ديكتاتورية «المثقّف» وانفصاماته : سورية ومحمود درويش
«مثقّفون» يصفّقون للدم والدكتاتور؛ «مثقّفون» ينادون بالمنع والرقابة؛ «مثقّفون» يشتمون ويبصقون؛ «مثقّفون» تبريريون متواطؤون. لعلّ في انكشاف كلّ هذه الازدواجيات إيجابية وحيدة: بات كل شيء واضحاً اليوم
ديكتاتورية «المثقّف» وانفصاماته : سورية ومحمود درويش
|هشام البستاني|
حدثانِ (متباينان تماماً في الحجم) أشَّرا خلال الفترة الماضية، وما يزالان بتفاعلاتهما المستمرّة، وبشكلٍ لم يَدَع مجالاً للشكّ، إلى أن «المثقّف» في واقعنا العربيّ هو أبعد ما يكون عن التشكّل كحالة ضميريّة نقديّة، أو أن يكون حاضنة للحريّة والانعتاق عن السلطة، أو أن يتخلّص بالكامل من الرقابة والمنع، أو أن يزيل أوهام القداسة عمّا هو سماويّ أو أرضيّ، أو أن ينعتق من ارتباطات المصالح الأنانية والعصبوية والعائلية، أو أن يتخلى عن المقولات الدوغمائية، أو أن لا يرتضي لنفسه استعمال كلام منحطّ كالشتائم والبصاق في خطاب الآخرين.
الحدث الأول هو الانتفاضة المدويّة للشعب السوريّ في وجه النظام القمعي الطائفي الفاسد الذي يحكمه. فعلى الرغم من أنّ المثقف العربي قد وصل منذ زمن بعيد إلى تشخيص موضوعيّ مفاده أنّ النظام الرسمي العربي (ومن دون استثناءات) هو عقبة مزدوجة أمام الحريّة وأمام مشروع التحرّر على حدّ سواء، وعلى الرغم من أنّ «المثقف» هو حالة تفترض بشكل أساسي الانفكاك الكامل عن أيّ سُلطة وتحقيق الاستقلالية الكاملة عنها، بل والوقوف موقفاً نقدياً منها في أغلب الأحيان، نجد أنّ بعض «المثقفين» قد اصطفوا إلى جانب القمع والقتل في سورية وبدرجات متفاوتة من علوّ الصوت أو خفوته، من الوضوح أو المواربة. وتحوّلت مؤسّسة كانت تاريخياً منارة للحريّة، وتعرّضت للإغلاق أثناء فترة الأحكام العُرفية في الأردن (هي رابطة الكتّاب) إلى منبر ليس فقط للدفاع عن النظام السّوري وتبرير أفعاله، بل وللشتم والسبّ والبصاق، وقذف مؤيدي الانتفاضة السوريّة بأقذع التهم من الماسونيّة إلى العمالة والخيانة، وهذه الأمور طالت أناساً مثل الفنان نصر الزعبي والشاعر غازي الذيبة والفنان التشكيلي عصام طنطاوي والقاصّ مهند صلاحات والشاعر سيف محاسنة وكاتب هذه السطور وكثيرون غيرهم، وأين؟ على الصفحة الرسمية لرابطة الكتّاب الأردنيين على الفيسبوك! الصفحة التي يفترض أن تكون علامة من علامات الابداع والتنوير والحريّة، تحوّلت على يد أقارب مباشرين لقيادات الرابطة الحاليين إلى مكان يندى له الجبين ويخجل من مستواه أيّ عاقل.
كما حوّل هؤلاء «المثقفين» قناة الجزيرة التي لطالما استضافتهم وصنعت منهم أبطالاً إلى قناة عميلة، وحوّلوا صحيفة القدس العربي التي طالما كتبوا فيها وأشادوا برئيس تحريرها إلى «صحيفة المخابرات البريطانية». وفوق ذلك، برزت أصواتٌ «مثقفة» تقول عن المنتفضين إنهم «جرذان»، وتدعو لقتلهم والتنكيل بهم، وهي دمويّة ما بعدها دمويّة، تذكّرنا بإيديولجيا التفوّق العرقي، والصهيونية والنازيّة والفاشيّة.
