم إلى أراضيهم الزراعية وإلى آبار المياه. ومنذ عام 2004، يقوم جنود الجيش الإسرائيلي ومتطوّعون أجانب بمرافقة الطلاب الذين يعيشون في منطقة معلنة كمنطقة تدريبات عسكرية والذين يدرسون في المدرسة الابتدائية في قرية التواني، وذلك للدّفاع عنهم أمام عنف سكان بؤرة “حَفات مَعُون” الاستيطانية.
خربة سوسيا
تعيش في قرية سوسيا اليوم قرابة 45 عائلة، يصل تعدادها إلى قرابة 400 نسمة. ويعيش سكان القرية على رعي المواشي واستصلاح عدة كروم من شجر الزيتون.
ومنذ مطلع القرن التاسع درجَ سكان سوسيا على توزيع أوقاتهم بين أراضيهم التي في غور عراد –في داخل إسرائيل، جنوبيّ الخط الأخضر- وبين قرية سوسيا الواقعة جنوبيّ جبال الخليل، وفقًا لفصول السّنة. وبعد إقامة دولة إسرائيل تجمّع السكان في قرية سوسيا. وفي عام 1983 أقيمت بمحاذاة القرية مستوطنة سوسيا على أراضٍ فلسطينية أُعلنت كأراضي دولة. في عام 1986 طرد الجيش السّكان الفلسطينيين من بيوتهم بعد أن أعلنت الإدارة المدنية عن القرية الأصلية بأنها “حديقة وطنية” يقع في مركزها موقع أثريّ. وقد قام السّكان الأصليون الممنوعون حتى من زيارة “الحديقة”، بنقل مكان سكناهم إلى الأراضي الزراعية التي يملكونها والموجودة على بعد مئات الأمتار جنوبي-شرقي القرية الأصلية.
في حزيران 2001، وبعد مرور فترة قصيرة على قتل فلسطينيين ليئير هار سيناي، وهو من سكان مستوطنة سوسيا، طرد الجيش سكان القرية من أراضيهم للمرة الثانية. وخلال الطرد هدم الجيش ممتلكات السكان وأتلف المُغر وطمر آبار المياه. وقد التمس سكان القرية المحكمة العليا التي أصدرت في أيلول 2001 أمرًا مؤقتًا يسمح لهم بالعودة إلى أراضيهم، لكنه يمنع أيّ بناء جديد في القرية. وقد تأجّل البتّ في الالتماس، ومن ضمن أسباب ذلك إعلان سكان القرية أمام المحكمة العليا في أيلول 2004 أنّ في نيّتهم مطالبة الإدارة المدنية إصدار تصاريح بناء للمباني القائمة في القرية. وقدّم قسم من سكان القرية طلبات لاستصدار التصاريح، إلا أنها رُفضت جميعها. وفي حزيران 2007 قرّرت المحكمة العليا شطبَ الالتماس.
منذ طرد سكان القرية عام 1986 لم تقترح الإدارة المدنية على السكان موقعًا سكنيًا بديلاً، ولم تجهّز خارطة هيكلية تُمكّنهم من السّكن على أراضيهم بشكل جزئيّ. وترفض الإدارة استصدار تصاريح للمباني في القرية، وغالبيتها خيام سكنية ومبان عرضية، وهي تسوّغ ذلك الرفض “بتسويغات تخطيطية متعلقة بالأراضي”. كما ترفض الإدارة وصل قرية سوسيا بالبنى التحتية للماء والكهرباء التي أقامتها إسرائيل في المنطقة، والتي تخدم المستوطنات والبؤر الاستيطانية، بادّعاء أنّها تملك خارطة هيكلية. وقد نُصبت في القرية في السّنوات الأخيرة ألواح شمسية توفر الكهرباء للسّكان. وفي عام 2011 هدمت الإدارة المدنية 14 مبنًى في القرية، منها 10 خيام سكنية يعيش فيها 87 فردًا، من بينهم 30 طفلا. ويوجد اليوم 26 أمر هدم لمبانٍ في القرية، بما فيها المدرسة الابتدائية (الصفوف الأولى حتى الرابعة) وآبار المياه.
