مقتل الأمريكي بن لادن/ هشام نفاع
الرئيسان الأمريكيّان، السابق والحالي/ سيء الصيت وبهيّ الطلعة، يرفضان الخوض في الحقبة الأمريكية التي أنتجت مسوخًا قامت على خالقيها على شاكلة المجرم بن لادن – خاص بـ”قديتا”
مقتل الأمريكي بن لادن/ هشام نفاع
|هشام نفاع|
إتفق براك أوباما وجورج بوش على عبارة لافتة لخّصا بها الخبر عن قتل أسامة بن لادن. أوباما اعتبر أن “العدالة تحققت” وبوش قال إن “العدالة تتحقق”. هناك خلاف بسيط على زمن هذه العدالة، أو لنقل نقطة الزمن التي يُنظر اليها منها، ولكن الرئيسين الأمريكيين متفقان تمامًا على فعل تحقّقها.
لستُ بصدد اعتبار أنه لا خلاف بين الاثنين. لكن التشابه بينهما في هذه القضية إجباريّ، بل إنه مقدَّر بحيث لا إرادة لهما في ممارسة أي اختلاف يُذكر. هذا ليس قدَر السماء بالطبع، بل إنه قدر التاريخ – التاريخ السياسي الأمريكي الرسمي حين لا يقترب المرءُ منه حاملا مبضَع النقد.
يجب البحث عن “الكمّاشة التاريخية” التي لا تزال تقبض على رئيسين أمريكيين يُفترض أنهما خصمان سياسيان، وتُسقط عنهما “نعمة” التفرّد. هنا يمكننا اللجوء مثلا إلى “سي ان ان” التي قدّمت على موقعها الشبكيّ ملخصًا لسيرة بن لادن. “سي ان ان” ليست متهمة بالعداء لسياسة أمريكا (مثلنا)! ما يهمنا خصوصًا هو التالي:
عام 1979 بدأت علاقة بن لادن بالجهاد الأفغاني، حيث قام بزيارة إلى منطقة بيشاور في باكستان، وقابل مجموعة من قيادات الأحزاب الأفغانية من الحرس القديم، مثل عبد رب رسول سيّاف، والرئيس برهان الدين رباني، وحينها عاد للسعودية وبدأ بحملة لجمع التبرعات. وفي 1982 قرر بن لادن الدخول إلى أفغانستان والمشاركة في الجهاد ضد القوات السوفييتية، حيث تلقى دعماً ماليا من وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA بعلم من الحكومة الأمريكية، قُدرت بـ 3 مليارات دولار، كما تمّ تمويله بالسلاح ومصادر أخرى حتى دحْر السوفيت. بعدها أسس بن لادن حركة الأنصار في بيشاور بباكستان كمركز لاستقبال العرب القادمين للجهاد (!)، وبعدها بعامين 1986، أسس ستة معسكرات، وبقي هناك حتى عام 1989، حيث عاد بعدها للسعودية (!). وفي العام 1988 أسس “القاعدة” حين كان مقيمًا في السعودية (!) وظل هناك حتى 1991. (ملاحظة: علامات التعجّب منّي..).
المفكر الفرنسي جاك داريدا كان قال ما يمكن اعتباره تفسيرًا لهذه السيرة التي يلعب فيها جهاز المخابرات الأمريكية دورًا اساسيًا، إن لم يكن الدور المؤسّس، في نشوء بن لادن وقاعدته. ويُقال هذا بالطبع بعيدًا عن نظريات المؤامرة الكسولة، بل استنادًا الى قراءة سريعة لفصل من تاريخ العنف السياسي الأمريكي الرسمي.
يقول داريدا: ”علينا ألا ننسى أن الولايات المتحدة كانت قد مهّدت الأرض سلفًا وعززت من قوى المناهضين لها وذلك عن طريق تدريبها لأشخاص لم يكن بن لادن إلا ممثلهم الفذّ، وكانت قد مهدت الأرض حين خلقت بادئ ذي بدء المناخ السياسي والعسكري المؤاتي لظهور قوى هؤلاء الأشخاص ولكي تنقلب هذه القوى عليها” (من كتاب: “ما الذي حدث في 11 سبتمبر”).
إذًا، فيجب التساؤل عن أية “عدالة” تلك التي تحققت أو تتحقق بقتل بن لادن، أمريكيًا. لأن من قتله هو من صنعه وموّله وتركه يتحرّك ويسرح ويمرح وينشط في بناء ما يصحّ اعتباره الرمز الأبشع لاختلاق استراتيجية “الارهاب الاسلامي”. فالأمر ليس “ظاهرة” بل سياسة. وكم تثير السخرية والأسف، معًا، تلك العقول البحثيّة والأكاديمية التي نصّبت نفسها كملاحظة هامشية تذيّل العقيدة السياسية الأمريكية الساعية لخلق “العدو الأخضر” الاسلامي بعد التخلص من “العدو الأحمر” الشيوعي. (هل سيشكّل قتل بن لادن مؤشرًا على انطلاق عقيدة “العدو الأصفر” الصينيّ؟!). فقد شهد العقد الأخير كمّـًا صناعيًا من التنظيرات عن “العنف المتأصّل في الإسلام” وما شابه من الخرافات البائسة. ولم تكن سوى قلّة شجاعة ممن حاولوا طرح الأسئلة النقديّة بإصبع موضوعة على معصم التاريخ لقياس نبض ما حدث “فعلا” من سياسات، وليس ما يتم انتاجه من دعاية مختلقة لخدمة تلك السياسات.