أما الحدث الثاني (الأقل شأناً بكثير) فهو المسلسل الدرامي «في حضرة الغياب» الذي يتناول جوانب من حياة وشعر محمود درويش. أثار هذا المسلسل عاصفة أدّت إلى مطالبة مجموعة كبيرة من المثقفين بمنع (نعم: منع!) عرض المسلسل! بدلاً من أن يُطالب المثقفون بحريّة الفعل الثقافي على إطلاقه، ها هم يطالبون بالمنع والرقابة في وضع لا يمكن إلا أن يُوصف بأنه بائس ذو معايير مزدوجة ينسجم وانفصام مثقفي تأييد النظام السوري!
إنّ اتخاذ موقف حازم وشديد من الرداءة ونقدها بقسوة هو أمر مطلوب، لكنه لا يجب أن يتحوّل إلى موقفٍ مطالبٍ بمنع الرداءة، وإلا صار مناقضاً لأبجديات حرية الفن والابداع، وتحوّل إلى رقابة لا يمكن تمييزها عن الرقابة باسم الدين أو الأخلاق أو أيّ رقابة أخرى. ومن إيجابيّات هذا المسلسل الرديء أنه بيّن أنّ الكثير من المثقّفين مقيّدون بسلاسل القداسة: قداسة دنيويّة هذه المرّة تتعلق بشاعر كبير ورائع هو محمود درويش تم تصنيمه من طرف مُحبّيه! هذا الأمر رفضه درويش نفسه أكثر من مرّة أثناء حياته، خصوصاً فيما يتعلّق بطغيان «الأسطرة» هذه على معطيات النقد الأدبي لأعماله. لكنّ بروز العقليّة السّلفيّة ذات المرجعيّات الأرضيّة لم توفّره، كما لم توفّر مثل هذه العقلية الكثير من التيارات الفكريّة والفلسفية النقديّة الكبرى وعلى رأسها الماركسية.
«مثقّفون» يصفّقون للدم والدكتاتور؛ «مثقّفون» ينادون بالمنع والرقابة؛ «مثقّفون» يشتمون ويبصقون؛ «مثقّفون» تبريريون متواطؤون. لعلّ في انكشاف كلّ هذه الازدواجيات إيجابية وحيدة: بات كل شيء واضحاً اليوم، وعلى الموقف من الحريّات أن يكون حادّاً كالموقف من الكيان الصهيوني ومن مشاريع الهيمنة الأمريكية؛ فالحريّة والتحرّر وجهان متجادلان لذات العملة.
8 سبتمبر 2011
عذرا أن جاء تعليقي متاخرا، ولكن لمثقف ومبدع مثل البستاني لابد أن نحاوره من أجل تكوين رأي غام يحكم المثقف العربي لا كما يحدث الآن في لحظة تشتت كما حدث عند أحتلال العراق، فقد انشق المثقفون بين مؤيد ورافض، وليس لي بمن قاتل الأحتلال، أن العروف عن المثقف هو دفاعه عن مصلحة ابناء شعبه والشعوب الأخرى من منطلقه الإنساني الذي جعله مبدعا يحب الجمال ويقدسه، وهذه القيم التي تحكمه هي الميزة التي تفرزه عن بقية الناس العاديين، وهو ما يجعله أن يتخذ الموقف الصحيح، وقد حكمت منطقتنا العربية منذ عقود وقرون عقلية الروح الأنتهازية والمصلحية، لهذا لجأنا الى الأجنبي في تدمير بعضنا البعض، وبكل بساطة مراجعة للتاريخ ستكشف هول التبعية التي حكمتنا قرون طويلة، وما يحدث الآن في المنطقة العربية هو أستعداء بعضنا على البعض الآخر وبمساعدة الآجنبي الذي