في شباط 2012 التمس تنظيم “رجفيم” المحكمة العليا مطالبًا الإدارة المدنية بتطبيق أوامر الهدم التي أُصدرت في السّابق ضدّ مبانٍ في القرية. وبعد شهر، وكردّ على الالتماس، أعلنت الدولة أنّ الإدارة المدنية ستصدر أوامر جديدة “في الفترة القريبة” تُمكّن أهالي سوسيا من تقديم تحفظات بشأنها. وفي يوم 7/6/2012 جرت مداولة أولى في الالتماس، واتضح فيها لقضاة الهيئة أنّ ثمة التماسات لا تزال عالقة أمام المحكمة العليا، قدمها سكان القرية ضدّ تطبيق أوامر الهدم. وعليه، قرّر رئيس المحكمة العليا، آشِر غرونيس، أنه “من الجدير أن تقوم جميع الأطراف الضالعة بفحص المسألة”. وقد حظر الأمر المؤقت الذي أصدره القاضي غرونيس البناء الجديد في أجزاء القرية موضوع الالتماس، إلا أنه امتنع عن إصدار منع لتطبيق أوامر الهدم.
في يوم 12/6/2012 وزّعت الإدارة المدنية على سكّان سوسيا أوامر هدم، تشكّل وفق ادعائها تجديدًا للأوامر التي صدرت ووُزّعت على السّكان في سنوات التسعين. وكُتب في الأوامر أنّه يحق للسكان الاستئناف على الأوامر أمام مجلس التخطيط الأعلى في الإدارة المدنية خلال ثلاثة أيام. وقامت الإدارة المدنية بالإشارة في الخرائط المرفقة بالأوامر، إلى ستّ مناطق تبلغ مساحتها الكلية 13,200 كم وتحيط بغالبية المنطقة المبنية في القرية، وفيها 70 مبنًى: 24 مبنى سكنيًا (تشمل خمسة مطابخ وأربع مُغر عتيقة)، و21 حظيرة مواشٍ وأقفاص للدجاج، خمسة مبان لأنظمة شمسية، خمسة طوابين، ستة مبان خدماتية، ثلاثة مخازن، عيادة، مركز جماهيري، بئرا مياه، محجر وحانوت. إلا أنّ 65 مبنى من بين المباني السبعين المشمولة في المناطق المشار إليها، لم تظهر في الأوامر القديمة. هذا يعني أنّ سكان هذا المكان حُرموا على أرض الواقع من إجراء استئنافيّ كامل أمام مجلس التخطيط الأعلى في الإدارة المدنية، وظلوا محصورين في إجراء قصير ينطوي على التحفظات فقط. وفي يوم 1/7/2012، وبعد أن حظيت بتأجيل في موعد تقديم الاستئناف، استأنفت منظمة “شومريه مشباط” باسم سكان القرية على تلك الأوامر. ولم يصدر مجلس التخطيط الأعلى التابع للإدارة المدنية قراره في الاستئناف حتى الآن.
ويعاني سكان سوسيا منذ سنوات طويلة عنف المستوطنين في المنطقة. ومن ضمن نتائج هذا العنف، منع سكان القرية من استصلاح أراضيهم المجاورة لمستوطنة سوسيا وبؤرة سوسيا الاستيطانية شمال-غرب، حيث أنّ قسمًا من هذه الأراضي سُدّ أمام الفلسطينيين بادّعاء أنه “منطقة أمنية خاصة”، رغم أنّ الجيش لم يصدر أمرًا يأمر بذلك.
ويدّعي سكان سوسيا الملكية على قرابة 3,000 دونم من الأراضي الزراعية المحاذية لمستوطنة سوسيا، والتي تحوي قرابة 30 بئر مياه. وقد أصدر الجيش أوامر تمنع السكان من الدخول إلى قسم كبير من هذه الأراضي واستصلاحها. وفي أيلول 2012 التمس سكان القرية المحكمة العليا بواسطة منظمة “شومريه مشباط” مطالبين بإلغاء الأوامر التي تحول دون وصولهم إلى أراضيهم. وفي شباط 2011 أعلنت الدولة أمام المحكمة العليا أنّ الجيش والإدارة المدنية سيقومان بترسيم الملكية على الأراضي في المنطقة، ووفقا لذلك يجري إصدار التعليمات للقوات الميدانية. وحتى اليوم لم يقم الجيش بعملية الترسيم هذه، إلا أنه أصدر ثلاثة أوامر سدّت مساحة قدرها 220 دونمًا من الأراضي التي يدّعي سكان القرية ملكيتها، أمام دخول المستوطنين.
