عن عمر فاروق والمقاطعة/ منال شلبي
علينا العمل مع المجتمع لتعزيزه ليفهم أولاً ما يدور حوله وليفهم ما تقوم به دولة اسرائيل من مخالفات لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الدوليّ. ومن أجل تحقيق هذا لا بدّ من التمحوّر في أنفسنا وفي مجتمعنا؛ هذا أهم بكثير من حملة مقاطعة لا شركاء لها- لا داخليين ولا خارجيين
عن عمر فاروق والمقاطعة/ منال شلبي
>
|منال شلبي|
لم يتسنَّ لي في المرات السابقة التي زار بها عمر فاروق البلاد حضور عروضه كما هذه المرة أيضاً، وهو الفنان والموسيقي التركيّ الصوفي المقيم في أمريكا، والذي تأتي زيارته هذه المرة أشدّ وقعاً من المرات السابقة. فلم يقتصر دوره فقط على كونه فنانًا، إنما تخطاه ليصبح في موقع المساءلة والمحاسبة؛ فقد تعالت هذه المرة أصوات تنادي بمقاطعة العرض في الناصرة وجميع حفلاته، وأنا إذ افهم فكرة المقاطعة وأحترم النيةّ والرسالة والمقولة السياسية التي تقف من ورائها، أعتبرها هذه المرة زائدة ومنقوصة المعنى والفحوى. فيما يلي بعض الملاحظات على مقاطعة عمر فاروق خاصةً وعلى فكرة المقاطعة عامةً.
ما أوافق مجموعة المقاطعة عليه تماماً ولا أشكّ بأهميته هو ضرورة التزام الفنان والوفاء لدوره كإنسان، إلى جانب دوره كفنان يطمح لإيصال جمالية فنه وإبداعه إلى العالم الواسع؛ فالمطلوب من الفنان أن يضفي المزيد من الأبعاد الإنسانية لفنه والرّبط ما بين إبداعه ورسالته الفنية الشاملة لتحوي الفن والسياسة. فكون المثقف والفنان صاحب تخصص معين لا يعفيه من واجبه في أن ينقل لشعبه وللعالم أجمع رسالة إنسانية سياسية ذات صوت صادق، خصوصًا عندما يحمل اسماً لامعاً تصغي له الآذان. وماذا يمكن أن يكون أكثر تميّزًا من وضعيتنا كفلسطينيين في هذه الفترة، لنستعين بفنان مثل عمر فاروق لإيصال صوتنا ورسالتنا؟
ففي أشدّ الأحداث صعوبة -وهي المستمرة دائماً- يأتي ظهور عمر فاروق: في قمة وأوج استمرار موبقات الاحتلال الإسرائيلي والبطش وخرق حقوق الإنسان، واستمرار معاناة الفلسطينيين على الحواجز وبناء المستوطنات في الضفة الغربية، وإضراب الأسرى عن الطعام في السّجون الإسرائيلية وتعنّت الإسرائيليين بعدم إطلاق سراح الأسرى، وفي أوج المفاوضات على جلعاد شليط وفي محاولات السلطة الفلسطينية تحصيل اعتراف ومقعد في الأمم المتحدة، وتدهور العلاقات التركية الإسرائيلية إلى أسوأ حالاتها في تاريخ العلاقات بين البلدين، واستفحال الثورات العربية وإسقاطاتها في العالم العربي و وو… يحضر عمر فاروق إلى الناصرة وإلى البحر الميت في آن واحد ليقدّم لنا ما يعزفه، من دون أيّ تفكير أو تخطيط سابق أو برنامج سياسيّ.
أنا أفهم على مستوى المشاعر السّؤال الذي يعلو: كيف من الممكن أن نستمع في هذه الظروف إلى عمر فاروق؟ لكن يعلو لديّ في المقابل سؤال آخر: هل من الممكن تحميل عمر فاروق أكثر مما يحتمل؟ هل نريد أن نستعين بعمر فاروق لإيصال صوتنا إلى العالم؟ ولماذا هو دون غيره؟ هل يدرك عمر فاروق أهمية دوره كفنان وإنسان؟ وإذا لم يكن مدركًا، هل علينا أن نقاطعه، أم نوعّيه لهذا الدور؟ وهو الذي وفقاً لردّه الرسمي على حركة المقاطعة، لا يملك الكثير من الحنكة السياسية، ولهذا لا ينبغي تحميله أكثر ممّا يحتمل ولا ينبغي أن نحاول حل قضايانا السياسية من خلال مقاطعة العرض أو عدم مقاطعته.
