حسين البرغوثي صديقي الذي تعرفت عليه في المستشفى/ حسين حبش
ربما راودتني هذه الأسئلة عن معرفة مصير ابنه آثر، تحت تأثير هذا المقطع الجميل من الكتاب: “ومرة رأى في الحرش بيت نمل، فأخذ يرقص، ويدور حول نفسه، ويغني، ثم قال لي: “حسين، هنا بيت نمل، ارقص ، ارقص”!
>
|حسين حبش|
في المستشفى، لا أدري ما الذي قادني إلى حسين البرغوثي وقراءة كتابه الآسر “سأكون بين اللوز”. طبعاً أنا الذي لا أعرف عن الكتاب شيئا من قبل سوى أنه محفوظ على جهاز كمبيوتري كمئات الكتب الأخرى التي قرأت بعضها والبعض الآخر ينتظر القراءة. وكذلك لا أعرف عن حسين البرغوثي شيئا يذكر سوى أنه كاتب فلسطيني مات باكرا بمرض السرطان. وربما قرأت عنه مقالاً أو مقالين لا أكثر.
عندما أنتهيت من قراءة الكتاب، رأيتني لا شعوريًّا أغمض عينيّ! للحظات بين الصحو والنوم رأيت حسين البرغوثي طفلا في الثالثة أو الرابعة من عمره، يلوح لي بيديه الصغيرتين، ويسألني بإلحاح: “هييي حسين ألم تعرفني؟ أنا آثر ابن صديقك حسين البرغوثي الذي تعرفت عليه للتوّ تحت الظل الوارف لشجرته الخضراء “سأكون بين اللوز”! قادني هذا إلى سؤال ألح علي فيما بعد: ترى أين آثر ابن حسين البرغوثي الآن؟ كم أصبح عمره؟ ماذا يفعل؟ ماذا يعمل؟ أين يقيم؟ أو بالعكس: أين حسين البرغوثي ابن آثر الآن؟ هل أصبح طيرا يرفرف فوق “الدير الجواني”؟ أم أصبح روحا تبسط نورها فوق سماء رام الله؟ أم آهة ناي حزينة في فم غجري يملأ الدنيا مرحاً؟ هل ما زال يقرأ سورين كيركيغارد ولوركا القتيل تحت أشجار الزيتون؟
ربما راودتني هذه الأسئلة عن معرفة مصير ابنه آثر، تحت تأثير هذا المقطع الجميل من الكتاب: “ومرة رأى في الحرش بيت نمل، فأخذ يرقص، ويدور حول نفسه، ويغني، ثم قال لي: “حسين، هنا بيت نمل، ارقص ، ارقص”! ورقصت، كنت وكأنني أتعلم الانتباه للتفاصيل الصغيرة، فالله في التفاصيل”.
أعود وأسأل نفسي ما الذي قادني إلى قراءة كتاب حسين البرغوثي الآسر “سأكون بين اللوز ـ في المستشفى ـ أنا الذي لا أعرف عن الكتاب شيئا من قبل سوى أنه محفوظ على جهاز كمبيوتري كمئات الكتب الأخرى التي قرأت بعضها والبعض الآخر ينتظر القراءة. كذلك لا أعرف عن حسين البرغوثي شيئا يذكر سوى أنه كاتب فلسطيني مات باكرا بمرض السرطان، وربما قرأت عنه مقالاً أو مقالين لا أكثر؟
ربما يكون الجواب كامنا في أعماق اللاوعي أو في تصادف اللاممكنات. أو ربما جو المرض والمستشفى هو ما قادني إليه في اللاوعي. أو ربما لتشابه اسمينا إلى درجة التطابق. حسين يشبه حسيناً حتى بمطالع الأحرف ومخارجها. سأقف قليلاً على هذا التشابه بالأسماء!
حسين جميل البرغوثي
حسين محمود حبش
إذاً كلانا “حسين” القتيل/ القتيلان
اسم ابوينا جميل ومحمود، وكلاهما جميلان ومحمودان.
وكنيتانا تنتهيان باسم حيوانين. كنيته برغوث! ويذكر في كتابه طرفة جميلة، ألا وهي أنه عندما سألته زوجته بترا لماذا سموكم براغثة؟ يجيب، قلت لها ضاحكا: “نسبة إلى الأسود”. إذاً البرغوث ما هو إلا فكرة خفيفة عن الحياة أو الاختباء والاختفاء عنها باكراً. وكنيتي حبش وما الحبش سوى ديك حبشي قابل للنفش تارة وللذبح تارة أخرى. إذاً ما الحبش إلا فكرة الثعلب عن الوجود!
مات حسين البرغوثي من ثقل مرضه الخبيث وأنا نجوت بخفة من مرضي الخفيف.
فتحية كبيرة له ولكتابه الآسر “سأكون بين اللوز” الذي خفف عني المرض والألم.
(مستشفى فالد، 20 يونيو 2015، بون/ ألمانيا)a