سكان المُغُر
في تشرين الأول وتشرين الثاني 1999 طرد الجيش سكان 12 قرية صغيرة تقع جنوب-شرق جبال الخليل، شرقي شارع رقم 317، حيث بلغ تعدادهم قرابة 700 نسمة. وقد سكن أهل القرى فيها –في المغر التي حُفرت في المنطقة، قسم منها بشكل دائم، وقسم آخر بشكل موسميّ- قبل أن تحتلّ إسرائيل الضفة الغربية. وكُتب على أوامر الهدم أنّ الهدم يجري لأنّ السّكان يعيشون في “أماكن سكن غير قانونية في منطقة تدريبات عسكرية”. وقد جرى تعريف منطقة التدريبات العسكرية 918 التي تمتدّ على قرابة 30,000 دونم، على أنها منطقة عسكرية مغلقة منذ سنوات السّبعين.
وقد التمس قرابة 200 عائلة من سكان القرى المحكمة العليا بواسطة جمعية حقوق المواطن والمحامي شلومو ليكر. وفي آذار 2000 أصدرت المحكمة العليا أمرًا مؤقتًا قضى بالسّماح لسكان القرى بالعودة إلى بيوتهم ورعي مواشيهم في حقولهم إلى حين البتّ في الالتماس. إلا أنّ الجيش والإدارة المدنية فسّرا الأمر بشكل مقلص وقرّرا بأنه يسمح بعودة سكان المنطقة الذين التمسوا العليا، فقط. وفي كانون الأول 2002 جرت محاولة لتثبيت مكانة سكان القرى في إطار إجراء تحكيم برئاسة رئيس الإدارة المدنية السابق، اللواء المتقاعد دوف تسدكاه. واقترحت الدولة على السّكان، في ضمن هذا الإجراء، الانتقال للسّكن في منطقة أخرى جنوبيّ مدينة يطا، إلا أنّ السكان رفضوا هذا الاقتراح. وفي مطلع عام 2005 انتهى الإجراء من دون نتائج.
في كانون الثاني 2005 التمس سكان ثلاث قرى في داخل المنطقة التي أعلنت كمنطقة تدريبات عسكرية، وهي خربة الصفي وخربة جنبة وخربة المجاز، بواسطة منظمة “شومريه مشباط” ضد نيّة الإدارة المدنية هدم 15 بئر مياه للتخزين و19 غرفة مراحيض بُنيت في القرى بمساعدة مديرية التطوير الدولي التابعة للحكومة البريطانية (DFID). وفي شباط 2005 أصدرت العليا أمرًا مؤقتًا يمنع هدم المباني، إلا أنه منع أيّ بناء جديد في تلك القرى.
لم تجدّد المحكمة العليا مداولاتها في جميع الالتماسات المتعلقة بالمنطقة المغلقة، إلا في نيسان 2012، أي بعد مرور 12 سنة على تجميد طرد سكان تلك القرى، و12 سنة أيضًا على منع أيّ إمكانية للتطوير والبناء في تلك القرى. وأعلنت الدولة أمام المحكمة أنّ وزارة الأمن بلورت موقفًا يخصّ منطقة التدريبات العسكرية، وأنّ هذا الموقف سيُقدّم إلى المحكمة خلال ثلاثين يومًا. وقد طلبت الدولة من وقتها تأجيل تقديم ذلك الاقتراح لمرتيْن. وحاليًا، في أيار 2012، بدأ الجيش، ولأول مرة منذ سنوات، بإجراء تدريبات عسكرية في داخل المنطقة المغلقة وبوضع ألواح إسمنتية عند أطراف المنطقة تُحذّر من الدخول إلى “منطقة التدريبات العسكرية”. وبحسب شهادات جمعتها منظمة “نكسر الصمت” من جنود خدموا في المنطقة، فإنّ الجيش لم يُجرِ أيّ تدريبات عسكرية في المنطقة المغلقة في السّنوات الأخيرة، ولم يجرِ فيها إلا عدد من تدريبات سياقة المركبات المدرّعة.