لاتهمه الآ مصلحته ، نعم أكثر أن لم يكن أغلب أنظمتنا العربية، أنظمة دكتاتورية، تحكم بعقلية العائلة والعشيرة والدين والعرق والطائفة، وهذا ما يحتاج الى نضال حقيقي من قبل من يدعون الثقافة والأبداع، ولكن الذي أمامنا ، انهم لا يختلفون عن الجهلة والمتخلفين من أبناء الوطن الغربي في الدفاع عن العشيرة والعائلة والمصلحة الشخصية، من أجل مكاسب آنية، وليس لديهم الأستعداد للتفريق بين أحتلال وبين النضال ضد الطغيان، هل أستبدل طغيان بطغيان ، دكتاتورية باحتلال، أ،ا لا اقول دع هذا النظام وشأنه ،لا بل يجب النضال من أجل تغييره وان يكون موقفنا الصلب هو الذي يغيره او يطيح به، لا أن نطلب من الدول التي هي أساس المشكلة في خلق الكيان المسخ الذي يقتل بدم بارد كل يوم الفلسطينين ويدمر الأخضر واليابس، وتصريحات عبيده في البيت الأبيض وداوننغ وباريس هدوء الوضع، أذن لماذا لا يهدون الوضع في افغانستان والعراق وسورية وما دمروه وما زالوا يدمروه في ليبيا، لماذا نضع ايدينا على عيوننا كما يفعلون فلا نرى الا ما يريدون أن نرى، المثقف الحقيقي هو من يدرك أبعاد اللعبة أكثر من ابناء الشعب الآخرين ويوعيهم ويفهمهم ماذا يراد لهم، لا ان نتبجح بثقفاتنا ونستغلها من أجل الثأر على أحقاد قديمة، السيناريو نفسه الذي قدموه كنموذج في العراق وقبله أفغانستان يعاد الآن في تونس ومصر ولو بطريقة مختلفة، ولكنه متطابق مع ما يحدث في ليبيا وسورية، ومن يتحدث بهذا لايعني أنه يدافع عن نظام أو عن القذافي او بشار الأسد، أنما كونه يدرك أبعاد المخطط الشق أوسطي والفوضى الخلاقة، التي ستشرذم الامة اتلعربية الى كانتونات، وبقع صغيرة على الخارطة لدويلات تشبه دويلات الخليج، والدولة الأعظم هي الكيان الصهيوني، الذي سيكون سيد المنطقة، وهذا الموقف المختلف في الرؤية هو نفسه الذي حكم الرأي على مسلسل محمود درويش ولا اريد أن اعيد رأي الذي سجلته في صحيفة العرب اليوم، عن المسلسل.
17 أغسطس 2011
عزيزي زياد: أنا لن أدير محطة فضائية رسمية أساساً من حيث المبدأ. أما ان كنا نتحدث عن فضاء اعلامي ما يعبر عن ذائقتي الأدبية والفنية فلن اسمح فيه لشعبان عبد الرحيم بالتواجد، اما ان كان ذلك الفضاء عاماً (ولو كان تحت اداراتي) فأسمح به بالتأكيد، وسأسمح لتعليقاتي وتعليقاتك وتعليقات الآخرين التي تشرّح رداءته وتدينها بأن تعبّر عن نفسها كذلك. من يملك بنى معرفية تتأسس عليها أعماله سيصمد في معركة النقد، أما الرديء فسيسقط في اختبار المعرفة دون منع. كما انني لست في وارد أن أضع نفسي في خانة “المعلّم” لا لأبنائي ولا لأبناء غيري. حسبي أن أخوض صراع الافكار والنقد وهم يقومون بالاختيار.
