لاكان: بين الحبّ والرغبة والتحليل النفسي/ هشام روحانا
يتطلّب الحبّ مقايضة خيالية، “فأن تحبّ، يعني أساسًا أن تأمل بأن تكون محبوبًا”…هذه المقايضة ما بين “أن تُحبّ” وبين “أن تكون محبوباً” هي التي تُؤسِس وهمَ الحبّ، وهذا هو ما يفرقه عن مجموعة الدوافع؛ فالدافع لا يتطلب وجود المبادلة بل هو نشاط خالص فحسب
لاكان: بين الحبّ والرغبة والتحليل النفسي/ هشام روحانا
.
مترجم عن كتاب :“AN INTRUDICIONARY DICTIONARY OF LACANIAN PSYCHOANALYSIS” لمؤلفه Dylan Evans.
|ترجمة وإعداد: هشام روحانا|
يدّعي لاكان أنه من غير الممكن قول شيء ما ذي معنى أو ذي منطق، بخصوص الحبّ (S8, 57). وفعلاً، ففي اللحظة التي يبدأ فيها الشّخص بالحديث عن الحبّ، ينزلق توًا إلى التفوّه بالتُرّهات (S20, 17). من المستغرب إذًا، أن يقوم لاكان نفسه بتخصيص جزء كبير من السّيمنار لموضوع الحبّ. لكنّ لاكان عندما يفعل هذا فإنما يقوم بإيضاح ما يفعله المُتحلّل نفسيًا أثناء العلاج التحليليّ، إذ أنّ “الأمر الوحيد الذي نفعله أثناء الخطاب التحليليّ هو الحديث عن الحبّ” (S20, 77).
ينشأ الحبّ خلال العلاج التحليلي نتيجة للتّحويل. ولقد أبهرت لاكان طوال سنيّ عمله الإشكالية الكامنة في تأثير هذه الحالة المُصطنعة [أي التحويل القائم للمشاعر والأحاسيس ما بين المتحلل والمحلل النفسيّ] على هذا النحو. تُثبِت هذه العلاقة القائمة ما بين الحبّ والتحويل، بحسب لاكان، الدّور المركزي للخدعة في كل حبّ. يسلط لاكان الضوء، أيضًا، على العلاقة القائمة بين الحبّ والعدوانية، إذ يدلّ وجود الواحد بالضّرورة، على وجود الآخر. هذه الظاهرة التي يصنفها فرويد على أنها “أزدواجية” (ambivalence)، هي في نظر لاكان أحد أهمّ اكتشافات التحليل النفسيّ.
يصنف لاكان الحبّ على أنه ظاهرة خياليّة صرف، رغم أنّ له تأثيراته على النظام الرمزيّ (أحد هذه التأثيرات هو “انزلاق حقيقيّ للرّمزيّ” S1, 142)). الحبّ ذاتيّ الغلمة (autoerotic) ومبناه نرجسيّ في جوهره (S11, 186)، إذ “أنّ أناه الخاصّة، هوما يحبّه الإنسان في الحبّ،أناه، التي تتحول إلى ملموس على المستوى الخياليّ” (S1, 142 وللنظر، نرجسية). إنّ طابع الحبّ الخياليّ هو ما يؤدّي بلاكان إلى معارضة المحللين النفسيين (شاكلة بالينط Balint) الذين يضعون الحبّ مثالا أعلى للعلاج التحليليّ (S7, 8 وللنظر، تناسليّ).
يتطلّب الحبّ مقايضة خيالية، “فأن تحبّ، يعني أساسًا أن تأمل بأن تكون محبوبًا” (S11, 253). هذه المقايضة ما بين “أن تُحبّ” وبين “أن تكون محبوباً” هي التي تُؤسِس وهمَ الحبّ، وهذا هو ما يفرقه عن مجموعة الدوافع؛ فالدافع لا يتطلب وجود المبادلة بل هو نشاط خالص فحسب (S11, 200).
الحبّ هو وهم خادع للانصهار مع المحبوب، والذي يُعوّض عن غياب الإمكانية لأيّ علاقة جنسيّة (S20, 44). يظهر هذا جليًا على وجه الخصوص، في الطابع اللا-جنسي لحبّ البلاط (amour courtois) *.
(S20, 65).
الخدعة هي وسيلة الحبّ “وكالسّراب البراق، جوهره الخدعة“(S11, 268). الحبّ كالخدعة، لأنه مَنُوط بمنح ما هو ليس عندك (أي الفالوس). فأن تحبّ معناه “أن تهب ما ليس موجودًا عندك” (S8, 147). الحبّ مُوجّه ليس نحو ما هو موجود لدى موضوع الحب، بل نحو ما هو في عوز إليه، نحو اللاشيء الذي يتجاوزه. تزداد قيمة الموضوع كلما ازدات مقدرته على سدّ هذا العوز (للنظر تخطيط الحجاب: S4, 156).
