حادث جلل وردّ باهت/ سعد أبو غنّام
ردّ فعلنا كمجتمع يجب أن يكون مغايرًا ومختلفًا عمّا حدث… كان علينا كأهلٍ أن نرفض إرسال أولادنا إلى المدارس ونخرج في مسيرات تبحث عن شيء اسمه شرطة في شوارع البلدة
>
|سعد أبو غنّام|
قبل أسبوعين في الثلاثين من نيسان وقع في قرية كسيفة حادث جلل؛ تلك البلدة التي أبت إلّا أن تركب موجة العنف التي تجرفنا معها في حلقة سحريّة مفرغة تعبق بالدم والأسى. والحدث هو إطلاق نار على مدير مدرسة أبو ادي في كسيفة الأستاذ جمعة الغنّامي، في وضح النهار، ساعة وصوله إلى المدرسة وأمام طلابه القادمين إلى مدرستهم. لقد أربك الحادث الجميع، طلابا وهيئة تدريسية وأهاليَ، واختلطت الأمور على الجميع. وفي ضوء هذه المأساة قرّرت السلطة المحليّة تسريح جميع طلاب المدارس إلى بيوتهم في ساعة مُبكرة، لأنّ الأجواء لا تسمح بأيّ نشاط تربويّ تعليمي في وقت حرج كهذا. كانت هناك خطوات أخرى إيجابيّة قامت بها السلطة المحليّة وهي إرسال الاخصائيّين النفسانيّين لتهدئة الطلاب والمعلمين والمعلمات.
يوم الأحد، بعد يومين من الحادث الأليم، انتظمت الدراسة في كافة مؤسّسات البلدة، وتابع الأخصائيون مساعدتهم للطلاب في تجاوز الصعوبات والتغلب على الصدمة النفسانيّة التي ألمّت بهم، لكن الدراسة انتظمت من جديد وكأنّ المياه عادت إلى مجاريها، وكأنّ شيئا لم يحدث. إلّا أنّ الصدمة وآثارها ألقت بظلالها على الجميع. كان صباح الأحد غريبًا، وكان الهواء ثقيلاً بينما كان الجوّ هادئًا ومرعبًا وكئيبًا. كان الجميع يستعيدون في أذهانهم ساعة النحس في صباح ذلك الخميس الأسود.
إنّ المرارة التي تجرّعها سكّان البلدة لم تتوقّف عند هذا الحدّ، والصدمة التي أعقبت الصدمة هي عدم وجود إجابات على هذه الأسئلة: ما هي ردّة فعلنا إزاء هذا التعامل الخسيس مع دمنا المُراق في الحارات والشوارع؟ أين هي الصرخة التي يجب أن يُسمعها الجميع في ضوء إهمال السلطات الشنيع لموضوع العنف وعدم التصدّي له في مجتمعاتنا؟ مَن المُقصّر، وكيف يجب التعامل مع الموقف العصيب؟
كثيرة هي أسئلة المواطن العادي التي تراودني ولا تجد جوابًا كافيًا شافيًا. وربما تساءل أب أو أم هل سيعود أولادي من المدرسة أم ستصيبهم طلقات الجهل المجنونة التي تحلّق في فوق الرؤوس في بلداتنا العربيّة. إنّ ردّة فعلنا كمجتمع يجب أن تكون مغايرة ومختلف ألوانها عمّا حدث، لا أن نقلب الصفحة وكأنّ شيئا لم يحدث. كان علينا كأهالٍ أن نرفض إرسال أولادنا إلى المدارس ونخرج في مسيرات تبحث عن شيء اسمه شرطة في شوارع البلدة. أين هي الشرطة عند نشوب النزاعات في البلدات العربية؟ لماذا لا توجد دوريّة شرطة واحدة في الصباح عند وصول أولادنا إلى مدارسهم (مع العلم أنّ الشرطة في البلدات اليهودية تحضر عند ممرّات المشاة عند قدوم الاولاد إلى مدارسهم صباحًا)؟ ماذا لو حضرت دورية شرطة واحدة ساعة وقوع الحادث في البلدة؟ إنّ صمتنا هذا هو أكبر هدية لأنصار العنف ومروجيه في مجتمعاتنا.
لقد كان على أهل البلدة المنكوبة (بقيادة السلطة المحلية أولا) أن يتكاتفوا جميعًا وأن يخرجوا في مسيرات قانونيّة، تجوب شوارع البلدة، مع لافتات صارخة يحملها أطفالنا تندّد بالعنف وتسأل عن الشرطة ودورها، وتستنكر انعدام الأمن والأمان في شوارعنا، وتعلن جزعها على مستقبل أولادنا في مجتمع يمثّل العنف لدى بعض قطاعاته إكسير الحياة. إنّ المحزن حقّا -عدا عن الحادث الأليم- هو الصمت، وعدم دقّ الجدران والصراخ في ليل طويل أسود ملبّد بالعنف والشحناء والكراهية، والتعبير عن السخط الشديد إزاء هذا الواقع المرير ومن خلال المسيرات القانونيّة (بالإضافة إلى التوجّه إلى كافة الأطر والمؤسّسات ذات العلاقة بالأمن والأمان) والتي كان من الواجب إطلاقها كي نستحوذ على اهتمام الصحافة العربية والعبرية ونشدّ اهتمام الرأي العام لكوننا أقلية تفتقد إلى أدنى الخدمات.
أن تخرج من بيتك من دون أن يحلّق خطر الموت بجناحيه فوق رأسك. أكتبُ هذه الكلمات بينما يغطُّ الجميع في نوم عميق بانتظار الجريمة القادمة.
(شاعر ومدوّن من كسيفة)
18 مايو 2015
استاذي وإبن حارتي سعد،اخر شي ممكن افكر في هو لوم الشرطة على غيابها. الفكرة انك رفعت هذ الحادث والموضوع للاعلام ممتازة، بس المقارنات مع البلدات اليهودية مش في محلها، لان ما في اشطر منّا في لوم الوحش العدواني الي بنسمي سلطات اسرائيليلة. بتعرف متى بكون تغيير؟ لما شجاعتنا بترفع شعار واحد ووحيد، انه عذرية وحرية وجسد كل مرأة هو ملكها وحدها، وانه كل انسان بمثل نفسه ومش مئات او الاف الاخرين. من الاخر؟ او بنحكي في مواضيع taboo بشكل واضح وجرئ او ما بنحكي بالمرة. ايش كمان مع انك تحارب العصبية القبلية وتدينها؟ او انك تحارب مفهومنا لمصطلح الشرف؟ وايش مع الرجولة وتعريفها المتخلّف؟ للأسف اكتفيت باستعمال كلمات عامة وغير واضحة زي “العنف” في مقالتك، وتعال نكمل طحن في الهوا ونتمنى يصير تغيير. سلام من ارض الهنود الحمر، ابن حارتك في كسيفة.