في 19 تموز قدّمت الدولة بيانًا للمحكمة العليا وفيه موقف وزير الأمن إيهود براك الأخير في المسألة. وبناءً على هذا الموقف، تنوي الدولة هدم ثماني قرى في داخل منطقة التدريبات العسكرية، وهي خربة المجاز وخربة التبان وخربة الصفي وخربة الفخيت وخربة الحلاوة وخربة المركز وخربة جنبة وخربة المقعورة. ويعيش في هذه القرى قرابة 1,500 شخص. وبناء على بيان الدولة، لا يستطيع سكان هذه القرى استصلاح أراضيهم في نطاق منطقة التدريبات العسكرية إلا في نهايات الأسبوع وفي أعياد إسرائيل وفي فترتين أخريين مدة كل واحدة منهما شهر واحد، مرتين في السنة. وجاء في بيان الدولة أنّ أربع قرى تستطيع البقاء في منطقة التدريبات العسكرية وهي خربة الطوبا وخربة المفكرة وخربة صارورا ومغير العبيد، وستجرى في المنطقة تدريبات عسكرية من دون ذخيرة حية.
خربة الدُّقيقة
تقع قرية خربة الدُّقيقة شرقي المنطقة التي أعلنت منطقة تدريبات عسكرية 918، ويعيش فيه قرابة 400 نسمة. وفي عام 2005 علقت الإدارة المدنية ستة أوامر هدم لمبانٍ في القرية. والتمس السّكان المحكمة العليا بواسطة منظمة “شومريه مشباط”، وفي تموز 2005 أصدر القضاة أمرًا مؤقتًا جمّد أوامر الهدم. في عام 2012 رُدّ الالتماس، بعد أن أعلنت الإدارة المدنية أنها على استعداد لفحص خارطة هيكلية يقوم سكان القرية بإعدادها.
في تلك السنة، وقبل أن يقدّم السكان الخارطة الهيكلية التي أعدّوها، حضّرت الإدارة المدنية خارطة خاصة بها- من دون علم سكان القرية ومن دون إشراكهم. وقد ألحقت هذه الخارطة خربة الدّقيقة بالمساحة التابعة لقرية حميدة وحصرت الاثنتين في منطقة بلغت مساحتها قرابة 300 دونم. وقد ذكرت منظمة “بمكوم” التي فحصت الخارطة التي أعدتها الإدارة المدنية أنها خارطة غير متقنة، “وتعرض وهمًا من الحلول التخطيطية” وتشكل “شهادة على انعدام المسؤولية التخطيطية”.
وفي حزيران 2011، وبعد أن رفضت نيابة الدولة الالتزام بعدم هدم المدارس حتى انعقاد المداولة بشأن الخارطة الهيكلية التي يعدّها سكان القرية، التمس السكان المحكمة العليا ثانية بواسطة منظمة “شومريه مشباط”. وفي أيلول 2011 أعلنت الإدارة المدنية أنّ موقفها يقضي بأنّ القرية “ستستصعب إدارة نفسها كوحدة اجتماعية وجغرافية مستقلة”، إلا أنها على استعداد لفحص الخارطة التي يُعدّها السكان “من دون أفكار مسبقة وبنية صافية وبرغبة”. بعد ذلك بشهرين، وقبل أن ينتهي سكان القرية من تجهيز الخارطة الهيكلية، أصدرت الإدارة المدنية أوامر هدم لـ 46 مبنًى في القرية، بما فيها مسجد ومدرسة. ولاحقا وفي نفس الشهر، قدّم سكان القرية خارطتهم الهيكلية إلى الإدارة المدنية والتمسوا المحكمة العليا بواسطة منظمة “شومريه مشباط” ضد خطط الهدم.
أضف إلى ذلك، أنّ المسار المخطط لجدار الفصل يمرّ جنوبيّ القرية، ومن المفترض أن يفصل بين القرية وبين أراضي الرعي التابعة لها (مساحتها 5,000 دونم) وآبار المياه التي تخدم السكان. وردًا على التماس القرية إلى المحكمة العليا أعلنت الدولة في آذار 2009 عن عدم وجود نية، “في الوقت الحالي”، لبناء الجدار في المسار المذكور.
خربة زنوتة
تقع قرية خربة زنوتة جنوب-غربي جبال الخليل. ويعيش في القرية قرابة 150 شخصًا ينتمون إلى 27 عائلة. ويعيش سكان القرية الذين يعيشون على رعي الضأن منذ عدة أجيال في مغر طبيعية أضيفت إليها مداخل حجرية، وبدأوا في سنوات الثمانين ببناء بيوت حجرية ومبان عرضية. ويقع في مجال القرية موقع أثري ومسجد عتيق، وهو يعتبر مسجدًا منذ فترة الانتداب البريطاني.