يتصل المجال الأكثر تعقيداً لدى لاكان بالعلاقات ما بين الحبّ والرغبة. فمن جهة أولى، يُوجد كلا المفهومان على قطبيْ نقيض، ومن جهة ثانية فإنّ وجود بعض نقاط التشابه بين المفهومين تُشكل هذا التناقض:
1) بما أنّ الحب هو ظاهرة خيالية تابعة لمجال الأنا، فإنه يقع بوضوح على طرف نقيض من الرغبة، المنقوشة في المستوى الرمزيّ، مجال ال- آخر (S11, 189–91). الحبّ هو استعارة (S8, 53) أمّا الرغبة فهي كناية. وحتى أنه من الممكن القول إنّ الحبّ يقتل الرغبة، بما أنه مؤسّس على هوام التواحد (oneness) {أي أن يصير الاثنان واحدًا} مع الحبيب (S20, 46) المؤدّي إلى إلغاء الفارق المُثير للرغبة.
2) بالإضافة لما تقدّم فإننا نجد لدى لاكان بعض العناصر التي تُفقِد هذا التناقض بين الحبّ والرغبة حدّته. فهما أولا، غير قابليْن للإشباع التامّ مطلقًا. وثانيًا، بُنية الحبّ كونه “الطموح لأن أكون محبوبًا” مماثلة لبنية الرغبة والتي عبرها تتوق الذات لأن تكون موضوع الرغبة لل- آخر (من الناحية العملية وكما في تفسير كوجييف لهيجل، الذي يستند إليه هذا التفسير للرّغبة، هناك درجة معيّنة من الضبابية في دلالات المعنى ما بين “الحبّ” و”الرغبة”Kojeve 1947, 6). ثالثاً، ووفقاً لجدلية الحاجة/الطلب/الرغبة، فإنّ الرغبة تتولّد من هذا الجزء غير المشبع في الطلب وهو طلب الحبّ. إنّ خطاب لاكان نفسه يتعثّر مرارًا بسبب هذا التبديل الحاصل ما بين “الرغبة” و”الحبّ”، الأمر الذي يُشير اليه عند التطرّق لحوارالمأدبة لأفلاطون (S8, 141).
ــــــــــــــــــــــ
* حب البلاط (ترجمة حرة، هـ.ر) : وضع هذا المصطلح لأول مرة من قبل الناقد الأدبي جاستون باريس ( (Gaston Parisنهاية القرن التاسع عشر، ويشير من خلاله إلى ذلك الحب الذي تم التعبير عنه في الأدب والشعر في القرون الوسطى والذي نشأ بداية في جنوب فرنسا وانتشر لاحقًآ في اوروبا والذي يمجد نوعًا محددًا من الحب غير القابل للتحقق من قبل عاشق-شاعر يقدم نفسه طوع بنان رغبات معشوقته التي تتصرف به تصرف السيد بتابعه، الأمر الذي يعكس العلاقات الطبقية الإقطاعية في الأدب. شاع هذا النوع في ادب الطبقة الأرستقراطية حيث وصف علاقة الحب السرية الناشئة ما بين فارس أعزب وسيدة متزوجة (في العادة أميرة أو ملكة)، ولهذا فإنها مستحيلة التحقق، بما أنها محكومة بشروط العفة بالرغم من الإنجذاب الجنسي (مما يميزها عن الحب الدونكيشوطي). أشهر الأمثلة في الأدب الإنجليزي هي علاقة الحب بين النسوت وجينيفر في الملك أرثور وفرسان المائدة المستديرة. اعتقد أنه من الخطأ استخدام مصطلح “الحب العذري” كترجمة لهذا النوع المحدد من الحب.
َ
3 سبتمبر 2016
السلام عليكم ورحمة الله
قد قرات مقالتكم عن كتابات لاكان وانا اقوم بترجمة كامل كتاب Introductory Dictionary of Lacanian Psychoanalysis فهل يمكنني الاستعانة بهذا الجزء في الترجمة ؟
شكرا جزيلا ودمتم بود
1 فبراير 2013
يمكن القول إن الحب لايقتل الرغبة بل يقوم بتصريف الرغبة أي يوفر فرصة اشتغالها كخطاب لتتحرر الرغبة من مخلفاتها كالعدوانية والكراهية التي هي نقيض للحب…شكرا للمترجم