أما القضية الأساسية التي يجب الوقوف عندها، فهي فكرة وحركة المقاطعة، وهي حركة تنشط مؤخراً في فلسطين من أجل فرض المقاطعة على دولة إسرائيل كدولة احتلال وكمُخلّة للنظم الدولية والمعايير الأخلاقية من خروقات لحقوق الإنسان، فتقوم الحركة فيما تقوم بتجنيد المثقفين والمتنوّرين وأصحاب الرأي الحر والفكر والأكاديميين والممثلين والمغنين للعزوف عن الاتصال مع إسرائيل وتبادل العمل والخبرات المهنية، كجزء من الخطوة الاحتجاجية لتشكيل الضغط على دولة إسرائيل لإنهاء الاحتلال.
ولعلّ أبرز حملة مقاطعة شهدها التاريخ المعاصر، والتي على غرارها تقوم حركة المقاطعة في فلسطين، هي المقاطعة من أجل إنهاء نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا- نظام الفصل العنصري. وقد نجحت هذه الحملة -بالإضافة إلى عوامل أخرى- بإنهاء هذا النظام في العام 1994. ولعلّ أبرز المركبات التي ساهمت في إنجاح حركة المقاطعة وإنهاء الابرتهايد، الضغط الدولي الذي شكلّ آنذاك على البريطانيين من أجل إنهاء النظام والضغوطات الدولية الواسعة، لا سيّما الاقتصادية التي شاركت فيها الكثير من الدول. وما كان لحملة جنوب أفريقيا النجاح من دون الضغوطات الخارجية. أما المُركّب الهام جداُ في إنجاح حملة المقاطعة فكانت المقاطعة الداخلية التي لعبت دور المحفز الأساسي لاستجابةٍ دوليةٍ هائلة تمثّلت في فرض حصار اقتصاديّ شامل ضد جنوب أفريقيا، كما جمعت الحركة الجماهيرية الديمقراطية المحلية كافة المنظمات التي عارضت نظام التفرقة العنصرية، بما في ذلك النقابات العمالية والمنظمات الطلابية والنسائية والمنظمات غير الحكومية والتجمّعات المدنية والمنظمات الأكاديمية، والشركات المتعاطفة، كما تمّ تنظيم بعض الحملات الأخرى من ضمنها حملة المليون توقيع.
وهنا يُسأل السؤال: هل تنجح حركة المقاطعة في فلسطين بالعمل على نفس نمط حملة المقاطعة في جنوب أفريقيا؟ وهل هي مُدركة لأهمية التعبئة الداخلية والمواظبة على تجنيد جميع الأطر والتنظيمات من أجل إنجاح الحملة؟ والسؤال الأهم: من الممكن تطبيق الحملة داخل دولة إسرائيل؟ هل نستطيع أن نعمل بهذا الشكل؟ هل نستطيع أن نعمل بالقدر الكافي على تجهيز الجمهور وتوعيته لأهمية المقاطعة ونشرح أبعادها ونتائجها؟ هل نستطيع أن نقاطع إسرائيل اقتصادياً وبشكل كامل؟ هل نستطيع أن نكفّ عن شراء المنتجات الإسرائيلية؟
إنّ واقع العرب الفلسطينيين في الداخل هو واقع مركّب وفي غاية التعقيد؛ فلا يمكن تضييق “النظر” والمناداة بحملة مقاطعة في وضعية لا نستطيع أن نطبّق ما ننادي به بشكل كامل. من الصّعب جداً تطبيق هذه الحملة في دولة إسرائيل. إذا كنّا نريد لحملة المقاطعة النجاح فعلينا أن نخلق مقوّمات الحملة الناجحة. فلا يمكن أن ينحصر هدف الحملة في مجموعة معيّنة دون غيرها، وهي المجموعة المُسيّسة في المجتمع التي تقتصر –بنظري- على مجموعة لا تتعدى العشرات من الأشخاص. ولا يمكن الإعلان عن مقاطعة عرض موسيقي معيّن، ثم يذهب 600 شخص لحضور العرض في الناصرة، في حين أنّ الجزء الكبير منهم لم يسمع بتاتاً عن حملة المقاطعة ولم يعرف أسبابها. ولا يمكن أن تكون المقاطعة انتقائية، بحيث نقاطع عمر فاروق ولا نقاطع أندريا بوتشيلي الذي جاء للبحر الميت، وضافر يوسف الذي جاء إلى حيفا، وبيتر روجرس، المناهض للاحتلال الذي جاء لإحياء حفلة في تل أبيب قبل شهريْن. لا يمكن أن نعلن عن مقاطعة عمر فاروق ولا نقاطع الأكاديميين الذي يأتون إلى الدولة ويحصلون على دكتوراه فخرية، كوزيرة التربية الألمانية بروفيسور آن شوان التي حصلت مؤخراً على دكتوراة فخرية من الجامعة العبرية في القدس. ولا يمكن أن ندعو لمقاطعة اقتصادية بينما نحن نعمل في دولة إسرائيل وندفع الضرائب الباهظة التي تذهب 30% منها للدولة والمؤسسات المالية الضخمة (التأمين وصناديق التقاعد)، كما أن ندعو لمقاطعة إسرائيل أكاديميا لأننا ندرس في الجامعات الإسرائيلية، ولا نستطيع الكثير من الأمور ليس لأننا لا نريد- بل لأنّ وضعنا المُركّب يحتّم علينا عدم المقاطعة.