في عام 2007 أصدرت الإدارية المدنية أوامر هدم لغالبية المدارس بدعوى أنها بُنيت من دون تصاريح. إلا أنّ هذه القرية لم تحظَ أبدًا بخارطة هيكلية يمكن بناء عليها الحصول على تصاريح للبناء. وقد برّرت الإدارة المدنية ذلك بدعوى أنّ القرية أصغر من أن تُجهّز لها خارطة هيكلية، وأنّ المسافة بين القرية وبين البلدة المجاورة، الظاهرية، كبيرة جدًا.
في تشرين الثاني 2007 التمس سكان القرية المحكمة العليا بواسطة جمعية حقوق المواطن ضد أوامر الهدم التي استصدرتها الإدارية المدنية لهدم 22 مبنًى مختلفًا في القرية، ومن بينها مبان سكنية وحظائر للضأن ومأوى للحمير. وفي أعقاب هذا صدر أمر مؤقت يمنع تطبيق الأوامر. في أيار 2012 وُسّع الأمر المؤقت بناءً على طلب جمعية حقوق المواطن، بحيث شمل أوامر هدم أخرى صدرت ضد ستة مبان سكنية وثلاثة آبار مياه وحظيرتين في القرية.
في يوم 30/7/2012 جرت مداولة في الالتماس. وأمر القضاة ممثلي الدولة بطرح حلّ بديل لسكان القرية وإخبار المحكمة خلال ثلاثين يومًا ما إذا كان في نية الدولة تقديم خرائط هيكلية تُسوّي البناء في القرية.
جدار على طول شارع رقم
317
من المفترض، وبحسب قرار الحكومة في شهر تشرين الأول 2003، أن يمرّ مسار الجدار الفاصل في منطقة جنوب الخليل شمالي الشارع المركزيّ في المنطقة، الذي يصل بين مستوطنة “كرمل” وبين معبر “ميتار”، بحيث تظل المستوطنات والبؤر الاستيطانية في المنطقة في الجانب “الإسرائيلي” للجدار. وفي شباط 2005، وفي أعقاب قرار المحكمة العليا في قضية بيت سوريك الصادر في حزيران 2004 والذي ألزم إسرائيل بالأخذ بعين الاعتبار لمدى المسّ الذي يلحقه الجدار بالسكان الفلسطينيين أثناء تقرير مسار الجدار، قررت الحكومة ترسيم مسار الجدار في المنطقة بحيث يكون ملاصقًا للخط الأخضر، باستثناء تجاوز واحد إلى داخل الضفة الغربية في منطقة مستوطنة “متسدوت يهودا”.
وبدلا من الجدار الحاليّ، بدأ الجيش بإقامة “درابزين” إسمنتي في شهر كانون الأول 2005، ارتفاعه 82 سم وعلى طول 41 كم بمحاذاة الشارع، من مستوطنة “كرمل” وحتى جنوبيّ مستوطنة “تيني”. وقد قامت بلديات الظاهرية والسموع ويطا والتواني برفقة جمعية حقوق المواطن ومنظمة “شومريه مشباط” بالتماس المحكمة العليا ضد إقامة الجدار، بادّعاء أنه يسدّ المعبر بين المساحة الممتدة جنوبا له –والتي تقع فيها قرابة 20 قرية وقرابة 2,000 نسمة وأراضي رعي وأراض زراعية- وبين سائر الضفة الغربية. في كانون الأول 2006 قبلت المحكمة العليا الالتماس بعد أن قضت بأنّ إقامة الجدار لا تستوفي اختبار التناسبية وأمرت الجيش بتفكيكه خلال ستة أشهر. وامتنع الجيش عن تنفيذ قرار الحكم الصادر عن العليا وحاول عرض بديل يشمل وضع فتحات في الجدار تبعد الواحدة عن الأخرى 100-200 متر. وبعد أن توجّه الملتمسون إلى المحكمة ثانية في تموز 2007، وهذه المرة بناءً على أمر تحقير المحكمة، أمرت المحكمة العليا الجيش بتفكيك الجدار خلال 14 يومًا، وقد فُكّك الجدار فعلا في آب من نفس السنة.
(عن موقع “بتسيلم”)