17 أغسطس 2011
عزيزي هشام: هل يختلف اثنان على رداءة تجربة شعبولا؟ انا لا اتحدث عن ذائقات، فمثلا انا احب صوت محمود منير بينما آخرون يحبونه، لا أحد يقول ان صوت محمد منير رديء، لكن هناك اختلاف في التذوق، كذلك انا أقرب لتجربة محمود درويش وأبعد عن عن تجربة ادونس، لكني لا أقول: أن أدونس رديء، أبدا فلديه آلاف المحبين,،
أم عن شعبولا، أعطني نقدا فنيا جديا ومثقفا يمكن ان يمدح أو يحتفي بشعبولا، أنت شخصيا هل يمكن ان تعرض أغاني شعبولا على محطة فضائية رسمية تديرها أنت.؟
السؤال المركزي هشام هو : كيف سيعرف أبني وابنك ان شعبولا رديء؟ وأن ماجدة الرومي غير رديئة ؟ لا ديمقراطية هنا، ولا تسامح ولا تعددية، هذه المفاهيم الني نؤمن فيها أنا وأنت لا تنطبق على ما نتحدث عنه هنا، هنا يوجد معايير من خلالها نعرف من سيرقى بذوق ابني وابنك بمن سينحط به.
17 أغسطس 2011
العزيز زياد. كل مؤسسة/موقع/مجلة حرّة في وضع المعايير الخاصة بها للنشر، وحرة في انجاز تعريفاتها لما هو جيّد وما هو رديء. أما المطالبة بمنع الرداءة، فتلك مسألة أخرى. هل لديك صديقي زياد تعريف جامع مانع للرداءة مثلاً؟ أنا لا أملك ذلك التعريف الجامع المانع فأكتفي بإعطاء رأيي المبني على أرضياتي المعرفية اضافة الى ذائقتي، لكن رأيي لا يرقى الى الحقيقة المطلفة النهائية بالمعنى الأصولي الديني الذي يخوّلني الالغاء الكامل لما لا يعجبني والمطالبة بمنعه. أيضاً: هناك فضاءات عامّة لا يجب أن يكون لأحد سلطة عليها: مثل التلفزيونات العامة والمراكز الثقافية الممولة من دافعي الضرائب. هذه مرافق عامة لاستعمال الجميع، وليست حكراً على أحد. لا تنس أن كثيرين ممن نصنفهم “عظماء” الآن كانوا “رديئي” عصورهم. تقديري لك
17 أغسطس 2011
(إنّ اتخاذ موقف حازم وشديد من الرداءة ونقدها بقسوة هو أمر مطلوب، لكنه لا يجب أن يتحوّل إلى موقفٍ مطالبٍ بمنع الرداءة، وإلا صار مناقضاً لأبجديات حرية الفن والابداع، ).
الكاتب هنا مع عرض الرداءة والسماح لها بالبروز والوجود، لأن منعها من الوجود هو استبداد. يعني لتذهب المعايير الى الجحيم. يعني مطلوب مثلا من علاء حليحل محرر هذا الموقع الراقي أن ينشر اي نص يصله حتى لو كان رديئا وركيكا وتافها بالمعنى الجمالي الفني. واذا لم يفعل ذلك فهو مستبد وغير ديمقراطي، أرجو من صديقي علاء أن يقول لكاتب هذا المقال الديمقراطي العظيم، كم نصا يلقي به في سلة المهلات لأنه لا يناسب رقي ورفعة ونضج ومستوى هذا الموقع.
16 أغسطس 2011
تصحيح
هل شعرت الان… متـأخرا أن ركوب قطار الحملة …
16 أغسطس 2011
هل شعرت الان… متـأخرا أن راكبي قطار الحملة على بشار
الاسد “المثقفين ” قد يفوتك فأطلقت صراخك مستغيثا ان انتظروني ! انا كنت في سبات ! والان استيقظت!
يا حرام فاتك القطار ! لانه وفي سوريا رجحت الكفة خلصت! فمرة ثانية اضبط ساعتك جيدا !
اما “المثقفين ” الذين ركبوا القطار فرحلتهم طويلة …السؤال في أية “محطة” سينزلون ؟؟؟؟!!