برأيي يجب أن تدور الحملة في المقام الأول حول توعية الناس وتثقيفها في هذا الموضوع. علينا العمل مع المجتمع لتعزيزه ليفهم أولاً ما يدور حوله وليفهم ما تقوم به دولة اسرائيل من مخالفات لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الدوليّ. ومن أجل تحقيق هذا لا بدّ من التمحوّر في أنفسنا وفي مجتمعنا؛ هذا أهم بكثير من حملة مقاطعة لا شركاء لها- لا داخليين ولا خارجيين.
ويُسأل السؤال الهامّ: هل من الحنكة السياسية أن نتوقع من فنان لا يملك موقفًا سلبيًا من قضيتنا ألا يأتي إلى إسرائيل لأننا لا نريده أن يأتي؟ وهل من الحنكة السياسية أن نحول فنانًا محايدًا كعمر فاروق إلى عدو بدل تجنيده إلى جانبنا بسبب حملة نحن لا نستطيع نحن تطبقيها؟
برأيي، من يؤمن بأنّ المقاطعة هي الحلّ الأمثل يجب أن تكون المقاطعة التي ينادي بها شاملةً ثقافياً أدبيا فنياً واقتصادياً، متابعة ومواظبة على العمل لا تكل ولا تمّل ليل نهار، ومتعاونة مع الأطر الباقية ومتواصلة مع الشعب البعيد عن حلقات النقاش الفكرية؛ وأن تكون منظّمة وليست عشوائية وتحترم الرأي المغاير من دون أن يطعن به أحد، ولا توزع الشهادات الوطنية على الناس: فمن لا يقاطع هو غير وطني ومن يقاطع هو حتماً وطني وفلسطيني.
علينا تحضير الجمهور للمقاطعة وشرح أسبابها وأهدافها، بعد ذلك من الممكن أن تكون المقاطعة آلية ذات تأثير ووقع على المجتمع وعلى الدولة لتحدث التغيير والتأثير على الجماهير. وإذا لم يحصل ذلك، فسيبقى هذا الحراك يدور في إطار استشراء القوالب الجاهزة والكليشيهات المستهلكة التي لا تحدث تغييرًا- لا نوعيًّا ولا كمّيًّا.
.
• “القوة الأخلاقية من جماعية العمل”: محضر ندوة خصوصية العمل الثقافي لدى فلسطينيي الداخل
• عمر فاروق خرق المقاطعة الفلسطينية لإسرائيل: فلنقاطع جميع حفلاته!
• لا موسيقى من دون نغمة تضامن/ ياسمين ظاهر
• نداء المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل
26 أكتوبر 2011
مع بداية المقال ظننت ان منال من المؤيدين/ات للمقاطعة وقد شرحت بالتفصيل كيف ان المقاطعة في جنوب افريقيا أدت بالنهاية الى أنهاء ودحر الأبرتهايد. وأظن ان هذه التجربة التاريخية تشكل منارا لحملة المقاطعة الفلسطينية بما فيها الداخل الفلسطيني . سئمنا من هذا الخطاب البائس ان لدينا خصوصيتنا كعرب 48 ولا يمكن ان نقاطع تنوفا واوسيم ونحن نتعلم في الجامعات الأسرائيلية ومندفع ضرائب وتامين وطني والخ. اوافق اننا يجب ان نرسم لنا برنامج مقاطعة يتناسب مع وضعيتنا ولكن لنقاطع ما هو مقدور عليه. ولتصل الرسالة لعمر فاروق، محبيه ومعجبيه ان المقولة : نحن نطلب منك ان لا تشارك دولة الأبرتهايد اي احتفالية وليفهم معجبيه لماذا هذه المقاطعة وبهذا نوسع دائرة الوعي للمقاطعة.