الرئيسان الأمريكيّان، السابق والحالي/ سيء الصيت وبهيّ الطلعة، يرفضان الخوض في هذه الحقبة الأمريكية التي أنتجت مسوخًا قامت على خالقيها على شاكلة المجرم بن لادن. لا بل ان بوش استثمر هذه الحقبة جيدًا لمواصلة تمرير العقيدة السياسية الجديدة، في حينه، حين اقتنص 11 سبتمبر ليخرج في حملة “تنظيف العالم من الارهاب”، بوسائل لا تختلف أبدًا عن الارهاب، بل تؤسّس له بالنهج والممارسة: حرب استغلال دموية احتلالية على العراق؛ حملات من التحريض على كل ما يخالف سياسة وحيد القرن الامبريالي؛ فبركة “ملفات” لكل دولة لا تنصاع للإملاءات؛ دعم كل القوى الاقليمية التي تخدم مصالح واشنطن؛ وحماية مختلف المقاعد الفاسدة لنظم حوّلت بلدانها الى مزارع تقدم خدمات عابرة للقارات.. بوش الشهير بالغباء عرف، بذكاء لافت (لدى رؤسائه الحقيقيين)، كيف يستثمر بن لادن وما يعنيه ويفعله حتى بعد أن قام على واشنطن. بوش أكد لنا المؤكد: بن لادن أمريكيّ المنشأ والممارسة والهدف والمصلحة.
اليوم، حين يلخّص أوباما الحدث ضمن الإطار الضيّق لصنع “العدالة الأمريكية” فهو يصدّق على سياسة خصمه ويمنحها شرعية تاريخية. أوباما الدّمث يقفل الباب الفولاذي على فرصة تغيير النهج الأمريكي العنيف، ويختار البقاء في الفناء الخلفي لأجهزة المخابرات والأمن وتجّار الأسلحة وقوّادي النفط والدماء.
إن ما تحقق بقتل بن لادن، فعليا، ليس عدالة. لأن تحقيق العدالة يستدعي المراجعة، استخلاص العبر، والاعتذار للعالم كله عن سياسة دموية أنتجت نزيفًا يتجاوز دماء 11 سبتمبر. ربما أن السياسة الأمريكية الرسمية تحاول وضع الحدث في سياق ما يسمى “العدالة الشعرية”، حيث يقع النصر الماحق “للخير على الشر”. أحد الأذكياء قال مرة: إن العدالة الشعرية في الحقيقة هي المبرّر لأن يكون الخيال مسموحًا به لدى الشعب المتحضّر.
الشعب لأمريكي متحضّر، وها هما الرئيسان يختتمان له قصة مأساوية على نمط العدالة الشعرية التي تُبقي للخيال مساحة.. الخيال مهم كطاقة وأفق للإبداع، ولكن ليس لأكاذيب السياسات العنيفة. ولذلك يبقى السؤال: أهكذا تلخّص الشعوب تجاربها المريرة التي يضلع حكامها مباشرة فيها بصفة متهم؟!
أخيرًا: بعد شهر على 11 سبتمبر كتب مايك ديفيز، كاتب تقدمي أمريكي يرئس تحرير مجلة “نيو لفت ريفيو” اليسارية، ما يلي:
“حين يحدث أن السياسة الخارجية الأمريكية، المحكومة بالشركات العملاقة والاحتكارات الدولية، تتورط في “حرب قوى” عامة، كان النيويوركيون يواصلون عدم اكتراثهم بأي خطر حقيقي، ويلتفون حول العلم والرئاسة الامبريالية.. الى أن حل يوم على حين غرة، وجاءت الحرب الى عالم منشغل – بسلام – في شؤون التسلح وتطوير الطاقة التدميرية..”.
اليوم، عندما شاع خبر قتل بن لادن، كان النيويوركيون، مرة أخرى، يلتفون حول العلم والرئاسة الامبريالية.. لم يسأل أحد منهم الرئيس بصوتً صارخ: ما الذي فعلتموه بنا؟..
هذا المشهد الاحتفالي محزن، وخطير أيضًا! أو كما قال المفكر الأمريكي نوعام تشومسكي مؤخرًا بما معناه: الأمريكيون بحاجة ماسّة الى ميدان تحرير!
• مقتل السّعودي-الإسلاميّ بن لادن/ علاء حليحل
4 مايو 2011
كم هي جميلة تعابيرك ورؤيتك للامور وتحليلاتك لكن لدي ماخذ على كلامك(بانك نعت بن لادن بالمجرم وما زالت هذة الشخصية مجهولة المعالم دع التاريخ يحكم ونحن نفترض فقط) هذهوجهة نظري لك ان تقبلها او ترفضها
4 مايو 2011
متاز ورائع,
3 مايو 2011
سلمت أناملك يا هشام، ورماديات دماغك الفذ!
3 مايو 2011
ما هذه الرّوعة أخي هشام؟!
ما كلّ هذا الوعي؟!
ما كلّ هذه الجرأة في طرح المختلف الذّكيّ الصّادق المبرهَن، في الانقلاب على المألوف الغبيّ الكاذب الفقير إلى برهان؟!
أحيّيك وأشدّ على أياديك (يديك)!
وفرحي لك وبك، وحزني على من فشلوا في إيفائك حقّ قدرك!
دُم لنتعلّم منك!
ولكنِ اكتب: سيّئ؛ ولا تكتب: سيء؛
وقُل: سيّئ السّمعة؛ ولا تقُل: سيّئ الصّيت؛ لأنّ الصّيت، لغة، هو السّمعة الحسنة، فليس من المنطقيّ أن نقول: سيّئ الصّيت؛ فكأنّنا نقول: سيّئ السّمعة الحسنة!
والبقيّة تأتي.
واسلم لأخيك،
أسعد عَودة
الكبابير/ جبل الكرمل/ حيفا
البريد الكَهْرَِبِيّ (الإلكترونيّ): asarabic@gmail.com