خطابك يا منال لا زال يتسم بالجمود وثقافة المقموع الذي لا حول له ولا قوة ومقولة: ” شو ما عملنا مش راح يكفي”. دعوتي اليك كالتالي :
ان لا نزاود على الآخرين وان يعمل كل شخص، مؤسسة، وتنظيم من موقعه. فلنقاطع مهرجان الافلام في حيفا ومؤسسات الترويض الأسرائيلية العربية، ونقاطع بضائع المستوطنات لأن لها بديل ولنحث كل الفنانين على مقاطعة المهرجانات الاسرائيلية التي بدورها تريد ان ترسم لأسرائيل صورة الانسانيين المحبين للفن وباليد الاخرى تبطش وتقتل وتعتقل وتصادر أراض وتسن قوانين ضد أبسط الحقوق الانسانية وتعطي العفو لقاتلي النساء وتتحالف مع العائلية والقبلية ضد القتلة وتمتلئ ادراج الشرطة بشكاوى عن العنف المتفشي في مجتمعنا بقولها ان هذه القضايا شأنا داخليا للعرب الفلسطينيين في الداخل وتمنع لم شمل العائلات بأبسط احتياجاتها وهي لم شمل العائلة والقائمة طويلة .
ألا يستحق كل ذلك مقاطعة حفل عمر فاروق؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وهو أضعف الأيمان؟
19 أكتوبر 2011
مقال رائع يا منال،
وهو يعكس في طياته جميع التساؤلات بصدد المقاطعة، فاعليتها، استرتيجياتها أم عدمها، معاييرها المزدوجة وغيرها.
حاول البعض من مروجي المقاطعة توزيع شهادات وطنية لعمر ولفنه، لمحبيه ولمن أراد مشاهدة عرضه، ومن ثم لركوب الموجة الدعائية، وتحميل عمر أعباء القضية الفلسطينية.
قال الجمهور بشكل قاسم نعم لعمر، نعم للموسيقى والفن، لا للمقاطعة غير المدروسة، مزدوجة المعايير وانتقائية التوجه دونما استرتيجية واضحة واستغلال عمر لترويج صنيعها. فشلت مقاطعة عمر فاروق بنهاية المطاف، وقد غصت القاعة بأكثر من ألف مشاهد.
وهاي غنوية I Love You، مهداة إلى عمر:
http://www.youtube.com/watch?v=tMkNb8dAkVI
18 أكتوبر 2011
على ما يبدو ان الكاتبة لا تعي المفهوم الصحيح لحملة المقاطعة، بالذات في سياق الفلسطينين في مناطق ال 48!
18 أكتوبر 2011
هادا موقفك الشخصي ؟ ولا موقف السفارة الامريكية الي بتشتغلي فيها؟
18 أكتوبر 2011
اذا كانت لنا القوة ان نقاطع اذا تعالو نتركز بمقاطعة العنف. فهو خطر داهم سيحرق الاخضر واليابس.
مقال منال في محله. مقنع وداعي للتفكير الاعمق والغير سطحي
17 أكتوبر 2011
مقال ممتاز ذات مضمون راقٍ . مكتوب بلغة عالية وبسلاسة . .
17 أكتوبر 2011
أولا المقال غير مرتب ومتسلسل فكريا مما يصعب على القارىء لملمة الموضوع واحتواءه والاقتناع بوجهة نظرك، فعلى العكس أنا مثلا لم أكن أحمل رايا حازما حول المقاطعة ولكن بعد قراءة المقال اقتنعت أكثر أنّ لا مجال لاعطاء التنازلات لأي أحد بدون علاقة لهويته وتاريخه بساطته، فبكون المغني الممثل الفنان أو المحاضر شخصية خرجت الى الحيز العام فهي مؤثرة (وهنالك من يؤثر أكثر من غيره بطبيعة الحال) وبذلك تتحمل المسؤلية الكاملة لأفعالها ومواقفها مما يعني أنّها أيضا قابلة للمسائلة الجماهيرية من قبل مشجعيها ومحبيها بخصوص تلك المواقف. من هنا يجب أن يفهم الجميع أنّ بداية أنّ حركة المقاطعة حين تتخذ موقفا يتبناه من يتبناه من كتاب او اشخاص معروفين أو حركات ثقافية هي لا تستعلي على الجمهور والناس ولا تخونهم لأنهم لم يفهموا لوحدهم الموضوع ولا تقوم بالاتهام والمزايدة والحق يقال أنّ ما تحاول فعله هو رفع الوعي ونشر الموضوع، وادعائك أنّ هذا النشر غير كاف ومتعالي غير صحيح ولو تم العمل بحسب هذا المنطق لكان الصمت سيسود. نعم بالامكان دوما تطوير طرق نشر الوعي لتكون أكثر شعبية وتصل جميع الناس وهذا لا يلغي أن تتواجد حلقات نقاش فكرية أيضا ولا يلغي أن يتخذ الناس موقف مؤثر ويدعو للمقاطعة وأنت بما أنك ملمه في الموضوع مدعوة كذلك للانضمام الى الدعوة ونشرها.
17 أكتوبر 2011
أوافقها على ما تقول